منذ عام 2011، تحاول البحرين إخراج نفسها من الجمود الذي حلّ في المفاوضات ما بين زعماء المجتمع الشيعي الذي يشكل الأغلبية في المملكة وعائلة آل خليفة السنيّة الحاكمة. فعندما اتخذت قوات الأمن المحلية – التي تم دعمها لاحقاً بتعزيزات من السعودية ودولة الإمارات – إجراءات صارمة بحق المتظاهرين منذ أكثر من ثلاث سنوات، استقال أعضاء البرلمان الشيعة احتجاجاً على ذلك. ومنذ ذلك الحين تعثرت المصالحة بين الطرفين بسبب الاحتجاجات المتكررة وعلى خلفية أعمال العنف القائمة في البحرين، فضلاً عن شن هجمات على قوات الشرطة، والتي قوبلت بعمليات اعتقال وضرب.
وفي 18 أيلول/ سبتمبر، ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن ولي العهد الأمير سلمان، الذي يُعتبر مُصلحاً ووسيطاً، بعث برسالة إلى والده الملك حمد حدد فيها المجالات التي تشكل “أرضية مشتركة” في المحادثات بشأن الإصلاحات السياسية. وقد وردت في الرسالة خمسة عناصر أساسية هي: تعديل الدوائر الإنتخابية لضمان تمثيل أوسع؛ وإجراء تغييرات تشريعية للسماح للبرلمان باستجواب وزراء، بمن فيهم رئيس الوزراء؛ ومصادقة البرلمان على مجلس الوزراء المقترح؛ وتحسن المعايير القضائية واستقلال القضاء؛ وإجراء تغييرات في القطاع الأمني، تشمل وضع قواعد سلوك جديدة لقوات الأمن. وفي حين أن تاريخ تطبيق هذه التفاصيل ليس واضحاً بعد، إلّا أن متحدث باسم الحكومة صرّح في 21 أيلول/سبتمبر بأنه سيتم [تنفيذها] من خلال إصدار مراسيم ملكية من قبل عاهل البحرين. كما أنه من غير الواضح فيما إذا ستكون التغييرات سارية المفعول قبل الانتخابات الوطنية المزمع عقدها في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر – في موعد سيتم الإعلان عنه قريباً.
وفي ظل غياب الإصلاحات الفعلية، فإن جهود ولي العهد لتوضيح القضايا العالقة يمكن أن تؤدي ببساطة إلى تفاقم حدة الانقسامات في المملكة. ففي 19 أيلول/سبتمبر، أخبر الشيخ علي سلمان – زعيم حركة المعارضة الرئيسية “الوفاق” – مجموعة كبيرة من المتظاهرين بأن المقترحات لا تمثل “إرادة الشعب” وأن الانتخابات ستكون “غير شرعية”. وفي السياق نفسه، حمل بعض المتظاهرين لافتات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات. ويُذكر أن زعماء المعارضة كانوا قد دعوا سابقاً إلى قيام إصلاحات من شأنها أن تسمح للفصائل الشيعية بتحقيق المساواة مع الجماعات السنية والمستقلين في المجلس الذي يتألف من أربعين عضواً. ووفقاً للتوزيع الحالي للدوائر [الانتخابية]، من غير المرجح أن يتمكن السكان الشيعة على الإطلاق من تأمين أغلبية برلمانية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الملك حمد، الذي يعتبره الكثيرون متردداً في مسألة الإصلاح، قد رحّب بخطة “إطار العمل” التي قدمها ولي العهد وأثنى عليه وعلى وطنيته. إلا أن العديد من المراقبين البحرينيين والأجانب كانوا على الأرجح أكثر اهتماماً برد رئيس الوزراء. فعم الملك الشيخ خليفة كان قد تولى رئاسة الوزراء منذ عام 1970، بعد بضعة أشهر من ولادة ولي العهد، وهو يشتهر بخبرته السياسية. ومع ذلك بات يُنظر إليه على أنه الحامي الرئيسي للمتشددين في العائلة المالكة الذين ينظرون إلى الشيعة على أنهم عرضة للنفوذ الإيراني ويعتبرون التنازلات لهم علامة ضعف. وفي وقت يبدو كما لو كان مخططاً له، نقلت صحيفة “غولف ديلي نيوز” التي تسيطر عليها الحكومة في طبعتها الصادرة بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر، تقارير عن الشيخ خليفة يشيد فيها بالملك على قيادته التنمية في البلاد ولكن دون أي ذكر للإصلاحات السياسية المقترحة. وفي اليوم التالي عاد رئيس الوزراء واحتل الصفحة الأولى من الصحيفة، ولكن هذه المرة من خلال بيان يدين فيه الإرهاب.
لدى الولايات المتحدة مصالح واضحة في مستقبل البحرين لأن الجزيرة تستضيف مقر الأسطول الأمريكي الخامس، الذي يحمي في الوقت الحالي ممرات الملاحة في الخليج العربي ويُجري دوريات مكافحة القرصنة بالقرب من القرن الأفريقي. وفي 19 أيلول/سبتمبر، التقى ولي العهد، الأمير سلمان، مع السفير الأمريكي توماس كراجسكي وقائد الأسطول الخامس نائب الأدميرال جون ميلر. وفي هذا الإطار، وصف تقرير ورد في وسائل الاعلام المحلية ذلك الاجتماع على أنه عبارة عن مناقشة للتعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب، ولكن ربما تطرق النقاش أيضاً إلى الإصلاح السياسي. ويُذكر أن السفير كراجسكي كان قد تعرض في الماضي للنقد من قبل وسائل الإعلام البحرينية لتورطه في القضية آنفة الذكر.
إن العلاقة بين الولايات المتحدة والبحرين متوترة. فقد طُرد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوفسكي من البلاد خلال زيارته للبحرين في تموز/يوليو، وذلك بعد أن أثار غضب الملك لاجتماعه مع شخصيات معارضة قبل لقائه مع مسؤولين حكوميين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تحدث مسؤول رفيع المستوى في إدارة الرئيس أوباما لم يُذكر إسمه عن “تحركات البحرين الغبية والتي تبيّن عن هزيمة للذات” بعد اعتقال ناشط حقوقي لدى وصوله إلى المملكة. وقد أُطلق سراح هذا الأخير في الأسبوع الماضي قبل أن يعلن ولي العهد عن إطار العمل المقترح. ولكن في 19 أيلول/سبتمبر حكمت محكمة بحرينية على أربعة عشر شاباً شيعياً بالسجن المؤبد لتورطهم في اشتباكات عنيفة أصيب خلالها أربعة من رجال الشرطة من بينهم مُجنَّد باكستاني فقد ساقه.
ليس هناك شك في أن المعارضة محبطة من العرض الذي قُدم إليها حول إمكانية إجراء إصلاح سياسي ولكن فقط بعد الانتخابات التي لا أمل لها بالفوز بها. وعلى الرغم من أن مقاطعة الانتخابات على نطاق واسع قد تكون محرجة للحكومة، إلا أن تأجيل عملية الاقتراع إلى حين تشريع الإصلاحات ربما ليس بالخيار الواقعي. ووفقاً للدستور، يجب إجراء الإنتخابات قبل 15 كانون الأول/ديسمبر ما لم يمدد الملك من ولاية أعضاء البرلمان الحالي لعامين إضافيين. وفي النهاية، فإن الوجود المشؤوم لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»/«الدولة الإسلامية في العراق والشام» في كل من سوريا والعراق، الأمر الذي يشكل خطراً على كل من الشيعة والعائلة الحاكمة في البحرين، ربما يؤدي إلى تفادي وقوع أزمة كبيرة في البلاد.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.