كتب عمر الجفال : حقّقت الحلقة الأولى من برنامج “البشير شو” الذي يقدّمه الإعلامي الشابّ أحمد البشير نحو 66 ألف مشاهدة (حتى وقت كتابة هذا المقال) خلال أسبوعين بعد عرضها على موقع يوتيوب.
ويعدّ هذا رقماً صعباً مقارنة بالبرامج التي تبثّها القنوات التلفزيونيّة العراقيّة على الموقع المشهور بنشر مقاطع الفيديو. إلاّ أنّ البشير قدّم برنامجه في شكل مختلف عن بقيّة البرامج العراقيّة، حيث اعتمد النقد اللاذع والسخريّة من السياسيّين.
تدرّج البشير من مراسل ميدانيّ إلى معدّ للأفلام الوثائقيّة ومحاور في البرامج السياسيّة الكلاسيكيّة، إلاّ أنّه لم يجد نفسه في كلّ ما قدّمه، ففكّر عام 2011 في تقديم برامج “الكوميديا السياسيّة”، وفق ما يسمّيها.
يقول البشير الذي يقيم في الأردن: “قرّرت نهاية عام 2011 أن أتّجه إلى الكوميديا السياسيّة في برنامج “شاكو ماكو”، وقد لاقى البرنامج صدىً واسعاً في العراق”.
وخلال العامين الماضيين، أصبحت البرامج الساخرة تحظى بمشاهدة كبيرة، وبعضها يبثّ من خلال قنوات فضائيّة مثل برنامج “حسجة أون لاين” الذي يقدّمه عمّار الوائلي، أو مثل “شيباني ستايل” الذي يقدّمه الشابّ عبد الله السهلاني، والذي يبثّ على موقع يوتيوب. ويتمّ تحميل هذه البرامج في شكل متسارع على الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحيّة، لكنّ بعضها يحمل أهدافاً سياسيّة وطائفيّة.
ويبدي أحمد البشير، في اتّصال مع “المونيتور” سعادته بوجود برامج “الكوميديا السياسيّة”، ويقول: “العراقيّون سئموا الطريقة الكلاسيكيّة في تقديم مشاكلهم، لذلك فإنّ الكوميديا هي أكثر ما يجذبهم لمتابعة الوضع السياسيّ”.
ويعتقد البشير الذي يساعده في إعداد برنامجه وتنفيذه نحو 17 شابّاً، أنّ “العراق مقبل على كميّة لا بأس بها من هذه البرامج”.
وليست لدى أغلب الفضائيّات في العراق الحريّة المطلقة في انتقاد السياسيّين، أو السماح للبرامج الساخرة بأن تكون حرّة تماماً، بسبب الخشية من التعرّض إلى تهديدات، أو بسبب تبعيّتها لحزب أو شخصيّة سياسيّة.
وفي هذا الصدد، يقول البشير: “في القنوات التي عملت بها، لم أكن أواجه ضغوطاً في شكل مباشر”. ويستدرك: “لكن، لكلّ قناة فضائيّة سياستها الخاصّة وأجنداتها التي تريد العمل من خلالها”. ويقول: “كنت ملتزماً إلى حدّ كبير بسياسة القناة، وهذا هو أحد الأسباب التي دفعتني لأن أتّجه إلى الإنتاج الخاصّ”.
وعلى الرغم من أنّ برنامج “البشير شو” يبثّ على قناة “الشاهد المستقلّ”، إلاّ أنّه لا يتمّ إنتاجه من قبلها، لأنّه يبحث عن الحصول على الاستقلاليّة المطلقة، بحسب قول البشير، الذي يضيف: “شجّعني على هذا الموضوع أحد الأصدقاء الذي أعمل معه الآن من خلال شركة نور الأفق”.
وتطرّق “البشير شو” في حلقته الأولى إلى موضوع الأزمة الطائفيّة التي يعاني منها المجتمع العراقيّ، والتي يزيد من تعميقها بعض السياسيّين. وقد سخر البشير في شكل صريح من رجال دين من السنّة والشيعة يؤجّجون الشعورالطائفيّ في المجتمع، بإيحاءات جنسيّة، لكنّه ينفي استعمالها: “لا أستطيع أن أقول إنّها إيحاءات، فنحن عندما نقول النكتة، ممكن أن تفهم بأكثر من طريقة، فربّما يستطيع متلقٍّ اعتبارها إيحاء، فيما يعتبرها متلقٍّ آخر كلمة عاديّة جدّاً”.
يصوّر البشير برنامجه مع كادره، في العاصمة الأردنيّة عمّان، خشية تعرّضه إلى أذى، بعدما تلقّى تهديدات من ميليشيات مسلّحة. ويقول في هذا الخصوص: “هناك تهديدات من قبل ميليشيات وجماعات إرهابيّة، وأيضاً من بعض رجال الدين”. لكنّه يتمنّى العودة إلى العراق، ويضيف: “أحلم بالعودة إلى بلدي، لأقدّم البرنامج من بغداد، بالوتيرة والجرأة نفسيهما”.
وتشبه كلّ البرامج التي تبثّ في العراق إلى حدّ بعيد برنامج “البرنامج” الذي كان يقدّمه الإعلاميّ المصريّ باسم يوسف، وتوقّف بسبب ضغوط سياسيّة، إلاّ أنّ أحمد البشير يختلف مع هذا الرأي، إذ يشير إلى أنّ “كلّ البرامج السياسيّة الكوميديّة حول العالم تتشابه إلى حدّ كبير بهيكليّة البرنامج وطريقة الطرح وأدوات التقديم الكوميديّ، حيث عمل الدكتور باسم يوسف مع هذه الأدوات بنجاح، مستهدفاً الجمهور المصريّ”. ويضيف: “نحن كذلك نستخدم هذه الأدوات لإنتاج محتوى عراقيّ، مستخدمين الأدوات الكوميديّة، كما يستخدمها باسم يوسف وجون ستيوارت وستيفن كولبرت وغيرهم”.
ويبدو البشير مستعدّاً للضغوط التي من المحتمل أن تواجهه بعدما انتقد رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي الذي تمّت تسميته أخيراً، في الحلقة الثانية من برنامجه، ويؤكّد: “نحن مستعدّون للضغوط التي ربّما بدأت حاليّاً، لكنّنا سوف نحاول قدر الإمكان أن يكون “البشير شو” نموذجاً لحريّة التعبير عن الرأي في العراق. ونحن في بلد يدعم الديمقراطيّة في كلّ أشكالها، والكوميديا السياسيّة هي إحدى أهمّ ثوابت الديمقراطيّة”.
ولا يخفي البشير طموحه في تأسيس مسرح خاصّ مثل جميع مقدّمي البرامج الساخرة التي تقدّم في العالم. ويقول: “هذا طموح جميع العاملين في برنامج “البشير شو”… أن يكون لدينا مسرح مستقلّ ومتخصّص، ليكون بذلك البرنامج العراقيّ الأوّل الذي يعرض على مسرح”.