وأخيرا سقطت صنعاء بيد المتمردين الحوثيين على مرأى من الدول العربية والخليجية، دون أن يعلن عن تحالف جديد من أجل إيقاف الحوثيين كما تم تدشين تحالف ضد “الدولة الإسلامية” التي أرادت أن تدخل بغداد، ولكن سرعان ما انعقدت المؤتمرات الدولية وشكلت التحالفات وحلقت الطائرات لضرب الدولة الإسلامية، وهي تقوم بما قام به بالفعل المتمردون الحوثيون في احتلال صنعاء وإدخالها عصر الوصاية الإيرانية، وكما سكت العرب من قبل على احتلال حزب الله بيروت عام 2008 يسكتون اليوم على سقوط صنعاء، وتحلق طائراتهم بعيدا إلى ليبيا لمنع سيطرة الثوار أو الإسلام السني المعتدل على البلاد لإنقاذها من ثورة مضادة .
تقاطع مصالح خليجية وإيرانية
ليس صدفة اجتماع وزيري خارجية إيران والسعودية في نيويورك عشية سقوط صنعاء، وهي الساحة التي من المفترض أن تدافع عنها الدول الخليجية باستماتة. ولكن ما يحدث قد يشير إلى استنتاجات قد تكون صادمة للبعض، تفيد بوجود تقاطع مصالح خليجي إيراني. الموقف الخليجي اكتفى إزاء سقوط صنعاء بإصدار بيان يرحب فيه باتفاق اليمنيين مع الحوثيين بعد أن سيطر الحوثيون على غالبية العاصمة .
من جهته، قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست بمقال في صحيفة الجارديان البريطانية في نوفمبر 2013 الماضي، إن السعودية تدعم الحوثيين في اليمن؛ “لضرب الإسلام السياسي في المنطقة، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي الذي تجد فيه السعودية خطرًا كبيرًا وجامحًا”.
وقوله: “إن حرب الحوثيين الحقيقية بدأت الآن، بمعارك صنعاء مع التيارات الإسلامية المعارضة لثورة الحوثيين في اليمن”.
أما موقع “شيعة أون لاين” الرسمي التابع للحوزة الشيعية في إيران فقال: إن “انتصار الثورة الشيعية بقيادة الحوثي في اليمن”، احتفى الإيرانيون “بالنصر الإلهي” الذي لا يسير إلا على أيدي المليشيات الشيعية في المنطقة.
وتابع الموقع: “لولا أنّ الجيش اليمني وحزب الإصلاح فصلا عدّة مناطق حسّاسة في العاصمة صنعاء عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون هناك حتى لا يتمكن مناصرو الثورة الإسلامية في تلك المناطق بالالتحاق مع كافّة الثوار وحركة أنصار الله داخل العاصمة، لسقطت العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين ولانتصرت الثورة الشيعية بقيادة الحوثي في اليمن”.
أيضًا، صحيفة كيهان الرسمية الإيرانية التي يملكها المرشد الإيراني علي خامنئي، أشارت في تحليل لها (السبت) عن الوضع اليمني المتأزم، أنّه “بعد اليمن ونجاح الثورة الإسلامية في صنعاء سوف يكون الدور المقبل على سقوط حكومة آل سعود، وتفكك هذه الدولة المفروضة على الحجاز”، بحسب تعبيرها.
فقد أكد مستشار رئيس الجمهورية اليمني الدكتور فارس السقاف “بأن هذه الاتفاقية التي تم توقيعها ستمنح الحوثيين الكثير من النفوذ وفق الواقع الذي وصلوا إليه”.
وسبقت صحيفة “التحرير” المصرية الموالية للسلطة كل ذلك بتقرير لخصت فيه ما يجري (قبل دخول الحوثيين صنعاء) بعنوان يقول: (استمرار الحوثيين بمحاصرة صنعاء لـ«إسقاط» حكومة الإخوان) بحسب تقرير نشرته 22 أغسطس الماضي.
وبحسب هيرست، فإن «الحوثيين يتلقون دعمًا ماليًّا وعسكريًّا من السعودية، وحول سرّ استمرار الدعم السعودي للحوثيين رغم أنهم كانوا محسوبين على إيران، قال مصدر سعودي إن «المملكة لا ترى في الحوثيين أو الشيعة أو حتى إيران خطرًا عليها، بقدر ما أنّها تعتبر بأن الخطر هو الإخوان المسلمون في مصر والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن».
تقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية
بسرعة فائقة انخرطت دول عربية في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، رغم أن واشنطن كما تقول دول عربية أنها خذلتهم في سوريا ومصر. التحالف الجديد لن يحقق نتائجه وفق كثير من المحللين السياسيين العرب والأجانب مثل توماس فريدمان وعبد الباري عطوان وعمرو موسى وغيرهم كثير. بعد تفكك التحالف سيغادر المنطقة ويتركونها منهكة لصالح إيران والمليشيات الشيعية، ولن تجد دول المنطقة العربية أي عامل قوة تدافع فيه عن نفسها. فكيف جرى تقاطع مصالح واشنطن وطهران على حسابنا؟
يقول “إيان بلاك” في صحيفة الجارديان الأحد 21 سبتمبر تحت عنوان: A guide to Middle East politics in 2014: “أعداء الأمس (أمريكا وإيران) أصبحوا أصدقاء اليوم بسبب توافق مصالحهم في مناطق مختلفة مثل العراق واليمن طالما أنّ مصالحهم تجتمع ضد الآخرين”، وحتى ولو ظلّ الإيرانيون والأمريكيون مختلفين لمدة 35 عامًا، فتبادل المصالح الآن في العراق واليمن يجمعهم سويًّا”.
صحيفة المونيتور monitor الأمريكية قالت أيضًا يوم 20 أغسطس الماضي تحت عنوان: Saudi Arabia seeks Yemen reconciliation to subdue Houthis أو: (السعودية تبحث عن تحالفات يمنية لإخضاع الحوثيين) إن: “السعوديّة تحاول ترتيب الوضع السياسيّ في اليمن من جديد تحت لافتة المصالحة الوطنيّة، في الشكل الذي تطمح إليه، ولكنها سعت إلى بعض التناقضات هي: إضعاف الإخوان بعد اعترافها بالحوثيّين كقوّة محليّة، لكن ليس بالقوّة التي تقلق حدودها وحضورها داخل اليمن، والنتيجة حتّى الآن هي إضعاف الإخوان وصعوبة احتواء الحوثيّين الذين أصبحوا أقوى، وهو مشهد يلخّص الكثير حول مدى الدور السعوديّ المتراجع باستمرار في اليمن”.
وتبقى الحقيقة المؤلمة أن صنعاء سقطت بالفعل بيد الحوثيين الذين قد ينسحبوا من بعض مراكزها عسكريا ولكنهم ضمنوا لأنفسهم نفوذا كبيرا يعود من خلاله فلول النظام المخلوع.