أظن السخرية التي يُتناول بها تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهو النسخة المطورة من تنظيم القاعدة، قد تنقلب إلى بكاء مرير لاحقاً، مثل القلق الشديد الفزع والهلع الذي انتاب العراقيين مع استيلاء التنظيم على مدينة الموصل. والأيام كفيلة ببيان الأمر.
هل نلاحظ هنا التناقض القائم بين السخرية الشائعة من التنظيم وأفراده وممارساتهم من جهة وبين القلق الشديد من الممارسات الإرهابية المتطرفة التي تشمل ذبح الرقاب؟
تناقض غريب يشي بأن في الأمر أكثر مما يبدو على السطح..
في الأثناء يشن(مصلحو العالم دعاة الحرية والنظام)عمليتهم لمحاربة الإرهاب والإرهابيين (الذين لا يعرفون غير لغة القوة) حسب تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، و (الذين يجب علينا أن نحاربهم، لا بد أن نحاربهم) حسب تصريح وزير خارجيته كيري أمام الكونغرس.
العبارات التي يستخدمانها تحيل إلى لغة القرن الثامن عشر، نفس الأوصاف التي استخدمتها الإمبريالية الاستعمارية لتبرير نفسها وممارسات الرجل الأبيض في العالم المتخلف (البربري، البدائي، الآخر، الجاهل، ..الخ)
بينما من جهة أخرى يتذكر العالم ما خلفه مصلحو العالم دعاة الحرية والنظام بعمليتهم السابقة في ليبيا حيث لا شيء غير التعصب والتطرف والتناحر، وإشاعة الفوضى، والخروج على القانون ونظام الدولة، والاستهزاء بالمؤسسات، دون احترام أي معنى للنظام، فهل هذا ما سيخلفه دعاة الحرية والنظام والديمقراطية ومصلحو العالم في العراق والشام؟!
تتسائل من جهة أخرى هل يعني محاربة التطرف بهذه الطريقة انتهاء التطرف من العالم؟ هل سينتهي التطرف وستتعلم البشرية أن لغة الإقصاء والنبذ والكراهية والتمذهب والقتل بالهوية وبالجنس والعرق قاتلة ومميتة ولا تجر إلا مزيداً من الحروب؟ تتساءل وتنظر صوب إسرائيل وحربها الأخيرة واقتناصها الفلسطينيين في الطرقات والشوارع واستباحتها دمائهم وأطفالهم وبلادهم، فلا يبدو أن التطرف ينتهي حقاً.
لا ينتهي التطرف هناك، ولا هنا، فالذين توقفوا عن دعم غزة في حرب إسرائيل الأخيرة عليها بحجة أن حماس التي تسيطر على القطاع تنتمي إلى الإخوان المسلمين هم أيضاً متطرفون عمي، فليس التطرف مسألة دينية، ولا هو حقيقة إسلامية، فالذين يجندون الغالي والنفيس من أجل محاربة الإخوان المسلمين في كل مكان وملاحقتهم وهزيمتهم في مصر واليمن وليبيا هم أيضاً متطرفون، وهم بتطرفهم يغذّون التطرف الآخر، ويقدمون لهُ حطباً وناراً كي يشتعل مقابل اشتعالهم وبالتالي تتقابل النيران وتحترق الأرواح ويسوَدُّ وجهُ الأرض..
ليس بالأشكال ولا بالغطاء الإعلامي الحديث تتغير مثل هذه الأفكار القاتلة والمميتة، والعالم لن يصبح أفضل بقتل الشباب والرجال والنساء المنتمين لتنظيم داعش أو لتنظيم القاعدة، مثلما أن العالم لم يصبح أفضل بمقتل أسامة بن لادن، ولم تعرف باكستان أو أفغانستان الراحة بموته، بل بالعكس انتشر التطرف أكثر فأكثر، واشتعلت نيرانه، ما دام التطرف الآخر الغربيّ الهوى يرى أنهُ هو وحده يمتلك الحقيقة والصواب المطلق..
في العالم متسع للجميع.. ويسعُ مئات الأديان والطوائف والمذاهب دون إقصاء ولا نبذ ولا تطرف، وإذا لم نتعلم هذه الحقيقة من تاريخ الأديان الذي هو في نفس الوقت تاريخ الأفكار وتاريخ الإنسانية فإنما نحتكم للنار التي لا تعرف غير الاشتعال.
الانتشار الفكري لمبادئ التطرف يحتكم من ضمن شروطه لبيئة تغذيه، وهي نفس البيئة التي يرعاها النظام العالمي اليوم بتطرفه وتطرف أنظمته التي تعدم كل من خالفها وتنبذه وتقصيه وتعجز عن استيعابه، وبالتالي تسنُّه وتشحذه أكثر كسكين أو سيفتقدم لهُ رقبتها.
إبراهيم سعيد
البلد