طالب الباحث الأمريكي ستيفن كوك زميل مجلس العلاقات الخارجية بعدم تصديق الخطاب الذي سيدلي به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم، متوقعا أن يكون حديثا مفروشا بالورود، على نحو يغاير الواقع الذي يعيش فيه المجتمع المصري.
وشبه كوك في مقال له على موقع مجلس العلاقات الخارجية، إصرار السيسي على الادعاء بحدوث تقدم في مصر بمقولة أمريكية مفادها “التكرار الكثير لكذبة ما يحولها إلى حقيقة”، مستدلا بادعاءات فرنسا في خمسينيات القرن الماضي بأن الجزائر جزء أصيل منها.
وفيما يلي نص المقال:
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو الشخص الذي يخطف الأنظار هذا العام في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد حاليا في الولايات المتحدة.
رجل اجتماع الجمعية العامة العام الماضي كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، بينما كان الرئيس المعزول محمد مرسي على رأس قائمة الاهتمام عام 2012، باعتباره أول رئيس منتخب ديمقراطيا، ولانتمائه إلى الإخوان المسلمين.
بالرغم من عدم حميمية علاقة السيسي بالرئيس الأمريكي باراك أوباما إلا أنه “يتناول الفطور مع هنري كيسنجر، وجيمس بيكر ومادلين أولبرايت، ويتناول الغداء مع جبابرة البيزنس، ويترأس اجتماع مصغر مع قادة الرأي، ويتقدم على زملائه في ترتيب إلقاء كلمته اليوم.
رسالة السيسي بسيطة جدا مفادها: ” مصر تعود، لدينا خطة اقتصادية، الاستثمار آمن، أنا على الجانب الصحيح من التاريخ، ومصر مستقرة”. : ” لا تصدقوا ذلك، فعلى ما يبدو لي أن السيسي يخالف الواقع كثيرا.
كلمات القادة في اجتماعات الأمم المتحدة، تتسم بالروتينية والتي تبعث على النوم، باستثناء الزعيم الفنزويلي هوجو تشافيز، والرئيس الإيراني السابق محمود أحمد نجاد،و السؤال المطروح هو “لماذا ينبغي أن يكون خطاب السيسي مختلفا؟”..لا أحد ينتظر منه أن يقف في الأمم المتحدة ويقول: “لقد فعلت أشياء شريرة، ومصر في وضع سيء”
:الرسالة المتفائلة مستمرة منذ شهور، وفي طريق معين، يشير إلى أن المصريين يحتاجون للاقتناع بما يرددونه..الرسائل الإلكترونية التي ترسلها السفارة المصرية بشكل مستمر للجميع حول ما يبدو ظاهريا أنباء جيدة لمصر و التصريحات الرسمية، غير المعقولة، بشأن “حماية الثورة”، والأسلوب البارع للصفوة المصرية في تجاهل المشاكل الحقيقية لمصر، وردود الفعل العنيفة ضد أي شخص يتحدى تلك التصريحات يوحي بهشاشة وتناقض المشروع السياسي في مصر الذي بدأ منذ العام الماضي.
المصريون وغيرهم ممن يستخدمون وصف “انقلاب عسكري”، يقعون تحت مخاطر وصفهم بالإخوان المسلمين، واعتبارهم “إرهابيين”، حيث يفضل الرئيس السيسي ومسشاروه ومؤيدوه وصف التدخل العسكري في يوليو 2013 بأنه “ثورة نفذت إرادة الشعب”.
: “هناك مقولة في السياسة الأمريكية مفادها أنك لو كررت كثيرا التفوه بكذبة ما، تضحى إلى حقيقة..ومن أجل ضمان العمل بهذا التكتيك تحتاج عددا كافيا من الأشخاص من القابلين لتصديق الكذبة..كم عدد الأشخاص الذين يصدقون أن التبت كان جزءا من الصين؟ ليس عددا كافيا، لأن الحكومة الصينية كانت يستوجب عليها ترديد تلك الكذبة باستمرار.
“الحكومة الفرنسية دأبت في الخمسينيات من القرن الماضي على الادعاء بأن الجزائر هي جزء أصيل من فرنسا، كذلك يفعل السيسي،الذي يتحدث كثيرا عن حدوث تقدم مصري عظيم.
: ” دعونا نراجع الوضع الحالي في مصر..فالأرقام الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة يتراوح بين 12.3 -13.4 % عام 2014، رغم أن الجميع يعلم أن الإحصائيات الرسمية بشأن البطالة دائما ما تكون كاذبة(يعني أن النسبة الحقيقية تتجاوز الأرقام المذكورة”.
معدل التضحم بلغ 11.5 %، ووصل الدين العام إلى 92.2 % من الناتج الإجمالي المحلي..الاحتياطي الأجنبي بلغ زهاء 16.8 مليار دولار، وسجلت الاستثمارات المباشرة الأجنبية 4.4 مليار دولار خلال الشهور التسع الأولى من العام الجاري…ولم تتجاوز الإيرادات السياحية خلال النصف الأول من 2014 ثلاثة مليارات، أقل من إيرادات ذات الفترة من العام الماضي، رغم أنها شهدت احتجاجات مناوئة لمرسي.
كما حدث تقهقر ملحوظ في الأوضاع الأمنية. فقد لقي نحو 500 من رجال الشرطة والجيش مصرعهم بفعل الإرهاب، منذ يوليو 2013 ، وقتل أكثر من 1000 مدني خلال ذات الفترة في مواجهات مع قوات أمنية، وأصيب الكثيرون، ويقبع أكثر من 16 ألف سجين سياسي على الأقل في السجون بحسب تقديرات الحكومة المصرية نفسها، بينهم إخوان وآخرون، و11 صحفيا،بما يعني أن المشهد لا ينم عن صورة جميلة.
ورغم تحدث السيسي عن ضرورة التضحية الجماعية، ونواحه على جيل ضائع، إلا أن الرسالة الإجمالية التي يقدمها للمصريين والعالم هي “كل شيء جيد”، بما قد يخدم الاحتياجات السياسية الحالية له، ويدفئ قلوب بعض الذين سيلتقي بهم هذا الأسبوع في نيويورك على الأقل.
لكن ذلك قد يضحى مصدرا لمشاكل سياسية ملموسة بالنسبة له، حيث أن إصرار السيسي على إخبار المصريين بأن الأمور تسير على ما يرام، وأن الأوضاع تتحسن ينذر بتدهور شعبيته إذا لم يتحقق ذلك، كما سيجد معارضوه سبلا لتوضيح الفرق بين ما يخبر به المصريين، وبين ما يعايشونه في الواقع.
مثل هذه الفجوة بين المبادئ التي يتم تصديرها والحقيقة هي السبب في سقوط مبارك، كما كانت السبب في مواجهة السادات معارضة من شتى الأطياف السياسية، قبل اغتياله عام 1981، وواجه عبد الناصر كذلك تمردا أوائل 1968.
السيسي ولا شك يشعر بثقة أكبر في موقعه أكثر من أي وقت آخر، منذ انقلاب 2013 ففي الوقت الراهن، لا يوجد متحدون واضحون له، فهو يحظى بدعم الجيش والمخابرات، كما تسير الداخلية على ذات الخط، ولن يقوم السيسي بتحدي القضاء الذي كان أداة لتقويض مرسي. لكن إذا أراد السيسي الاستقرار فعليه أن يبحث عن كيفية السيطرة على الشعب من خلال شيء ما بديلا لقوة الشخصية والقوة المطلقة.