أصبحت إمارة قطر الخليجية الصغيرة، والغنية جدًا، هدفًا لعداء دولتين لهما تأثير كبير في الولايات المتحدة، وهما إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. إسرائيل غاضبة بسبب دعم قطر للفلسطينيين عمومًا، ولحركة حماس على وجه التحديد.
في حين أن الإمارات العربية المتحدة تعادي قطر لدعمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بينما تدعم هي قادة الانقلاب العسكري هناك، وأيضًا بسبب دعم قطر بالأموال للمتمردين الإسلاميين في ليبيا.
وقد أدى هذا العداء إلى شن حملة جديدة في الغرب، لتشويه سمعة القطريين، وتصويرهم كداعم رئيس للإرهاب. وفي حين اختار الإسرائيليون النهج المباشر في مواجهة عدوهم الجديد في الدوحة من خلال اتهامه علنًا بتأييد الإرهاب، اختارت دولة الإمارات وضع استراتيجية أكثر سرية في مواجهتها لقطر، وذلك من خلال دفع الملايين من الدولارات لشركة ضغط في الولايات المتحدة، مؤلفة من كبار المسؤولين السابقين في الخزانة من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وذلك لزراعة ونشر قصص مضادة لقطر عن طريق الصحفيين الأمريكيين.
وكان هذا التكتيك الأكثر دهاءً ذا نجاح ملحوظ، كما أنّه يسلط الضوء على مدى سهولة شراء الرأي السياسي في وسائل الإعلام الأمريكية، وقد تمّت الإشارة للمرة الأولى إلى هذه الحملة الغامضة ضد قطر في تقرير للصحفي ديفيد كيركباتريك، نشرته نيويورك تايمز قبل أسبوعين.
وأفاد التقرير حينها بأن “التوافق المحتمل في المصالح، بما في ذلك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل” يسعى لتصوير الدوحة على أنّها “عراب للإرهابيين في كل مكان“، وهو الاتهام الذي تنفيه قطر بشدة.
وقد ذكر التقرير أيضًا، ولكن بشكل عابر، أحد المتورطين في هذه الحملة، وقال التقرير:
“وظفت دولة الإمارات العربية المتحدة شركة استشارات أمريكية، وهي مجموعة كامستول، والتي يعمل بها العديد من مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية السابقين. حيث تظهر سجلات هذه الشركة، وهي مسجلة كشركة أجنبية، وجود محادثات بينها وبين الصحفيين الذين كتبوا بشكل متكرر مقالات تنتقد دور قطر في جمع الأموال لصالح الإرهاب“.
وكيفية عمل هذه العملية هي أمر مذهل، وتوضح بفعالية كيف يمكن التلاعب بالتصورات العامة وتقارير وسائل الإعلام الأمريكية دون صعوبة تذكر.
تشكلت مجموعة كامستول (Group Camstoll) في 26 نوفمبر 2012. والشخصيات الرئيسة فيها هم جميعهم من كبار مسؤولي وزارة الخزانة السابقين في كلٍّ من إدارتي بوش وأوباما، والذين شملت مسؤولياتهم إدارة علاقات الحكومة الأمريكية مع أنظمة الخليج العربي وإسرائيل، فضلًا عن إدارة السياسات المتعلقة بتمويل الجماعات الإرهابية. معظم هؤلاء هم بالأساس من المحافظين الجدد.
واثنان من مدراء المجموعة، كانوا يعملون مع واحد من أكثر الناشطين المعادين للمسلمين تطرفًا في البلاد، وهو ستيف إيمرسون.
وكان مؤسس كامستول ورئيسها التنفيذي ومالكها الوحيد هو ماثيو ابشتاين، وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة من عام 2003 حتى عام 2010، حيث عمل خلال هذه المدة أيضًا كملحق مالي للوزارة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وتظهر برقية دبلوماسية من عام 2007، سربتها تشلسي مانينغ ونشرتها ويكيليكس، تفاصيل اجتماعات ابشتاين مع مسؤولين رفيعي المستوى في أبو ظبي من أجل وضع الخطط لقطع المعاملات المالية والمصرفية الإيرانية.
وتكشف هذه البرقيات أيضًا عن اجتماعات متعددة رفيعة المستوى بين ابشتاين، بصفته مسؤول الخزانة، ومسؤولين رفيعي المستوى من الإمارات، وهم المسؤولون الذين يدفعون الآن ملايين الدولارات لشركته للعمل كوكيل لهم داخل الولايات المتحدة.
والمدير التنفيذي لشركة كامستول، هوارد مندلسون، شغل منصب مساعد وزير الخزانة، وكان لديه أيضًا مسؤوليات سياسية كثيرة تشمل الإمارات. وتظهر برقية مسربة من عام 2010 تفاصيل “لقاءاته مع مسؤولين كبار من وزارة أمن الدولة في الإمارات (SSD)، ودائرة دبي العامة لأمن الدولة (GDSS)”، لتنسيق تعطيل تمويل طالبان. ومدير تنفيذي آخر للشركة، وهو بنيامين شميت، عمل أيضًا مع ابشتاين في مشروع ايمرسون، قبل تعيينه في وزارة الخزانة.
وتكشف برقية دبلوماسية من عام 2009 كيف عمل شميت مع إسرائيل من أجل السيطرة على تمويل الفلسطينيين. وأما بنيامين ديفيس، وهو مدير آخر لكامستول، فقد كان الملحق المالي لوزارة الخزانة في القدس.
وفي 2 ديسمبر 2012، وبعد أقل من أسبوع من تأسيس كامستول، وقعت الشركة عقدًا مربحًا للعمل في الاستشارات مع كيان مملوك بالكامل لإمارة أبو ظبي، وهو شركة توقعات استثمارات الطاقة (LLC)، والتي أميرها هو رئيس الإمارات العربية المتحدة شخصيًا.
وبعد أسبوع، تم تسجيل كامستول كشركة أجنبية تعمل نيابةً عن الإمارات. ويدعو الاتفاق الاستشاري إلى دفع رسوم شهرية بقيمة 400 ألف دولار لكامستول. وبعد أسبوعين فقط من تشكيلها، حصلت الشركة على أتعاب قدرها 4.3 مليون دولار من قبَّل الشركة الإماراتية، وفي عام 2013، حصلت كامستول على 3.2 مليون دولار مقابل عملها مع نفس الشركة.
وتنفق الإمارات العربية المتحدة أكثر من أي بلد آخر في العالم للتأثير على سياسة الولايات المتحدة، وتشكيل النقاش الداخلي في واشنطن. وهي تدفع الأموال لمسؤولين حكوميين رفيعي المستوى ممن عملوا معها في السابق، مثل ابشتاين وشركته، من أجل تنفيذ وتمرير أجندتها داخل الولايات المتحدة.
وما فعلته كامستول بهذه الملايين من الدولارات، هو أنها أنفقت وقتًا طويلًا في إقناع أصدقائها من الصحفيين لنشر القصص المعادية لقطر، ونجحت في ذلك إلى حد كبير.
واستراتيجية الشركة كانت واضحة، حيث استهدفت الصحفيين من المحافظين الجدد، والكتاب الموالين لإسرائيل، مثل لايلي لايك من مجلة ديلي بيست، والانا غودمان من مجلة فري بياكون، وإليوت أبرامز، وجينيفر روبين من الواشنطن بوست، ومايكل روبن من معهد إنتربرايس الأمريكي.
كما واستهدفت الشركة أيضًا الإعلاميين الناشئين، مثل إيرين بيرنيت من سي إن إن، ومارك هوسينبال من رويترز، وجوبي واريك من صحيفة واشنطن بوست.
وفي النصف الأخير من عام 2013، كان هناك 15 اتصالًا منفصلًا بين كامستول ولايلي لايك، وكلها بالنيابة عن أجندة دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي شهر ديسمبر وحده، كان هناك 10 اتصالات منفصلة مع غودمان.
كما تحدثت الشركة عدة مرات مع واريك. وفي الوقت نفسه، كانت الشركة تتحدث بالنيابة عن الإمارات مع الزملاء السابقين الذين ما زالوا يعملون كمسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخزانة، بما في ذلك كيت باور، الملحق المالي للوزارة في الإمارات، وأيضًا، نائب مساعد الوزير، داني ماك غلين.
ذا إنترسيبت
التقرير