ما إن انتهت اجتماعات الجمعية العامة لـ«لأمم المتحدة»، وقبل أن تعود الوفود الرسمية، وحتى قبل أن تصدر الخارجية المصرية بيانا بشأن كلمة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» التي انتقد فيها الأوضاع في مصر ما بعد «الانقلاب»، سارعت الخارجية الإماراتية بإصدار بيان استنكار، ونشرته مساء الخميس الماضي في وكالة أنباء الإمارات «وام» وكأن مصر العربية أصبحت إمارة ثامنة تتبع سلطة الحكم في أبوظبي .
ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تتحدث فيها الخارجية الإماراتية بلسان مصري، وحتى قبل أن تنطق مصر الرسمية بموقفها «الدبلوماسي» فقد فعلتها خارجية الإمارات العام الماضي، واستنكرت وأدانت تصريحات الرئيسي التونسي «منصف المرزوقي» عندما انتقد عمليات القتل والاعتقال التي وقعت بحق آلاف المصريين علي إثر انقلاب العسكر في يوليو/ تموز من العام الماضي. ساعتها لم تعر الخارجية التونسية «استنكار» الإمارات اهتماما يذكر، فالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمر بمرحلة برود غير مسبوقة بسبب موقف الإمارات من ثورات «الربيع العربي التي انطلقت من تونس فضلا عن تسريبات بدعمها فصيلا سياسيا بعينه وإغداقه بالرشى السياسية لأحد السياسيين البارزين في المشهد السياسي التونسي «السبسي» والتي فضحته مؤخرا وسائل إعلام عديدة بنشرها مستندات تثبت تورطه في قبول الدعم الإماراتي له.
ولا يمكن للمتابع أن يرصد مواقف مشابهة اتخذتها دولة تجاه أخرى، فمصر ليست عضوا في «مجلس التعاون الخليجي»، كما أن تركيا ليست عدوا مشتركا لمصر والإمارات ولا يمكن لخارجية الإمارات إصدار مثل هذا البيان ضد إيران التي تحتل جزر «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«أبوموسي» منذ عقود.
الإمارات حرصت علي نشر البيان المستغرب في وكالة الأنباء الرسمية وقالت أنها ترفض الهجوم الذي شنه الرئيس التركي، «رجب طيب أردوغان»، على مصر، خلال خطابه أمام الجمعية العامة لـ«لأمم المتحدة»، داعيةً إياه إلى «التوقف عن الإساءة إلى الحكومة والشعب المصري»، ووصفت وزارة الخارجية الإماراتية في بيانها مؤخرا ما جاء على لسان «أردوغان» فيما يخص جمهورية مصر العربية، بأنه خطاب غير مسؤول، وتدخل سافر في الشؤون الداخلية للشقيقة مصر.
وتابعت الوزارة في بيانها: «فوجئنا بما جاء على لسان رئيس جمهورية تركيا، رجب طيب أردوغان، فيما يخص جمهورية مصر العربية، واستغلاله منصة «الأمم المتحدة»، للتهجم المرفوض على الشرعية المصرية»، وقالت إنها «إذ تستنكر هذا الخطاب غير المسؤول، وتعتبره تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لجمهورية مصر العربية، واستفزازاً للمشاعر العربية، فإنها تدعو الرئيس التركي للتوقف عن الإساءة إلى الحكومة المصرية والشعب المصري».
مخالفة الأعراف الدبلوماسية
اعتبرت الخارجية التركية، في بيان صادر عنها اليوم السبت، الموقف الإماراتي «مخالفا للأعراف الدبلوماسية، ولا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال».
وأكد البيان بحسب وكالة «الأناضول» أن «احترام خيارات الشعوب الديمقراطية، ومعارضة إسقاط الحكومات المنتخبة عبر وسائل غير ديمقراطية كالانقلاب، هما نتيجة موقف تركيا المبدئي»، مؤكداً أن تركيا تتبنى هذا الموقف السياسي على أساس الشرعية الديمقراطية.
وأوضحت الخارجية التركية، أنه قد يكون ثمة دول تشعر بالانزعاج من موقف تركيا، ولكن ذلك لا يمنح الحق لتلك الدول بتوجيه الاتهامات «غير اللائقة» للرئيس «أردوغان»، مشيرةً أن مثل هذا الموقف لا يتماشى مع علاقات الصداقة، والأخوة.
وأعربت الخارجية عن أملها في أن تحترم الإمارات العربية المتحدة القيم الأساسية للعلاقات الدولية، وأن تتجنب التصريحات بشأن قضايا لا تخصها بشكل مباشر.
وكان «أردوغان» قد انتقد ما وصفه بـ«صمت الأمم المتحدة» تجاه مصر، قائلاً إنها شهدت انقلاباً على «رئيس منتخب من قبل الشعب، وقتل الآلاف ممن خرجوا يسألون عن مصير أصواتهم»، بينما اكتفت «الأمم المتحد» والدول الديمقراطية، بمجرد المشاهدة، وأضفوا شرعية على ذلك «الانقلاب».
من خارجية الشيخ زايد إلى خارجية ولده
والمتابع للشأن الإماراتي يلحظ التطور «الغريب» في أداء الخارجية الإماراتية منذ تأسيسها في عام 1971 في ظل قيادة «عبدالله بن زايد» الذي تولي حقيبة الخارجية عقب الترتيبات الجديدة التي أعقبت تولي الشيخ «خليفة بن زايد» السلطة خلفا لوالده الشيخ «زايد» في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2004.
فقد ظل «عبدالله بن زايد» المولود في 1973 وزيرا للإعلام لسنوات وانتقل للخارجية عقب إلغاء الوزارة واستبدالها بالمجلس الوطني للإعلام، وخلال هذه السنوات كان «عبدالله» حريصا علي عدم الخوض في القضايا الخلافية، واقتصر دوره علي متابعة شئون الإعلام، لكن دور الوزارة تغير قبل أسابيع قليلة من احتلال العراق في عام 2003 وأصبح الإعلام الإماراتي الرسمي «ترسا» في ماكينة الإعلام الغربي المبرر للغزو.
ولا يذكر تاريخ الخارجية الإماراتية علي مدي الـ43 عاما الماضية تدخلا في الشأن الداخلي لأي دولة، فقد كانت الإمارات توصف بالدولة المسالمة التي تحرص قيادتها علي عدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، وهو ما أكسبها احتراما وحبا من غالبية شعوب العالم حتي بعد انطلاق ثورات «الربيع العربي» كان الموقف الرسمي الإماراتي معتدلا ومتحفظا، لكنه تغير بعد وصول أول رئيس مدني منتخب في مصر إلي سدة الحكم وكانت الراعي الرسمي لـ«الانقلاب».
يقول «محمد.ن» مهندس مصري مقيم في دبي، إن الإمارات تتصرف منذ الانقلاب تجاه السلطة في مصر بمنطق «الكفيل» الذي يملك الحق في التصرف نيابة عن «المكفول» فتصدر بيانات إدانة واستنكار ضد دول عربية وغير عربية نيابة عن سلطة الانقلاب.
ويضيف، كثيرا من أصدقاءنا المواطنين يستهجنون الموقف الرسمي الذي ساند عمليات القتل والسحل والاعتقال التي وقعت بحق مصريين بعد الثالث من يوليو/تموز 2013، فلا أحد في الإمارات يستطيع التعبير عن معارضته للموقف الرسمي، حيث لا مجال للمعارضة أو حتى التعبير السلمي عن الرأي.
ويقول يحرص المصريون المقيمون في الإمارات علي البعد عن تناول الشأن السياسي بعد أن طردت الإمارات الآلاف من المصريين المناوئين للسلطة الجديدة في مصر والتي تحظي برعاية إماراتية.
ويري «راشد.س» أن صورة المواطن الإماراتي تأثرت سلبا بسبب تصرف القيادة تجاه بعض الأشقاء في مصر وقطر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والانحياز لطرف في هذه الدول علي حساب طرف أخر، فهل تقبل الإمارات أن يصدر بيان استنكار أو إدانة من أي دولة تجاه تصرف من هذه التصرفات، وهل باتت مصر محمية إماراتية بحكم تدخلها ماليا وسياسيا في صناعة القرار المصري، ثم هل عجزت الخارجية المصرية أن تسكت الإمارات عن التحدث باسمها أم أن الإمارات ومصر ترسي قواعد جديدة في دبلوماسية العلاقات مع الدول والتي أقرها «بوش الأب» عدو صديقي عدوي ومن ليس معي فهو ضدي، هل تحولت المواقف السياسية الصادرة عن البعض عند الحروب إلى برتوكولات بين الدول بفعل الصراع بين مشاريع التحرر ومشاريع استمرا الاستبداد والفساد؟
المصدر | الخليج الجديد