يشكل السلاح الفردي والمنظم في لبنان جزءاً لا يتجزأ من الأدوات السياسية للمنظومة الحاكمة. فيكاد لا يخلو منزل لبناني من السلاح، كما لا يوجد حزب دون جناح مسلّح. ومع كل حدث سياسي أو أمني تعود بورصة السلاح إلى التداول، ليُشبع اللبنانيون خزائنهم بالسلاح والذخيرة بحثاً عن الأمن الذاتي. يلجأ اليوم عدد من اللبنانيين إلى التسلح، لا سيّما في المناطق الحدودية، خوفاً من “داعش والإرهاب”.
يتحدث سامر (اسم مستعار) وهو تاجر سلاح في العاصمة بيروت لـ “العربي الجديد” عن تطورات السوق في لبنان: “شكل إطلاق الخطة الأمنية في مدينة طرابلس شمالي لبنان في أبريل/نيسان الماضي، نقطة تحول في أسعار السلاح في لبنان وأدت التوقيفات وانتهاء المعارك بين باب التبانة وجبل محسن إلى خفض أسعار السلاح بشكل بسيط”.
وقبل هذه الخطة الأمنية ومفاعيلها، يشير سامر إلى تأثير الأحداث في سورية على سوق السلاح اللبناني “بداية الحرب في سورية كان الطلب هائلاً هناك، ويشمل كافة أنواع السلاح الخفيف والمتوسط، إضافة إلى كافة أنواع الذخائر والقذائف، وبعد إشباع السوق السوري بدأت مرحلة تجارة عكسية حيث بات السلاح السوري يباع للتجار في منطقة البقاع شرقي لبنان بكثافة”. ويمكن بحسب سامر تقسيم بيع السلاح إلى قسمين: “الأول خاص بالأحزاب ومجموعاتها المسلّحة ويقوم على تخزين كميات كبيرة من الذخيرة، والثاني فردي تحديداً عند المناطق الحدودية لا سّيما أبناء البلدات الدرزية والمسيحية ويقوم على شراء الأسلحة الفردية وأسلحة الصيد”.وقد أدت موجة الشراء هذه إلى انخفاض العرض بشكل كبير، “وتصحر عدد كبير من مخازن الأسلحة لا سيّما في البقاع”.
الأسعار تستقر أسعار بعض أنواع الأسلحة وترتفع أخرى إن وجدت في السوق، بحسب سامر، فـ”يبلغ سعر رشاش كلاشينكوف الروسي قرابة الألف وخمسمائة دولار أميركي بعدما وصل في مراحل سابقة إلى قرابة الألفي دولار، أما السلاح الأميركي من صنف أم ١٦ وأم ٤ فيبقى سعره مرتفعاً ويتراوح بين الثلاثة والستة آلاف دولار”. أما المسدسات وهي المفضلة لدى الجميع لسهولة حملها والتنقل بها، فقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير في ظل طلب متزايد، ويبلغ اليوم سعر المسدس عيار سبعة مليمتر قرابة الألفي دولار. في حين يرتفع سعر المسدس عيار ٩ ميليمتر إلى ثلاثة آلاف دولار، أما مسدس “غلوك” ذائع الصيت لدى مقتني السلاح في لبنان فيبلغ سعره ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار. وللمرة الأولى في تاريخ السلاح ارتفع سعر مسدسات البَكر ـ قليلة الطلب بسبب غياب خاصيات الأمان ـ بشكل كبير، “نظراً لإقبال أشخاص على شراء السلاح للمرّة الأولى في حياتهم”. الذخيرة يربط تجار السلاح في بيروت بين سعر السلاح وسعر الذخيرة، فمع تراجع سعر البنادق الروسية انخفض سعر الممشط الكامل (ثلاثين طلقة) من السبعين دولاراً إلى الخمسين دولاراً، وفي حين يستقر سعر ممشط طلقات الرشاشات الأمريكية عند الثمانين دولاراً ويزيد قليلا بحسب العرض والطلب. أما أسعار الطلقات الخاصة بالمسدسات فقد سجلت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ليبلغ سعر علبة الطلقات (خمسين رصاصة) المائة دولار بعد شحّها في السوق. ويبلغ سعر بعض عيارات الخاصة ثلاثة دولارات للطلقة، أما القنابل اليدوية فقد انخفض سعرها إلى الأربعين دولاراً” بعد أن وصلت خلال العام الماضي إلى الخمسين دولاراً وهو رقم قياسي”. إلى جانب السلاح الخفيف، يؤمن تجار السلاح في لبنان بعض الأسلحة المتوسطة والقذائف الصاروخية والمدفعية، ويقتصر طلبها على المجموعات الحزبية المسلّحة بسبب ارتفاع ثمنها وخطورة اقتنائها. يبلغ سعر رشاش من نوع (بي كا سي) الروسي ثمانية آلاف دولار، أما قاذفات آر بي جي وب ٧ فيتراوح سعرها بين الألف وخمسمائة دولار والألفين وخمسمائة. في حين انخفض سعر قذائف الـ”ب ٧” من ألف ومئتي دولار مطلع العام الحالي، إلى أربعمائة دولار اليوم، هذا إن وجدت على ذمة أحد تجار السلاح.
نوعية السلاح تتراجع
يقصد عدد كبير من تجار الأسلحة والزبائن المحتملين المخيمات الفلسطينية في لبنان لشراء السلاح والإطلاع على أسعاره. يقول أحد المسؤولين الحزبيين الفلسطينيين لـ “العربي الجديد” إن “نوعية السلاح تتراجع بشكل كبير في لبنان بعد دخول السلاح المستهلك من سورية”. ويؤكد المسؤول “استمرار تدفق السلاح من خلال عدد من المعابر غير الشرعية التي تشرف عليها مجموعات فلسطينية تابعة للنظام السوري”. ينهي المسؤول حديثه مستعرضاً مسدس من طراز “سميث أند ويسون” الأميركي معلناً “جهوزية السلاح للمعركة المقبلة”.
فُرغت الأسواق اللبنانية من السلاح والذخيرة، فارتفعت الأسعار كأنّ أبناء البلد يبحثون عن حماية أنفسهم بأي ثمن. والبحث جارٍ عن حماية من خطر آتٍ، أو حتى من فريق آخر يكدّس السلاح بدوره من خطر داخلي، لتوحي أرقام سوق السلاح وأسعاره أنّ حرباً ما باتت على الأبواب.