قيام السلطات الإماراتية بحملات مداهمة لعدد من بيوت المساج والتدليك بإحدى مدن الإمارات لمخالفتها شروط مزاولة المهنة أثار نوعا من الاستهزاء والاستهجان.
وكأن «حاميها لا يعرف حراميها»، فكل من يعيش في الإمارات سواء كان من أهلها أو من المقيمين على أرضها أو القاصدين لها لأغراض سياحية أو تجارية أو غير ذلك يعرف أنها الأولى في مراكز المساج والتدليك في الوطن العربي، وباتت تنافس محلات البقالة الموجودة في كل شارع من شوارع «دبي» و«أبوظبي» على وجه التحديد بشكل معلن وملفت للنظر وبعكس الإمارات الأخرى المستترة بعناوين مخالفة لم يتم ممارسته.
الشرطة التي تحمي الدعارة في «دبي» وأكثر من 50% من بيوت المساج والتدليك على مستوى الدولة، وجهت صفعة ناعمة لإحدى شبكات الدعارة المنافسة لها والتي تعمل في «دبي» لصالح حكام إمارة «رأس الخيمة» بعدما زاد نشاطها بشكل سلبي على المصالح المشتركة بينها وبين الشبكات التابعة لحكام «دبي».
إحدى الوكالات السياحية الوهمية المسجلة في إمارة «رأس الخيمة» اعتبرتها «دبي» نوعا من تجاوز حكام «رأس الخيمة» للخطوط الحمراء بينهما ومحاولة لقضم جزء من كعكة الدعارة بين الإماراتين فوجهت لها صفعة لردعها وإنذار خفي لـ«أبوظبي» من منازعتها في حصتها الدعارية المقننة سياحيا من خلال أكثر من 500 فندق في المدينة تضم أكثر من 400 محل للمساج تديره روسيات وغربيات ومصريات، فضلا عن المرخص تجاريا من قبل دائرة التنمية الاقتصادية بـ«دبي» والذي توضحه الإحصائية المرفقة.
المراقبون لهذه البيوت يعتبرون الحملة ما هي إلا نوعا من دغدغة «دبي» للمنظمات الحقوقية الدولية والتي تضع «دبي» في مراتب متقدمة في الاتجار بالبشر بعد صدور تقرير أمريكي جديد يتهم الإمارات بالاتجار بالبشر وبعد تفعيل دعوى قضائية مقامة الآن ضد حاكم «دبي» أمام محكمة فدرالية في «كنتاكي» تتهمه بالاتجار بالأطفال.
وتزامن ذلك مع ما تناولته وسائل الإعلام الغربية والمحلية مؤخرا من فضيحة اغتصاب طفل فرنسي من قبل أربعة إماراتيين أحدهم مصاب، وتستر شرطة «دبي» على المجرمين لانتسابهم لعوائل مقربة من حاكم «دبي».
قصة مراكز المساج في الإمارات طويلة وارتبطت بالطفرة العمرانية التي شهدتها البلاد في العقد الماضي وبات وجود ناد صحي في كل فندق أمرا عاديا، بل إن هذا النشاط ازدهر في العاصمة نفسها وهي التي ظلت متحفظة علي انفتاح «دبي» لسنوات، وإذا كانت الدوائر الرسمية لا تصرح بعدد هذه المراكز بالإمارات فإن ما يؤكده الواقع أنها باتت منتشرة بشكل كبير فإلي جانب المصرح له بالنشاط في الفنادق والمنتجعات، هناك في أحياء «دبي» الشعبية في «البراحة» و«نايف» و«القصيص» و«النهدة» و«الممزر» و«الجميرا» و«الكرامة» بدبي وفي «النخيل» برأس الخيمة وغيرها من الأماكن التي تعج بالأسيويين تنتشر هذه المراكز التي باتت عنوانا لتسهيل الرذيلة لراغبي المتعة الحرام من الوافدين الأسيويين وبعض العرب فضلا عن شباب المدارس الثانوية.
السلطات المختصة الإماراتية من جهتها تخفي الأعداد الحقيقية لبيوت المساج وتمنع وسائل الإعلام في التحدث عن الظاهرة وتكتفي بنشر خبر صحفي للأجهزة الأمنية والصحية للتنويه على يقظتها وحرصها على الصالح العام بقيامها بمداهمات هنا وهناك لعدد محدود من هذه البيوت.
في محاولاتنا الدؤوبة لتقصي أبعاد هذه البيوت دققنا بالنظر في دليل الاتصالات الهاتفي وجدنا أن هناك نحو 722 مركزا مشبوها بالإمارات يتخذ عناوين «التدليك والمساج والصحة والجمال والرشاقة» ستارا لممارسة البغاء والرذيلة تحت عين «ولي الأمر» الجهات المرخصة.
يقول «راشد سالم» من «دبي»: في صيف عام 2005 قرر مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في «رأس الخيمة» إغلاق المراكز الصحية بالإمارة، و بعد أقل من أسبوعين صدر قرار حاكم الإمارة بالاستغناء عن خدمات المسئول ليكتشف بعدها أن هذه المراكز المشبوهة المنتشرة في الإمارة الفقيرة مملوكة بشكل غير مباشر لمسئول كبير، وأن كل العاملين بها علي كفالته بشكل شخص.
ولم يستطع المسئول، الذي ترك البلاد بعد ذلك وبحث عن فرصة عمل بالخارج، الإفصاح عن سبب إقالته، وأسر لمقربين أن السبب هو خلاف شخصي علي طريقة إدارة الدائرة مع الحاكم الجديد الذي جاء علي جثة شقيقه الذي ظل وليا للعهد ونائبا للحاكم علي مدي عقود.
«محسن السكري» قاتل الفنانة اللبنانية «سوزان تميم» في «دبي» صيف عام 2008 ارتكب جريمته بعد ساعات قضاها مع ساقطة التقطها من النادي الصحي الملحق بالفندق الذي نزل به قبل ارتكاب الجريمة.
لا تحتاج النوادي الصحية في الإمارات لكثير من المال أو الجهد، كل المطلوب هو رخصة مزاولة النشاط، شريطة أن يكون المالك أو «الكفيل» موظف نافذ في وظيفة حساسة أو مسؤول قريب من صناع القرار، فضلا عن عدد من الفتيات الأسيويات الفقيرات اللائي يرضين بالعمل في هذه المهنة المشبوهة ليبدأ بعدها المشروع الذي يدر الآلاف شهريا.
تقول «م.س» ربة منزل في «رأس الخيمة» أنها سمعت بقصة المراكز الصحية أول مرة من صديقتها التي أبلغتها أن ابنها يذهب لهذه المراكز مرة كل أسبوع مع أصدقاءه الطلاب في المرحلة الثانوية، وأن ما يحدث في هذه المراكز بات حديث الطلاب في المدارس وتضيف «م.س» أن صديقتها أبلغتها أن كثير من الجرائم ترتكب في هذه المراكز بل أنها باتت ملتقى المنحرفين من الشباب لممارسة الأعمال المنافية بعيدا عن رقابة الأهل.
ويقول «راشد» البالغ من العمر 17 عاما من سكان «رأس الخيمة» أن بالإمارة عددا من الأماكن التي تجذب المنحرفين ففنادق الدرجة الثالثة مكان مفضل للعشرات من طلاب المرحلة الثانوية مقابل مبالغ تبدأ من 50 درهم وتصل إلي 500 درهم حيث توفر هذه الفنادق الرخيصة الفرصة لراغبي المتعة الحرام مقابل تأجير الغرف لساعات محددة.
ويضيف «راشد» أن موضة المراكز الصحية أصبحت قديمة بعد أن بزغ نجم الفنادق الشعبية وما تقدمه من خدمات يقبل عليها طلاب المرحلة الثانوية وبعض طلاب الإعدادي، ويقول أن كل هذه الأنشطة المشبوهة تتم تحت أعين أجهزة الأمن المشغولة طوال الوقت بمراقبة «الفيسبوك» و«تويتر» ومحاربة الإصلاحيين واستضافات المثليين والفاسدين على أراضيها والترويج للمغنيات المثيرات للجنس والجدال مما ساهم بشكل كبير في ضياع آلاف من الشباب وانصرافهم إلي هذه الأماكن التي باتت متاحة للجميع في ظل تراجع دور المسجد والمدرسة فضلا عن البيت، بعد انشغال الأبوين بالبيزنس ورحلات الشتاء والصيف إلي شرق أسيا.
ويؤكد «عصام» مدرس التاريخ الذي عمل في التدريس بالإمارة منذ أكثر من 20 عاما أن طلابه لا يخفون ارتكابهم مثل هذه الجرائم بل أنهم يتباهون فيما بينهم وأثناء اليوم الدراسي بالذهاب للمراكز الصحية وفنادق الدرجة الثالثة التي يتزايد عددها باستمرار، يقول «عصام» اكتشفت ذلك بعد أن لاحظت أن طلابي في الصف الثاني الثانوي ينام غالبيتهم أثناء الحصة، ولأن العلاقة بيني وبينهم بها قدر من الصداقة سألت عن السبب فقال أحدهم أننا نذهب علي فترات لهذه المراكز والفنادق، وأكد أن نصف عدد الطلاب بالفصل يلتقون هناك في الليالي التي يتفقون علي الذهاب فيها، وأضاف أن الأهل علي علم بهذه الأماكن ولا يعترضون علي انصراف الطلاب إليها.
«أم سعود» من جهتها وقفت أمام قاضي الجنايات تدافع عن ابنها البالغ من العمر 17 عاما، والذي تورط في قضية إتجار بالمواد المخدرة كشفت للمحكمة في مارس/آذار الماضي أن ابنها بدأ مرحلة الضياع من خلال التردد علي هذه المراكز، وأن احتياجه للمال أوقعه في شباك الضياع بعد أن التقطته عصابة ترويج المواد المخدرة, وقالت الأم أن ابنها ضحية لهذه المراكز التي تسببت في ضياع العشرات وأضافت، لدي الكثير الذي يكشف سبب ضياع مستقبل ابني لكنني لا أستطيع البوح به فقد عشنا سنوات عمرنا دون أن نسمع عن مثل هذه الجرائم التي لم تكن تخطر علي عقل أحد، لكن ما شهدته البلاد من انفتاح خلال السنوات الماضية بات يهدد العديد من الأسر.
لم تعد خطورة هذه البيوت المستترة وراء الدعارة حكرا على مقاراتها فحسب بل تجاوزتها بوسائل دعايتها والترويج لخدماتها المتنقلة للمنازل والبيوت، وراحت بعض الأسر توظف خادماتها في هذه المهنة بمبررات إنسانية واهية ومؤخرا أعلن في «الرياض» كذلك عن حملات مرتقبة لإغلاق 90% من مراكز المساج، واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» بتحذيرات تحمل عنوان «احذروا فتيات المساج والتدليك» وسردا لقصص مؤلمة ومخزية للعفة والطهارة بعدما انتشرت في المجتمع مؤسسات ترعى الرذيلة وتحميها وتقننها بصورة غير مسبوقة.
المصدر | الخليج الجديد