نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية دراسة عن سياسة التشغيل والإصلاح الاقتصادي في سلطنة عمان تحمل عنوان “التشغيل المراوغ: التخطيط التنموي واتجاهات سوق العمل في عمان”، من إعداد كريستال أنّيس ورائد الجمالي. تتناول الدراسة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسلطنة عمان مع التركيز على تأثيره على سوق التشغيل والخيارات السياسية التي تتدخل بالضرورة في رسم ملامح الوضع.
تشهد مؤسسات الدولة العمانية ثورة لإعادة هيكلة الاقتصاد وإصلاح الخلل في بنية التشغيل والإنفاق لجعل الاقتصاد أكثر استدامة وقدرة على المنافسة. وقد كانت سلطنة عمان أول بلد من مجلس التعاون الخليجي يعد استراتيجية تنموية على المدى الطويل هدفها الأساس رفع التبعيات الهيكلية للاقتصاد بالتوازي مع حصول تغيير ديمغرافي كبير. وأطلق على هذه الخطة اسم “رؤية عمان 2020”.
ماهي رؤية عمان 2020؟
“رؤية 2020” هي خطة تتمحور حول المستقبل الاقتصادي لسلطنة عُمان حتى العام 2020، أطلقت سنة 1995، وتعتبر بمثابة خارطة طريق لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على مدار 25 عاما.
تشمل الأهداف الرئيسية لرؤية 2020:
◄ تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي
◄ تغيير الدور الذي تلعبه الحكومة في الاقتصاد وتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص
◄القطاع الخاص
◄ تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي
◄عولمة الاقتصاد العُماني
◄ رفع مستوى مهارات القوى العاملة العُمانية وتطوير الموارد البشرية
هل حققت الخطة أهدافها؟
كان أحد الشروط الحاسمة لتحقيق “رؤية 2020” إعادة تنصيب القطاع الخاص كمحرك النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل للمواطنين العمانيين. لكن بقيت هذه الأهداف بعيدة المنال، بل يواجه الاقتصاد الآن نسبا عالية نسبيا من البطالة وخاصة بين العمانيين الشبان في حين يسجل الطلب على العمالة الأجنبية أكبر مستوى له على الإطلاق.
16 بالمئة قيمة مشاركة القطاع غير النفطي في تمويل موازنة عام 2013
ما هي أبرز السلبيات؟
مازال أغلب العمانيين يعملون في القطاع العمومي بينما يتركز أولئك العاملون في القطاع الخاص في وظائف وقطاعات اقتصادية معينة. وباستثناء بعض القطاعات القليلة التي تعتمد على رأس المال بشكل كبير وتوظف عددا منخفضا من العمال حيث يهيمن عليها العمانيون.
ومازال الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية غير الماهرة. وفي ذات الوقت نجد أن الصنف التشغيلي الوحيد الذي نجحت معه سياسة “التحرك الإيجابي” لفائدة العمانيين (الوظائف الإدارية من الطبقة الوسطى والتي لا تتطلب مهارة عالية) هو أيضا الصنف المعرض أكثر من غيره لمخاطر التقادم التكنولوجي.
هل من بديل لرؤية 2020؟
لم تبق سوى سنوات معدودة للانتهاء من رؤية “عمان 2020″، وفي ضوء المتغيرات الشاملة التي يشهدها العالم وضرورة رسم خطة بعيدة المدى، أطلقت سلطنة عمان الرؤية المستقبلية “عمان 2040” للنمو طويل المدى للفترة من 2020 إلى 2040.
من المحاور الرئيسية لرؤية “عمان 2040”:
◄ العمل على تنمية قطاعات بارزة وهي قطاعات السياحة والزراعة والثروة السمكية والاتصالات والخدمات اللوجستية والموانئ، وهي محاور واعدة تمثل أدوات رئيسية يمكن أن تكون عماد الاقتصاد العماني خلال العقدين القادمين حيث شارك القطاع غير النفطي على سبيل المثال في تمويل موازنة عام 2013 بنحو 16 بالمئة من الإيرادات العامة.
◄ التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث أكّد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان سعيد الكيومي “عمان 2040” رؤية ثاقبة تستشرف المستقبل وتتطلع إلى المزيد من التطور وتحقيق الإنجازات وفق منظومة عمل طموحة، تسهم في صياغتها كل شرائح المجتمع لتحديد الأهداف بدقة متناهية ورسم خارطة العمل وآليات التنفيذ والتفكير في 2040 ما يجسد رؤية بعيدة المدى والتفكير في المستقبل.
ما هي أبرز عوائق سياسة التشغيل؟
يشير كريستال أنّيس ورائد الجمالي إلى أن التغيرات في السياسة التشغيلية في سلطنة عمان على مدى السنوات الثلاث الأخيرة تمثلت في ردود فعل تهدف لمعالجة الغليان الاجتماعي، مع قابلية الاستراتيجية العامة لإجراء مناورات تكتيكية. وإضافة إلى قلب الحوافز لإجراء إصلاح هيكلي، زادت الكثير من السياسات المعتمدة منذ 2011 في ترسيخ وضع الدولة كمشغل أول في البلاد. ومن المتوقع أن تكون لهذه الحلول القصيرة المدى تبعات على المدى البعيد.
وتستخلص الدراسة أن العقبات الأساسية أمام الإصلاح الاقتصادي في عمان هي الظروف الهيكلية المضمنة التي تتطلب تغييرات بالجملة.
وبينما كانت عمان مثالا لجاراتها في الاعتماد على القوة العاملة الوطنية يضيع الآن ذلك التقدم نتيجة للعوائق الهيكلية والتفكير القصير المدى في رسم السياسات. والمثال الواضح على ذلك التمشي هي البيئة التشغيلية لما بعد 2011 التي كانت تعتمد على علاجات مرتجلة تجاوبا مع الاحتجاجات، وليس هناك شك أن هذه الإجراءات ليست سوى معالجات مؤقتة أدت في النهاية إلى تقويض الجهود الرامية إلى إيجاد حلول لتحديات سوق الشغل.
أين الخلل في تحقيق الإصلاح المطلوب؟
يبين تاريخ التخطيط التنموي الذي فحصته هذه الدراسة أن الحكومات المتعاقبة على مر العقود كانت على وعي تام بالتحديات الحقيقية التي تواجه التنمية الاقتصادية، لكن المعطيات الخاصة بنفس الفترة تظهر وجود مشكل دائم يتعلق بربط التخطيط بالتطبيق، وهو في الواقع مشكل ما ينفك يتفاقم مع مرور الوقت.
في الفترة ما بعد 2011 تخلت عمان بشكل واضح عن خططها الطويلة المدى لمصلحة معالجة المشاكل على المدى القصير، وبذلك ضاعت الكثير من الإنجازات في سبيل الأهداف البعيدة فيما يتعلق بتشغيل المواطنين العمانيين في صلب اقتصاد متنوع. في الواقع عمان الآن بصدد العودة إلى أنماط اقتصادية قديمة عوضا عن تقوية المواطنة الاقتصادية. وبالرغم من وجود تحسينات في عديد المجالات، فإن استمرار تشعب سوق العمل وتهميش القوة العاملة الوطنية المنتجة سيستمر في جلب تداعيات على الاستقرار المالي والاجتماعي.
ما هي ركائز الاقتصاد العماني؟
تعتمد السياسة الاقتصادية في سلطنة عمان بالأساس على المنتجات الأساسية للنفط والتعدين واستغلال المحاجر والصناعات التحويلية: صناعة المنتجات النفطية المكرّرة وصناعة الغاز الطبيعي المسال والمواد الكيميائية… بالإضافة إلى استغلال الثروة البحرية.
ماهي نتيجة الاعتماد التام على النفط؟
بالرغم من حسن النوايا وسمو الأهداف التنموية تنبه دراسة “تشاتام هاوس” إلى أن توظيف المكاسب من مواد المحروقات في منافع اجتماعية على مدى العقود الأربعة الماضية من تطوير الصناعة البترولية أنتج مجتمعا نفطيا وليس اقتصادا نفطيا فحسب. كما تنبه إلى أن طريق عمان نحو اقتصاد المعرفة عطلته مشاكل عدة يعاني منها سوق العمل في البلاد. وما لم تتحرك بقية الدول الخليجية بشكل أكثر حزما، فهي الأخرى معرضة لمواجهة تحديات شبيهة.
ما الحل؟
تقول الجمعية الاقتصادية العمانية في أحد منشوراتها إن المستقبل يتطلّب استحداث رؤية جديدة للسلطنة تأخذ بعين الاعتبار مستجدات المرحلة الحالية وما توفّره من فرص وتبرزه من تحديات على المدى القصير والمتوسّط والطويل.
وهذه الرؤية يجب أن تحظى بالإجماع والتوافق وتتطلب صياغة شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص ومساهمة فعّالة من قبل المجتمع المدني.
ويشير الخبراء إلى أن سلطنة عمان قادرة على إنجاح رؤاها المستقبلية، يساعدها في ذلك استقرار سياسي وسلم اجتماعية ومقومات اقتصادية وتطلعات نحو المستقبل لكن دون القفز على المراحل.