“الله يسامحك يا نبيل يا فاروق، بوظت دماغ العيال”! بتلك العبارة التهكمية من روايات الجاسوسية التي اشتهر بكتابتها الكاتب نبيل فاروق، اختتم كاتب التقرير المعنون “أساطير مؤيدي السيسي.. منك لله يا نبيل فاروق”! على موقع “ساسة بوست”، تقريره الذي استعرض فيه جانبًا من البطولات والحروب والمعارك التي يعيش فيها أنصار الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقام الكاتب أسامة الرشيدي بجولة على حسابات وصفحات مؤيدي السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتبرها بالنسبة له منذ فترة أكبر مصدر للبهجة والضحك ليصل إلى النتيجة السابقة، لأنها “تجعلك تكتشف حروبًا كاملة، وعمليات رهيبة بدأت وانتهت أو ما زالت تحدث، تقوم بها القوات المسلحة والمخابرات المصرية ضد الولايات المتحدة، وإسرائيل، وحلف الناتو، وتركيا، وقطر، وإيران، وأي دول أخرى قد تخطر على بالك، لكنها بالطبع عمليات سرية للغاية، لا تعلم بها إلا هذه الصفحات فقط”.
والمضحك أكثر ـ كما يقول ـ أن هذه الترهات تستحوذ على إعجاب ومشاركة الآلاف من مؤيدي السيسي الذين يصدقونها، ومنهم أشخاص من المفترض تمتعهم بقدر عالٍ من التعليم والثقافة، ولا يجب أن تنطلي عليهم هذه الخزعبلات والخرافات.
بعض هذه الأساطير اشتهرت وأصبحت مادة للسخرية مثل مذكرات هيلاري كلينتون، والبعض الآخر لم يشتهر بنفس القدر.
مذكرات هيلاري كلنتون
تحدث كثيرون عن مذكرات هيلاري كلينتون المزيفة، والتي روج لها أنصار السيسي من الإعلاميين باعتبارها قصصًا حقيقية، خاصة الجزء الخاص بمحاصرة الجيش المصري للأسطول السادس الأمريكي بطائرات الأباتشي (أمريكية الصنع)، بالإضافة إلى طائرات ميج روسية الصنع، وهي القصة التي تحدث عنها المذيع “محمد الغيطي” باعتبارها سرًّا خطيرًا نجح في الحصول عليه.
لكن قد لا يعرف كثيرون أن المصدر الأول لتأليف القصص المفبركة عن مذكرات هيلاري كلينتون هي صفحات أنصار السيسي. كما أن أحدًا لم يتوقع أن تصل تلك القصة إلى وزير الثقافة بنفسه، وتقنعه بصحتها لدرجة قيامه بالترويج لها.
تقول الأسطورة: إن الولايات المتحدة كانت متفقة مع الإخوان في مصر على إعلان دولة إسلامية في سيناء، وأن الولايات المتحدة قامت بتأسيس داعش بهدف تقسيم الشرق الأوسط، إلا أن كل شيء تهدم فجأة مع ثورة 30 يونيو!
على الرغم من تفنيد تلك الأكاذيب مرات عديدة على يد الكتاب والباحثين، مثلما قامت به الدكتورة “منار الشوربجي” في مقال لها بجريدة المصري اليوم، إلا أن وزير الثقافة يبدو أنه لم يقرأ شيئًا سوى القصة المزيفة، ولم يقرأ المذكرات نفسها أو حتى تفنيد الأقاويل المنسوبة لها، وظهر في فيديو ليكرر نفس القصة، لكنه لم ينس أن يضع “بصمته” فعدل الهدف من إنشاء “داعش” ليكون مواجهة “ثورة 30 يونيو” بدلاً من “تقسيم الشرق الأوسط” في القصة المزيفة الأصلية! أي أننا وصلنا لتصنيف القصص المزيفة: فهناك “القصة المزيفة الأولى” والقصة المزيفة الثانية المحرفة عن القصة المزيفة الأولى!
من الواضح أن قصة تهديد السيسي للأسطول الأمريكي قد راقت كثيرًا لأنصار السيسي، لدرجة أنهم على ما يبدو قرروا تقديم التحية لوزير الدفاع الجديد “صدقي صبحي” بعد تعيينه بأيام على طريقتهم الخاصة، عن طريق صناعة أسطورة خاصة به حتى لا يشعر بالغيرة من القصص المتداولة حول سلفه.
هذه المرة دارت أحداث القصة مع حلف الناتو بكامله، حيث هدد صدقي صبحي بضرب قواعد الحلف في أوروبا وتركيا، قبل أن تتحرك أي قطعة بحرية من قواعدها، ردًّا على ما قالوا إنه تلميح لوزير الدفاع الأمريكي بفرض حصار اقتصادي على مصر أثناء مكالمة هاتفية بينهما.
من الواضح أن أنصار السيسي يعتقدون أن الأمور في الولايات المتحدة وأوروبا يتحكم بها العسكر مثلما يحدث في بلادنا المنكوبة، ولا يدركون أن وزير الدفاع الأمريكي لا يجرؤ على الحديث في أي أمور سياسية أو اقتصادية، وأن هذه الموضوعات متروكة بالكامل للسياسيين.
إسرائيل تخطط لعمل “تسونامي” ضد مصر، عن طريق ما يسمى “الكيمتريل” والشعاع الأزرق، إلا أن روسيا حفظها الله ورئيسها بوتين سدده الله ورعاه أهدى مصر جهازًا جديدًا يسمى (Reverse Tsunami) وظيفته إعادة توجيه الموجات، وتغيير اتجاه الانفجارات والأمواج المتوقعة نحو إسرائيل، بعد مضاعفة ارتفاعها وقوتها! كان معكم أحدث أفلام الخيال العلمي من أنصار السيسي.
الغريب أن واحدة ممن نقلوا هذه الحكاية هي نفسها من تهكمت بعد ذلك على شائعات أطلقها بعض معارضي الانقلاب حول اغتيال السيسي، واعتبرت أن من يقول ذلك قد استبدل عقله “بجزمة قديمة”!
في عملية سرية نوعية “خنفشارية”، تمكنت المخابرات العامة المصرية من الحصول على أخطر تقرير عن الجيوش العربية كان موضوعًا على مكتب “أوباما” قبل زيارة “محلب” إلى الولايات المتحدة بساعات. والذي يحتوي على مؤامرات سرية “خنفشارية” هي الأخرى على الجيش المصري لتفتيته تمهيدًا لاحتلال مصر.
وتقوم حاليًا دوائر المخابرات والأمن الأمريكية بتحقيقات موسعة حول كيفية تسريب هذا التقرير، وسط شبهات بأن وراء تسريبه عناصر تابعة للمخابرات المصرية سبق لها الكشف عن كثير مما يتم التخطيط له في دوائر صنع القرار الأمريكي، وتم التعامل مع الأمر باعتباره لطمة قوية لأجهزة المخابرات الأمريكية والأجهزة المتحالفة معها، والله الموفق والمستعان.
اكتشفت مدى جهلي وتقصيري في تقدير قوة المخابرات المصرية، بعد أن اتضح لي أنها تقوم ليس فقط بالتصدي لمؤامرات الولايات المتحدة ضد البلاد، بل إنها تخطط أيضًا لإسقاط نظام أوباما نفسه! والدليل على ذلك – تقول صفحات مؤيدة للسيسي- أن الاضطرابات الأخيرة في مدينة “فيرجسون” الأمريكية تحمل بصمات جهاز المخابرات العامة المصرية.
ليس هذا فقط، بل إن خطة إسقاط النظام الأمريكي تسير على قدم وساق، وفق المخطط الـُمعـد له, والمتوقع أن يحدث بعد الانتهاء من مشروع قناة السويس، والذي سيؤدي – حسب كلامهم- إلى انتهاء هيمنة الدولار، وفرض العملة المصرية على دول العالم. (لا تسألني عن العلاقة بين الاثنين حتى لا تشكك في قوة المخابرات المصرية من فضلك).
بعد تأليف روايات وقصص وهمية نقلاً عن مذكرات هيلاري كلنتون واتضاح كذبها جميعًا، يبدو أن أنصار السيسي بحثوا عن مادة جديدة تصلح لاستغلالها وتأليف القصص من خلالها ونسبها إليها.
هذه المرة جاء الدور على “عبد الرحيم علي” صاحب التسريبات التليفونية في برنامجه المتوقف “الصندوق الأسود”. فقد نسبت صفحات مكالمة مزعومة لديه لكنه ممتنع عن نشرها، مفادها – كما يقولون- حصول مرسي على الجنسية الأمريكية، كما تثبت المكالمة أيضًا أن جيمي كارتر زار مكتب الإرشاد ووقع عقود بيع شمال سيناء لضمها لغزة لتكون وطنًا بديلاً للفلسطينيين، مقابل حصول إسرائيل على كامل مساحة فلسطين.
الكثير من الصفحات والحسابات المؤيدة للسيسي لديها يقين لا يقبل الشك أن مرسي جاسوس ومتخابر لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر وتركيا، لكن الجديد هذه المرة هو أن مرسي أصبح متخابرًا عن طريق تعرضه لجرعات من “التحكم العقلي”، وهي على ما يبدو نوع من أنواع الأشعة، وعن طريق هذه الجرعات أصبح خاضعًا لهم بالكامل، وأن الولايات المتحدة أرسلته مرة أخرى إلى مصر ليتدرج في المناصب ويصبح رئيسًا للجمهورية. خطة مقنعة جدًّا كما ترى!
ويبدو أن أنصار السيسي متأثرون جدًّا باللواء “هاني عبد اللطيف” المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، عندما أكد أن أنصار الإخوان “مخطوفون ذهنيًّا”، فمن المؤكد أن الإخوان سيطروا على أتباعهم بنفس طريقة التحكم العقلي التي اتبعها الأمريكان مع مرسي.
في إطار البطولات السرية لجهاز المخابرات العامة المصرية التي لا يعرفها أحد سوى مشرفي الصفحات المؤيدة للسيسي، وبعد اكتشاف تجسس الولايات المتحدة على عشرات من دول العالم، أبى أنصار السيسي إلا أن يضعوا بصمة المخابرات المصرية على تلك العملية.
واتفقوا على أن المخابرات المصرية هي التي كشفت للمخابرات الألمانية قيام الولايات المتحدة بالتجسس على هواتف المسئولين الألمان، وأبرزهم المستشار الألمانية “أنجيلا ميركل”. لتضاف تلك العملية إلى سجل العمليات الناجحة للمخابرات المصرية على صفحات الفيس بوك.
وكالعادة، وفي ظاهرة متكررة تكشف بؤس وتردي الإعلام المصري، انتشرت هذه القصة على صفحات عدة مواقع مصرية نقلتها من صفحات الفيس بوك، منها موقع “صدى البلد” وموقع “الفجر”.
منذ عام 2011 وحتى اليوم، وعند وقوع أي صدامات بين قوات الجيش والشرطة من جانب والمتظاهرين من جانب آخر، تسارع صفحات مؤيدة للمخلوع مبارك والمجلس العسكري وأحمد شفيق والسيسي بنشر صورة لرئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” وبجانبها جملة تقول: عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان”.
وتزعم تلك الصفحات أن تلك الجملة مقتبسة من إحدى خطب “كاميرون” بعد الاضطرابات التي شهدتها لندن منذ 3 أعوام. وذلك في إطار دعوة الجيش والشرطة لسحق المظاهرات وقمع المتظاهرين، بدعوى إضرارهم بالأمن القومي لمصر. ولسان حالهم يقول: انظروا إلى بريطانيا إحدى أعرق الديمقراطيات في العالم، وهي تتجاهل حقوق الإنسان، هل سنكون ملكيين أكثر من الملك؟
انتشار ذلك الاقتباس جعل السفارة البريطانية تنفي بشكل قاطع أن يكون “كاميرون” قد قاله، وأصدرت بذلك بيانًا رسميًّا في سبتمبر 2013 ردًّا على استمرار استخدامه، لكن أنصار السيسي تجاهلوا هذا النفي واستمروا في استخدام الاقتباس الزائف حتى يومنا هذا.
وأخيرًا، وبعد استعراض جانب بسيط من البطولات والحروب والمعارك التي يعيش فيها أنصار السيسي، لا تخرج قبل أن تقول: “الله يسامحك يا نبيل يا فاروق، بوظت دماغ العيال”!
عن (المصريون)