نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، مقالًا للصحفي الصهيوني «إيلى أفيدار» المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، تحدث فيه عن خطر تنظم «داعش» والعلاقة بينهم والكيان الصهيوني خلال الحرب الأخير على قطاع غزة.
«أفيدار» أوضح في مقاله أن خطر تنظيم (داعش) لن يطال الدول العربية فقط، بل قد يمتد إلى إسرائيل، فقبل أن تنتهى حرب غزة وجدت إسرائيل هذا التنظيم المتطرف يدق أبوابها، وعلى الرغم من أن (داعش) لم يهاجم الدولة العبرية مباشرة، فإن صدى العمليات يرن فى أذن قادتها ويصيبهم بالذعر.
وأضاف محذراً: «لو كنا قررنا إعادة الجولان إلى السوريين قبل عقد من الزمان، لكانت قوات (داعش) وجبهة النصرة الآن تصطاد السمك فى بحيرة طبريا، تماماً مثلما يرتكن حزب الله على الجدار الآن و(حماس) تحفر من تحت حدود غزة، فالتحديات الجديدة على الأبواب، والمطلوب خطوة ذكية تتناسب مع الفرصة الحالية».
وبمراجعة آخر ما قامت به الإدارة الإسرائيلية نجد تفسير «الخطوة الذكية» التى جاءت فى مقال «أفيدار»، فمن الواضح أن إسرائيل اختارت الاستفادة من «داعش» قبل أن تحاربها، وبدا أيضاً أن توصيات عدد من الكتاب والساسة والمستشارين العاملين بالقرب من دوائر صنع القرار قد عرفت طريقها إلى نتنياهو، الذى لم يضيّع وقتاً ووضع خطة من أربع نقاط لاستغلال خطر «داعش» والاستفادة منه؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وهى الأساليب التى يجيد الساسة الإسرائيليون تطبيقها والتى تتلخص فى كيفية الاستفادة من كل شىء، حتى لو كان هذا الشىء فى أيدى عدوك.
وتتلخص خطة نتنياهو أولاً فى كيفية الاستفادة من التحالف العالمى ضد الإرهاب، ومحاولة تصدير فكرة أن «حماس» و«داعش» وجهان لعملة واحدة، فإن نجحت الخطة وأسقط العالم «داعش» سيتوجه للقضاء على «حماس»، وتكتفى إسرائيل بموقع المتفرج، وهو ما يعتبر انتصاراً كبيراً للدبلوماسية الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه بنيامين نتنياهو فى خطابه أمام مؤتمر «الإرهاب فى سياق متغير»، الذى عُقد بالمركز الأكاديمى المتعدد المجالات فى مدينة «هرتسيليا» بقوله: «إن إسرائيل تساند الدول السنية، فى إشارة إلى السعودية ومصر ودول خليجية أخرى، وإن هذه الدول باتت تدرك أن إسرائيل ليست عدوة لها، وإنما نحارب معاً ضد الإرهاب»، وتابع نتنياهو: «كما يقتل مسلحو داعش المواطنين ويقطعون رؤوسهم يفعل قادة حماس الشىء نفسه مع من يعارض حكم الحركة فى قطاع غزة، ويتم إطلاق النار عليهم».
فى السياق نفسه، تحدث نائب وزير الخارجية الإسرائيلى، تساحى هنجبى، قائلاً: «تبلور الائتلاف الدولى ضد تنظيم الدولة الإسلامية خير لإسرائيل، وذلك لأنها كانت فى السنوات السابقة مضطرة لمواجهة الإرهاب بمفردها، أما الآن فأصبح لنا شركاء».
ليس فقط السياسيون هم من يتحدث عن خدعة العدو المشترك، بل أيضاً وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت فى تبنى النهج نفسه وتبنت خلال الأيام الماضية حملة دعائية لهذه الفكرة، فنشرت مجلة «بازام» العسكرية الإسرائيلية، عن مصدر أمنى إسرائيلى، تصريحات تؤكد أن هناك تعاوناً بين حماس والمنظمات التابعة لداعش فى سيناء، مثل أنصار بيت المقدس، ومقاتلى مجاهدى القدس، وقالت المجلة إن هناك علاقة وثيقة بين الطرفين من حيث تبادل الخبرات المتعلقة بتشغيل الأسلحة والمساعدات العسكرية.
وكتب اللواء احتياط إليعازر تشاينى، قائد سلاح البحرية السابق، فى جريدة «معاريف» مقالاً يطرح فيه رؤيته لمواجهة «داعش» قائلاً: «الساحة السياسية الإقليمية والعالمية لها تحالفات جديدة تركز على تقليص نفوذ الإسلام المتطرف فى العالم. كما أن إسرائيل ملزمة أولاً وقبل كل شىء بأن تستعد أمنياً لهذا التهديد المقلق.
الا أن المحلل السياسى «حيمى شليف» شدد على رفضه لهذه الفكرة بقوله: «برغم حقيقة أن للدولة الإسلامية أكثر من عدو، فإنه ما زالت أكثر الدول العربية صداقة لنا غير قادرة على أن تقف مع إسرائيل علناً لتواجه أبناء شعبها مهما كانوا متطرفين، لا سيما بعد الدمار الذى خلفته إسرائيل فى غزة».
أما الفائدة الثانية لإسرائيل من وجود «داعش» فهى إحكام الحصار على العرب فى الداخل، فعقد بنيامين نتنياهو مداولات أمنية بمشاركة الوزيرين أهرنوفيتش وتسيبى ليفنى، والمستشار القضائى للحكومة، يهودا فاينشطاين، ومندوبين عن الشاباك، وسط تحريض على الأقلية العربية الفلسطينية فى الداخل بزعم أن أفراداً منها قد ينضمون إلى التنظيم الإرهابى، حيث ذكر موقع «والا» الإلكترونى أنه فى مركز المداولات الأمنية التى يعقدها نتنياهو هذه الأيام اجتماعات مستمرة بشأن «داعش» خوفاً من انضمام عرب إسرائيليين إلى صفوف التنظيم، وفى «جلسة طوارئ» عقدها نتنياهو قدمت وزيرة العدل، تسيبى ليفنى، اقتراحاً يتيح محاكمة كل «مواطن إسرائيلى يشارك فى تنظيم إرهابى مسلح ذى أيديولوجية إسلامية متطرفة، مثل داعش».
أما الفائدة الثالثة فكشف عنها بعض الكتاب وهى أن نتيناهو يتجه للحديث عن «داعش» بهذه المبالغة لإلهاء العالم عن حرب غزة ولإلهاء شعبه عن خسائره فى الحرب، ففى هذا السياق أكد عاموس هرئيل أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يوجه أنظاره إلى إسرائيل، فى حين أن المجتمع الدولى واجه تحديات أكبر، وبالتالى فإن «الدولة الإسلامية» ليست عدواً لا يمكن هزيمته، ويتابع أنه حتى بدون «الدولة الإسلامية» فإن الأخطار الأمنية فى الشرق الأوسط ليست قليلة.
ويشير فى هذا السياق إلى الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، لافتاً إلى أنه لا يوجد ما يؤكد أن المواجهات العسكرية لن تندلع مجدداً نهاية الشهر الحالى، كما أن تهديد البرنامج النووى الإيرانى لم تتم إزالته بعد، فعلينا أن نكف عن الصراخ بسبب (داعش) ونحل مشكلة (حماس) أولاً».
وأضاف «هرئيل»: «اتضح أن نتنياهو ومعظم أعضاء الائتلاف الحكومى يبذلون كل ما فى وسعهم لتجاهل المشكلة الفلسطينية والوسائل السياسية لحلها، فالحكومة التى لم تجد حلاً مناسباً حتى الآن لــ(حماس)، تستمر فى محاولتها المساواة بين حركة (حماس) وتنظيم (داعش)، مما قد يصعّب مهمة الرئيس الفلسطينى محمود عباس».
أما البند الرابع من الخطة فتلخص فى أهمية تعزيز الخلاف السنى – الشيعى، وهو ما بدا واضحاً فى تصريحات نتيناهو اللاذعة فى مؤتمره الأخير عندما قال: «محاربة الإرهاب أدت إلى بروز تحالفات جديدة، ومحاربة التطرف السنى يجب ألا تنسينا التطرف الشيعى، وأكد أن محاربة الإرهاب الإسلامى أوجد تحالفات جديدة فى الشرق الأوسط. فقد شعرت الدول السنية بخطر التنظيمات السنية والشيعية على حد سواء، وخطر التطرف الذى ينطوى عليه الإرهاب الجديد. فالمتطرفون من الشيعة والسنة يستخدمون الإرهاب، لذا فإن هذه الدول تدرس استشارة إسرائيل لأنها تدرك أننا حلفاء لها فى صراعها مع هذا العدو المشترك».