يصطف طابور من الشاحنات في حقل نفط، شمال شرق سورية، كل يوم لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو داعش الذين استولوا على بعض أجزاء صناعة النفط في البلاد في سعيهم لإقامة “دولة الخلافة”.
والمبيعات في حقل الشدادى كما يصفها تاجر نفط هي مجرد مثال واحد على كيف يسعى تنظيم داعش الذي استولى على أراض في سورية وفي العراق المجاور إلى إقامة اقتصاد خاص به من خلال سلسلة من الصفقات والمعاملات النفعية.
ويبرم داعش صفقات مع تجار ومشترين محليين وحتى رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد وبعض النفط الذي يبيعونه يجد طريقه مرة أخرى إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء.
وقال أحد مديري النفط الغربيين السابقين الذي عمل في شركة نفط أجنبية لها عمليات في سورية قبل الأزمة وعلى دراية بسوق النفط الوليدة “داعش يربح ما لا يقل عن مليوني دولار كل يوم وهو ما يتيح له دفع الرواتب والاستمرار في عملياته”.
وسطاء وسوق سوداء
ومبيعات النفط تعني أن داعش يمكنه أن يقلل اعتماده على التبرعات الخارجية وأن يجتذب المزيد من المجندين في صفوف مقاتليه والأنصار بفضل ثروته الجديدة وهو أمر قد يزيد من صعوبة القضاء عليه في سورية.
واستولى داعش على حقول نفط من مقاتلين للمعارضة السورية يدعمهم الغرب ومن الحكومة في الأشهر الأخيرة ويعتقد انه يسيطر على مئات الآبار الأمر الذي يحرم حكومة الأسد من مصدر رئيسي للدخل.
وعزز داعش قوته بفضل ما استولى عليه من أسلحة في العراق، وأحكم قبضته على منطقة دير الزور الشرقية المنتجة للنفط في الأشهر الأخيرة، واقترب من الشمال الشرقي حيث تسيطر ميليشيات كردية على أكبر حقول النفط.
وتذهب التقديرات إلى أن التنظيم سيطر على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه وذلك حسب ما قاله مهندس نفط رفيع يعمل الآن في دمشق.
وإذا حدث في نهاية المطاف أن سقطت الحسكة في أيدي التنظيم فسيكون قد سيطر على كل منشآت البلاد النفطية تقريبا.
ولم يستطع مسلحو داعش بعد استغلال الحقول التي يسيطرون عليها بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. والحقول الرئيسية التي يسيطر عليها -الشدادي والعمر والتنك وورد- كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية.
غير أن شركات رويال داتش شل وتوتال وبترو كندا غادرت المنطقة منذ وقت طويل الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحديا كبيرا.
وقال مدير نفط سابق يعمل في شركة أجنبية “الكثير من الحقول أغلقت والشركات الأجنبية انسحبت والمعدات نهبها مقاتلو المعارضة الذين أفرغوا المستودعات”.
ونظرا لافتقار داعش إلى الخبرة في استخراج النفط وتكريره فإن معظم دخله من هذا القطاع مصدره مبيعات مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين وتجار نفط.
وهم يعيدون بيع الخام الخفيف في معظمه لمصاف في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سورية وتمكنوا من جذب مجموعة من العملاء من خلال البيع بسعر يبلغ في المتوسط 18 دولارا للبرميل.
وقال تجار سوريون على الحدود إن بعض النفط الخام يباع لمهربي وقود ينقلونه إلى تركيا لكن الكميات صغيرة بسبب تشديد القيود على الحدود.
ونشأت سوق محلية بنشاط تكريري يقدر بملايين الدولارات لكنها تعمل وفق كل حالة على حدى. ويجلب مستثمرون محليون مصافي مؤقتة صينية وتركية الصنع عبر تركيا بعضها يعالج ما بين 500 و1000 برميل يوميا.
ثم يباع الإنتاج إلى تجار جملة وتجزئة في مراكز لتجارة الوقود عبر عدد من البلدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشمال غرب سورية وشرقها.
وتتراوح أسعار النفط المكرر بين 50 و60 دولارا للبرميل وهو ما يزيد ثلاث مرات تقريبا عن سعر النفط الخام.
ويباع لتر البنزين الناتج من هذا الخام المكرر محليا بحوالي نصف دولار أي بثلث سعر البنزين ذي النوعية الجيدة الذي يباع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وفق ما قاله تجار نفط في إدلب بغرب سورية.
ومحركهم الأساسي هو هامش الربح الكبير حسبما قال وسيط يدير شبكة من سيارات الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى اللاذقية حيث ينتشر الدعم للأسد على الساحل الغربي.
صفقات حكومية مشبوهة
ولا يخلو الأمر من ترتيبات ضمنية بين داعش ومسؤولي الحكومة في بعض المناطق لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها.
وقال سمير العيطة وهو اقتصادي سوري يقيم في الخارج “هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية. هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة. والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض مازالت تتبادل الخدمات والمساومات”.
ويقول تجار نفط إن داعش بعد أن سيطر على آبار نفطية مازال يحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سورية إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.
وقال مدير تنفيذي كردي يعمل في القامشلي طلب عدم نشر اسمه “يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير” خط الأنابيب.
وذكر رجل أعمال مقيم في دمشق على دراية بمجريات الأمور في سوق النفط المحلية أن تجارا ممن يشترون النفط الخام من داعش ووسطاء معروفين يعملون نيابة عن رجال أعمال بارزين موالين للحكومة اشتروا كميات كبيرة من النفط في الشهور الأخيرة.
وتابع قائلا “هي تجارة رائجة لرجال أعمال هم أساسا من المنتفعين من الحرب الذين يمكنهم أيضا أن يجدوا مشترين في أي وقت وبسعر مناسب”.
المصدر: رويترز