كشفت دراسات وإحصاءات محلية ودولية تعرض الإنسان الإماراتي لخمسة مهددات غير مسبوقة في السياق الاجتماعي لمجتمع خليجي يصنف عالميا من مجتمعات الرفاهية الاقتصادية.
وحدة الاستشارات النفسية بـ«مستشفى خليفة» بإمارة «عجمان» كشفت مؤخرا النقاب عن استقبالها 1767 حالة خلال الستة أشهر الماضية غالبيتهم يعانون من الاكتئاب والفصام والرهاب الاجتماعي.
وبحسب تصريحات لأخصائي الطب النفسي الدكتور «فلاح خطاب» بالمستشفى، الأحد 10 أغسطس/آب أن الوحدة تستقبل يوميا بين حالتين إلى ثلاث حالات جديدة، من مناطق أخرى، مثل «أم القيوين» و«الفجيرة»، مشيرا إلى أن معظم الحالات تعاني الاكتئاب، والفصام في الشخصية، والرهاب الاجتماعي، وحالات التوتر والقلق، والوسواس القهري، بالإضافة إلى الهلع غير المبرر.
وأوضح الدكتور «خطاب»، أن بعض الأشخاص يراجعون قسم الطوارئ والحوادث، ويظهر الفحص السريري الأولي أن هناك مؤشرات بأنهم يعانون مشكلات القلب، منها التوتر والتعرق وضيق التنفس، وآلام في الصدر، وزيادة في ضربات القلب، لكن يتبين في ما بعد أنهم يعانون مشكلات نفسية تصنف على أنها «هلع غير مبرر» وبلغ عدد المصابين بها 13% من إجمالي مراجعي قسم الطوارئ.
وفي السياق ذاته حلت الإمارات في المركز الخامس عربيا من حيث حالات الانتحار، بنسبة 3 لكل 100 ألف من عدد السكان بحسب تقرير «منظمة الصحة العالمية» لحالات الانتحار عالميا لعام 2012.
وأوضح التقرير، الذي لاحظ تنامي ظاهرة الانتحار عالميا، وهي مشكلة خطيرة يواجهها العالم، أن من طرق الانتحار في الإمارات وفقا لتقارير صحية، القفز من أماكن مرتفعة، والشنق وحرق الجسد واستخدام سلاح ناري وتجرع السم، وهي غالبا نفس الوسائل التي يستخدمها المنتحرون عالميا، الذين يشكل الذكور أغلبهم.
كما لفت التقرير إلى المعدلات المرتفعة نسبيا بين فئتين سنيتين عربيا وهما فئة الشباب رجالا ونساء بين 15 إلى 29 سنة، وكبار السن من عمر 60 عاما فأعلى.
غياب الرقابة والتوعية
رابطة صحة رجال الإمارات «MHA» وهي منظمة خيرية هدفها الوحيد المساعدة في تحسين الصحة العامة للرجال، وزيادة الوعي بالقضايا الصحية الرئيسية التي تؤثر على الرجال في دولة الإمارات، أفادت وفقا لتقرير صدر مؤخرا يتعلق بصحة رجال الإمارات أن المشكلة الكبرى التي يواجهها الرجال تنتج عن غياب عام في مراقبة الرعاية الصحية والتوعية بها في وقت مبكر من الحياة في حين تقوم المرأة بزيارة الطبيب بشكل عام بنسبة 33% أكثر من الرجل، رغم أن الفجوة تنحصر مع التقدم في العمر، وفي دبي يُتوفى الرجال بمعدلات أعلى من النساء.
الدكتور «نبيل متري» المتحدث باسم رابطة صحة رجال الإمارات أكد أن أي شخص لا يكون مرتبطا بطبيب للكشف عن مشاكل صحية ثانوية أو كبيرة يكون أكثر عرضة لخطر المرض والوفاة.
ويقول الدكتور «متري» إن رابطة صحة رجال الإمارات تهدف إلى التغلب على المحظورات والخجل والضغوط الاجتماعية التي غالبا ما ترتبط بصحة الرجال فضلا عن العوامل النفسية داخل الأُسر بسبب الاكتئاب الناجم عن المشاكل الصحية .
آثار سلبية للتقدم التكنولوجي
وقال أخصائي الأنشطة الصحية، الدكتور «أسامة كامل اللالا»، إن التقدم التكنولوجي نجم عنه العديد من الآثار السلبية المرتبطة بصحة الإنسان، إذ لم تعد الأمراض المزمنة هي الجانب السلبي الوحيد في ما يتعلق بصحة الإنسان، التي نتجت عن الخمول البدني وقلة النشاط الحركي، الذي يعد أحد إفرازات المجتمعات التكنولوجية الحديثة، مشيرا إلى أن من أبرز سلبيات التقدم التكنولوجي كذلك اضطراب ما يسمى بـ«الساعة البيولوجية» -الإيقاع الحيوي- لجسم الإنسان.
ولفت «اللالا» إلى أن أي اختلال يحصل في نمط الحياة حتما ينعكس سلبا على الصحة النفسية والعضوية، إذ تشير دراسات علمية في هذا المجال إلى أن ظهور بعض الأمراض ارتبط بشكل مباشر بانقلاب «الساعة البيولوجية»، ونتيجة لذلك أصبح العديد من الناس في هذا العصر يعاني الأرق وعدم القدرة على النوم، نتيجة تغير العديد من السلوكيات الصحية، ما أثر سلبا في الإيقاع الحيوي لجسم الإنسان، إذ يعتقد علماء أن هناك أوقاتا محددة خلال اليوم يكون فيها الجسم البشري في أفضل حالاته، إذ تزداد كثافة التمثيل الغذائي ونشاط الجهاز الدوري التنفسي نهارا، وعادة تكون هذه العمليات أكثر من أربع عمليات فسيولوجية ترتبط بزمن اليوم الكامل.
وأفاد «اللالا» بأن دراسات علمية أثبتت أن أخذ فترة قيلولة بعد صلاة الظهر يساعد إيجابيا على النوم العميق ليلا، ولكن للأسف فإن مفهوم القيلولة -فترة زمنية تمتد ما بين صلاتي الظهر والعصر- مازال غير واضح عند شريحة كبيرة من الناس، فالقيلولة الصحيحة تنشط الجسم وتشحن الجسم بطاقة إيجابية تساعدنا على القيام بواجباتنا وأعمالنا اليومية من عبادة ومذاكرة الدروس بكفاءة وحيوية عالية تستمر معنا إلى ما بعد صلاة العشاء.
وأضاف أنه نتيجة للتوتر الذي يصيب الجسم في فترة ما بعد الظهر بسب ارتفاع نسبة الأدرينالين بالدم، وما ينتج عنه من إحساس بالتعب والإرهاق، ونتيجة لانخفاض درجة حرارة الجسم في فترة الظهيرة، يصيب الجسم شعور بالحاجة إلى النوم يشابه الرغبة في النوم وقت الليل، إذ تساعد القيلولة على إعادة ضبط الإيقاع الحيوي للجسم، وتزيد القدرة والكفاءة على العمل والإنتاج، وتسهم في إزالة التوتر الناتج عن ارتفاع مستويات الأدرينالين بالدم ، كما أنها تعزز الذاكرة والتركيز، وتفسح المجال أمام دورات جديدة من النشاط الدماغي في نمط أكثر ارتياحا.
كما ذكر أن العديد من الدول الغربية شرع في إدراج القيلولة في الأنظمة اليومية، وأوصى براحة تراوح بين 10 و30 دقيقة، خصوصا أن زيادة فترة القيلولة على 30 دقيقة قد تؤدي إلى شعور بعدم الراحة والمزاج السيئ، وصعوبة في الاستيقاظ، والإحساس بالخمول والكسل، والميل إلى العصبية وسرعة الاستفزاز.
وكان فريقا من الباحثين في مجال علم النفس بـ«جامعة زايد» بأبوظبي أجرى سلسلة من الدراسات حول الابتكارات الجديدة في مجال استكشاف الأمراض ذات العلاقة بالقضايا ذات الأولوية الوطنية للإمارات بهدف دراسة وتحليل ومعالجة بعض الظواهر والمشكلات الاجتماعية والبيئية بتمويل من الهيئة الوطنية للبحث العلمي، وذلك في إطار دعمها تطور الأنشطة البحثية وتشجيع الباحث العامل لم يكشف النقاب عنها للرأي العام.
المصدر | الخليج الجديد