بينما تتنافس حكومتان متعارضتان وسط أجواء العنف والفوضى في ليبيا، تستمرّ دول الخليج العربي في التنافس على فرض النفوذ في ليبيا وتستخدم مصر كنقطةِ انطلاقٍ.
ففي يوم 7 سبتمبر الماضي، وصل وفد رسمي من المملكة العربية السعودية إلى القاهرة لعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع الرئيس المصري المدعوم من الجيش، عبد الفتاح السيسي، وكانت الأوضاع في ليبيا على رأس جدول الأعمال.
حيث التقى الرئيس السيسي مع وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، ورئيس المخابرات السعودي، الأمير خالد بن بندر. ورافق السيسي وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ورئيس المخابرات المصرية (وأستاذ السيسي السابق) اللواء محمد فريد التهامي.
وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرين السفير إيهاب بدوي إنّ الاجتماع “تناولَ الوضع في ليبيا وضرورة دعم البرلمان الليبي المنتخب حديثًا الذي يعكس الإرادة الشعبية”.
كانت الشائعات قد انتشرت حول تدخل دول الخليج في ليبيا بعد قيام طائرة من طراز سوخوي سو 24 (التي لم تعد تستخدمها القوات الجوية الليبية) بضرب أهداف في مصراتة في طرابلس الشهر الماضي. وادعاء مسؤولين في البنتاغون بأنّ الضربة الجوية قد تمت عن طريق طيارين إماراتيين وأنها انطلقت من قواعد عسكرية مصرية.
وتدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والمخابرات العامة المصرية البرلمان الجديد في ليبيا، والتحالف المناهض للإسلاميين الذي يحيط به، الذي يزعمون بأنه السلطة الشرعية الحاكمة للبلاد، رغم أن أهمية البرلمان الجديد تتضاءل في ليبيا، بعد أن قرر أعضاؤه نقل مقر البرلمان من طرابلس إلى طبرق، بعد عقده لجلساته خارج بنغازي بعض أن أصبح الوضع فيها خطيرًا جدًّا وسط المعارك الجارية بين المقاتلين التابعين للجنرال المتقاعد خليفة حفتر وبين المليشيات الإسلامية التي يقودها الشيخ محمد الزهاوي المعروفة باسم أنصار الشريعة، حيث رأى أعضاء البرلمان نقل أنشطتهم إلى طبرق، على مقربة من الحدود المصرية.
كما أكّد السيد بدوي خلال حديثه عن اللقاء المصري السعودي، على قلق مصر تجاه الجماعات الإسلامية العاملة في ليبيا، فقال: “إن الرئيس السيسي قد أكد خلال الاجتماع على التزام مصر بتحقيق الاستقرار السياسي واستعادة الأمن في ليبيا، وذلك لمنعها من الانزلاق في أيدي الإرهابيين، واستعرض جهود مصر في هذا الصدد”.
يذكر أن تحالف الميليشيات من مصراتة المدعوم بشكل كبير من القوى السياسية الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، قد استطاع السيطرة على معظم أجزاء طرابلس وأعاد إعلان البرلمان المنحل سابقًا، المعروف باسم المؤتمر الوطني العام، في العاصمة.
ويقوم على تنسيق قوات مصراتة، العضو السابق في المؤتمر الوطني العام، صالح بادي، الذي عُيّن من قبل في منصب رئيس الاستخبارات العسكرية من قبل رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبو سهمين، المدعوم من الإسلاميين. وكان تعيين بادي قد قوبل بالرفض من قبل ضباط عسكريين رفيعي المستوى، انضم بعضهم الآن إلى قوات حفتر في بنغازي.
الاجتماع رفيع المستوى بين المسؤولين السعوديين، والذي ضم رئيس المخابرات السعودي، ورئيس مصر، ووزير خارجيتها، ورئيس المخابرات المصري، يشكل تأكيدًا جديدًا على أن دول الخليج تحاول فرض سلطتها على ليبيا من خلال مصر.
ويبو أن الروابط بين البرلمان الليبي المنتخب حديثًا وبين دول الخليج آخذة في النمو. ففي يوم 9 سبتمبر الماضي، قام رئيس الوزراء الليبي المدعوم من البرلمان الجديد (والذي يلقى معارضة من رئيس الوزراء المدعوم من المؤتمر العام في طرابلس، عمر حاسي)، ورئيس مجلس النواب الجديد، عقيلة صالح عيسى، والرئيس الاسمي الجديد لأركان الجيش، عبد الرزاق الناظوري، بزيارة رسمية إلى “أبو ظبي”.
كان الناظوري قد سافر إلى القاهرة، في 27 أغسطس الماضي، للاجتماع مع رئيس هيئة الأركان، ورئيس المخابرات العسكرية السابق، والثاني في قيادة الجيش المصري، الجنرال محمود حجازى.
لكن دول الخليج ليست موحدة في دعمها لحكومة طبرق في ليبيا. حيث تتهم قطر من قبل البرلمان الليبي الجديد بدعم الميليشيات الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، في قتالها ضد الجنرال خليفة حفتر.
يذكر أن قطر كانت قد موّلت المجلس العسكري الإسلامي في طرابلس (TMC)، وهو يتكون جزئيًا من أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة. كما موّلت الحكومة القطرية وأيدت بشكل كبير ميليشيات راف الله السحاتي، التي تقاتل ضد الجنرال خليفة حفتر في بنغازي، والتي يرأسها حاليًا محمد الغرابي، السجين السابق في سجن أبو سليم، الذي اتكب فيه نظام القذافي مجزرة في عام 1996، والتي كان يقودها قبله إسماعيل الصلابي، شقيق علي الصلابي، وهو رجل الدين الذي يعيش في قطر والذي سهل تمويل قطر للقوى الإسلامية في ليبيا عام 2011.
وفي يوم 6 سبتمبر الماضي، تم اعتراض طائرة عسكرية سودانية في ليبيا، تزعم الحكومة بأنها كانت تحمل ذخيرة للقوى الإسلامية في طرابلس عبر مطار معيتيقة (حيث يعتقد إن الحكومة السودانية هي أقرب إلى قطر)، وطردت ليبيا الملحق العسكري السوداني نتيجة لذلك.
ويقول فريدريك هري، الخبير في الشأن الليبي من برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي، إن “تورط دول الخليج في ليبيا يعود إلى عام 2011، ولكنه يتصاعد بشكل واضح بسبب الانقسامات في الدولة والحملة التي يقودها حفتر”. وأضاف بأن الموقف السعودي يتناغم مع موقف دولة الإمارات العربية المتحدة، فالدولتان لديهما نفوذ كبير في ليبيا ويتنافسون مع قطر من خلال دعم مختلف الفصائل.
ليبيا هي أرض خصبة بالنسبة لدول الخليج لممارسة مثل هذه الألعاب، ليس فقط بسبب ثروتها النفطية، وأن ليبيا تقع على مسافة كبيرة من الأراضي الخليجية، ولكن أيضًا بشكل حاسم بسبب قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية استخدام مصر وحكومتها في فرض تلك السيطرة.
توم ستيفنسون- ميدل إيست آي
التقرير