بات شبح “داعش” يسكن اللبنانيين لا سيما بعد ان استهدف جنديين من جيشهم بالقتل ذبحا، ويغذي هذا الخوف الشائعات التي تحولت الى خبزهم اليومي، انما ايضا… مواقع التواصل الاجتماعي والاعمال الفنية والبرامج التلفزيونية الساخرة.
بعد المعركة الدامية التي وقعت في مطلع آب/اغسطس في بلدة عرسال في شرق لبنان الحدودية مع سوريا بين مسلحين قادمين من سوريا والجيش اللبناني، صار عدد كبير من اللبنانيين يتبادلون التحية بطرح سؤال: “هل وصلوا الى بيروت؟”، او “هل جهزتم الحقائب للرحيل؟”.
وتقول برنا نعمة (ربة منزل 65 عاما) لوكالة فرانس برس “داعش مصيبة كبرى. نخاف كثيرا من هذه الظاهرة. أخاف على اولادي في ذهابهم وايابهم. كل يوم نسمع خبرا، يوم داعش هنا، ويوم هناك”.
وتروي سيدة اخرى (سبعون عاما) ترفض كشف هويتها او التقاط صورة لها، “بالكاد أنام، وأرى كوابيس عن القتل والذبح، وأتحقق مئة مرة من انني اقفلت باب المنزل قبل ان اخلد الى النوم”.
وانتهت معركة عرسال بمقتل العشرات وخطف عدد من العسكريين وعناصر قوى الامن الداخلي. وقتل جنديان منهم ذبحا، بينما لا يزال ثلاثون محتجزين لدى جبهة النصرة وتنظيم “الدولة الاسلامية”.
على اثر نشر صور الجنديين مقطوعي الراس على الانترنت، سادت البلاد حالة من الذعر، لكن ايضا موجة من الشكوك والشائعات وانتشرت العدائية تجاه كل المواطنين السوريين الموجودين في البلد الصغير الذي يستضيف 1,1 مليون لاجىء سوري.
وتزامن ذلك مع اعتقال القوى الامنية عشرات السوريين في مناطق عدة، بينهم ثلاثة في الجديدة، ضاحية شرق بيروت.
ويقول نائب رئيس بلدية الجديدة منصور فاضل لوكالة فرانس برس ان السوريين الذين تم توقيفهم “كانوا يلتقطون صورا قرب مستديرة الجديدة حيث توجد مراكز رسمية”، مشيرا الى انه تم العثور في هواتفهم الخليوية على “صور واغان وأعلام وعلامات تدل على تاييدهم لجبهة النصرة وداعش”.
ويؤكد فاضل ان السوريين المتعاطفين مع “داعش” في لبنان أقلية على الارجح، لكنه يقر بان “هناك حالة من الذعر” منذ نشر صور الجنديين، تدفع المواطنين الى المبالغة في ردات الفعل والاشتباه باي سوري مهما فعل.
وتخشى البلدية وجود “خلايا نائمة” قد تتحرك “لتقوم باعمال تخريبية”، فتعمل بانتظام على “تسجيل اسماء جميع السوريين (في المنطقة التابعة لها) ، ناخذ بصماتهم وصورهم ونطلب منهم الابلاغ عن تحركاتهم”.
وبلغ الذعر اوجه مع ترويج بيانات منسوبة الى الجيش عبر الهواتف المحمولة تدعو المواطنين الى “اقفال ابواب منازلهم جيدا” والحذر من “كل نازح سوري”، وذلك بسبب “اجواء القتل وتهديد الجماعات التكفيرية”، بحسب النص الذي نفته قيادة الجيش، واصفة الرسائل ب”البيانات الملفقة”.
كما نفت تقارير اعلامية حول وجود “عناصر من داعش” في بسكنتا (وسط). في هذا الوقت، ظهرت كتابات على جدران كنائس في مدينة طرابلس (شمال) وفي مناطق اخرى جاء فيها “الدولة الاسلامية قادمة”، وتهديدات الى “النصارى” لمغادرة المنطقة، لتزيد من الهواجس.
ويقول شربل كرم (33 عاما) من بسكنتا “كل سكان بلدتي خائفون، لان الجبل (المحاذي للبلدة والمطل على سوريا) كله فلتان. (…) وقد عمدوا الى شراء سلاح من اجل الدفاع عن انفسهم”.
ويقول الاختصاصي في علم النفس فادي اليازجي لوكالة فرانس برس ان الشعب اللبناني يحمل في “العقل الباطن الجماعي” كل معاناته منذ الحرب العالمية الاولى (1914-1918) وما تخللها من “مجاعة وخوف ومرض وموت” الى الحرب الاهلية (1975-1990) والصدامات الطائفية.
ويؤدي هذا المخزون المتوارث الى “اضطرابات عصبية” تعاني منها شريحة كبيرة من اللبنانيين اليوم وهي “قلق لا يمكن السيطرة عليه، وخوف غير مبرر، وهواجس خارجة عن السيطرة”.
ويتابع “من الطبيعي ان تثير صور ذبح الجنديين هذا الهلع. لانه عندما يرى اللبناني صورة (عنصر في) الجيش اللبناني مقطوع الرأس.. (يفكر) اذا كان هذا حصل للجيش بقوته وعتاده ومعنوياته، فما الذي سيحصل للمدني؟”.
في المقابل، يجد لبنانيون ان السخرية هي خير وسيلة لردع “داعش”.
في مسرح مترو المدينة الصغير في شارع الحمرا (غرب بيروت)، يصفق الجمهور بحماس مساء كل ثلاثاء عندما تبدأ فرقة “الراحل الكبير” الموسيقية الغنائية الشابة باداء اغنية تنتقد تنظيم “الدولة الاسلامية” وفتاواه وتذرعه بالدين للتفرد بالسيطرة.
ومن كلمات الاغنية “علشان لا اكراه في الدين، فلنقض على المرتدين، والشيعة والسنيين، والنصارى.. يا خسارة!”.
ويعج موقعا “تويتر” و”فيسبوك” بالنكات تعليقا على التنظيم المتطرف الذي يحتل اجزاء واسعة من العراق وسوريا، واعلنت المراجع الاسلامية الكبرى في العالم العربي براءته من الاسلام. ومنها “عاجل: داعش تقرر اعدام جميع الاطباء، لان الاعمار بيد الله ولا يجوز العلاج”.
وفي برنامج النقد التلفزيوني “بس مات وطن” على تلفزيون “ال بي سي”، تتكرر الاسكتشات التي ابطالها رجال تكاد تصل لحاهم الى بطونهم يتحدثون عن “سبي النساء” و”تجنب الرذيلة”. وفي احدى اللقطات، تحاول امرأة ان تلتقط صورة “سلفي” لها مع “الخليفة ابو بكر”، بينما يسعى رجل الى شراء حمالة صدر لبقرته لتنفيذ فتوى صدرت عن الخليفة بوجوب تغطية اثداء البقر.
ويقول معد ومخرج البرنامج شربل خليل لفرانس برس “السخرية من ظاهرة داعش تركز على التناقض الموجود بين خطابها الديني وما تقوم به على الارض. لا الله ولا اي كتاب سماوي يسمح بالذبح وسبي النساء وقتل الاطفال”.
ويضيف “الاسكتشات الساخرة تخفف عن الناس وطأة الذعر (…). الضحك على شيء يخفف من بطشه ومن سلطانه، اي يحجّمه”.
ويرفض بعض اللبنانيين الانقياد للخوف، مثل ماري كلود سركيس (طبيبة اسنان، 45 عاما) التي تعتبر ان “لا بيئة حاضنة لداعش في لبنان. داعش يثير الخوف مرحليا” بين كل الطوائف، لكن “سلاحنا يجب ان يكون الاعتدال في وجه التطرف والالتفاف حول الدولة والجيش”.