في الوقت الذي أنهى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تشكيل حكومة جديدة نالت ثقة البرلمان في 8 أيلول/سبتمبر، يبدو أن إيران تنوي توسيع نطاق مساعدتها العسكرية المباشرة للدولة المجاورة. فقد قامت طهران بالتزام عسكري كبير تجاه بغداد حين كان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي يصارع للبقاء في السلطة، كما أن الخطوات السياسية والعسكرية التي قيل إنها اتخذتها منذ ذلك الحين تشير إلى عزم إيران على دعم حكومة ناشئة تبقى تحت سيطرة “حزب الدعوة الإسلامية” – الفصيل الشيعي الذي يتزعمه المالكي.
سقوط المالكي
ارتابت إيران بشكل كبير حين ألقت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بكامل ثقلها على النداءات التي انتشرت هذا الصيف والتي طالبت بتنحي رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي. وفي حين لم تدعم واشنطن أي مرشح محدد ليخلفه، إلا أن موافقتها السريعة على ترشيح العبادي أثارت الدهشة في طهران. وبعد أن بات واضحاً أن العبادي سيكون رئيس الوزراء الجديد، غيرت إيران موقفها وبدأت بدعمه، إلا أن ذلك لم يحصل إلا بعد أن صوتت قيادة “حزب الدعوة الإسلامية” على التغيير بعشرة أصوات مقابل صوت واحد، وهي خطوة جاءت مدعومة برسالة من الزعيم الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني يصر فيها على اختيار زعامة الحزب شخصية تحظى بالإجماع لقيادة البلاد.
ومن المثير للاهتمام أن إيران غيّرت موقفها بعد قيام أحد كبار مسؤوليها – وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بزيارة العراق في منتصف تموز/يوليو؛ والسيد شمخاني هو أصلاً من الأحوازيين العرب ويتحدث اللغة العربية بطلاقة، ويبدو أنه يلعب دوراً أكثر نشاطاً فيما يتعلق بالسياسة تجاه العراق في إدارة روحاني. وقد يكون صعوده قد أتى على حساب قائد “قوة القدس” التابعة لـ “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” قاسم سليماني، الذي يُعتقد أنه دعم بقوة تولي المالكي ولاية أخرى.
وعلى كل حال، يبقى السؤال إن كان دعم إيران لرئيس الوزراء حيدر العبادي يشكل خطوة تكتيكية قصيرة الأمد (بناءً على تصريحات سابقة لمسؤولين إيرانيين كانوا قد ألقوا اللوم على مؤامرة متعددة الجنسيات هدفها محاولة اسقاط المالكي واستعادة السيطرة على العراق) أو جزءاً من مبادرة دبلوماسية إيرانية “استباقية وذكية” تهدف إلى عرقلة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة من خلال “النظام العالمي الجديد”، كما بيّن ذلك آية الله علي خامنئي لسلكه الدبلوماسي في الخطاب الذي ألقاه في 13 آب/أغسطس. ويُذكر أنه حتى الوقت الحالي لم يدعم أي من قادة “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني بشكل علني تولي حيدر العبادي منصب رئاسة الوزراء، ولا يبدو مثل هذا الدعم مرجحاً إلا إذا التزم، بشكل ضمني كما يُفترض، بدعم فعّال لمشاركة “فيلق القدس” في كل من العراق وسوريا.
مما لا شك فيه أن طهران قلقة من الوعود الأمريكية الأخيرة بزيادة المساعدات الأمنية للحكومة العراقية الجديدة ومن الحديث عن مساندة محتملة من “منظمة حلف شمال الأطلسي” (الناتو) لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)»، الذي يسمي نفسه الآن مجرد «الدولة الإسلامية». ومن وجهة نظر “الحرس الثوري الإسلامي”، يمكن لأي توسع في دور الـ “ناتو” في المنطقة أن يفسَّر على أنه خطوة أخرى نحو تطويق إيران عسكرياً.
ويقيناً، يمكن للمساعدة الغربية أن تساهم بشكل غير مباشر في تحقيق أهداف “الحرس الثوري الإسلامي” من خلال تخفيف الضغط على “فيلق القدس” المنهك مالياً ولوجستياً بسبب مشاركته في الحرب السورية. ومع ذلك، فإن “الحرس الثوري الإيراني” عادةً ما يتردد في الإتفاق مع الولايات المتحدة على الهدف نفسه، لذلك من غير المرجح أن ينضم إلى الميليشيات الشيعية المحلية (مثل «عصائب أهل الحق») في تأييد علني لدور الولايات المتحدة في العراق.
أما بالنسبة إلى المشهد المحلي الإيراني، فلم يعلق المسؤولون كثيراً على آخر مغامراتهم العسكرية في العراق، حيث أن النظام نادراً ما يعترف بتدخلاته الخارجية علناً. لكن لا يمكن أن يكون آية الله علي خامنئي قد سعد بقرار آية الله السيستاني دعم القيادة الجديدة في بغداد علناً في الوقت الذي لا تزال فيه إيران تصارع حول مسألة من يجب أن يتولى قيادة العراق. وبالتالي شكلت خطوة آية الله السيستاني تحدياً فعلياً لإعلان آية الله الخامنئي نفسه زعيماً للعالم الإسلامي، بما في ذلك الشيعة في العراق.
المساعدات العسكرية الإيرانية
على الرغم من أن إيران لم تصل إلى درجة الإعلان عن تدخل رسمي مسلح لإبقاء المالكي في السلطة، إلا أن “الحرس الثوري الإيراني” أرسل أفراد من “قوة القدس” وطائرات للهجوم الأرضي ومجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار إلى العراق، وسط الدعوات المتزايدة لتنحي رئيس الوزراء العراقي السابق. وقد كمن الهدف العملي لهذا الانتشار في حماية المجتمعات والأماكن المقدسة الشيعية العراقية الرئيسية من سيطرة «الدولة الإسلامية». ومع تمركز فرق “فيلق القدس” حاليّاً في سامراء وبغداد وكربلاء، وقاعدة “سبايكر” سابقاً (قاعدة الصحراء الجوية) قرب تكريت، فإن إيران في وضع فريد للإحاطة بأي حالة طارئة قد تنشأ في شمال ووسط وجنوب العراق. ويُذكر أن هذه الوحدات كانت أساسية أيضاً لخطة إيران في تنظيم الميليشيات الشيعية المحلية التي تعمل مع قوات الحكومة العراقية لكنها مقرّبة من طهران، على غرار وحدات الميليشيا الشعبية في سوريا.
ومن أجل تقديم المزيد من الدعم لحكومة المالكي، أفادت التقارير أيضاً أن إيران نشرت ما يصل إلى سبع طائرات من طراز “سوخوي سو-25-Frogfoot”. يُشار إلى أن هذه الطائرات للهجوم الأرضي هي من أثمن ممتلكات “الحرس الثوري الإسلامي”، إذ تلعب دوراً رئيسياً في العمليات من [قاعدتها في] جزيرة أبو موسى الأستراتيجية في الخليج العربي. ويظهر انتشارها درجة استعداد إيران – أو على الأقل الفصيل المتشدد المتمثل في “الحرس الثوري” – على إبقاء حزب المالكي في السلطة.
ولا تزال الظروف المحيطة بنشر طائرات “سوخوي سو-25” غير مؤكدة، ولكن وفقاً لمصادر مطلعة تم نقل الطائرات إلى [معسكر] الرشيد في 30 حزيران/ يونيو و 1 تموز/يوليو، لتُنقل في وقت لاحق إلى “قاعدة المثنى الجوية” بالقرب من “مطار بغداد الدولي”، حيث عملت عليها مجموعات طواقم العمل العراقي/الإيراني الجوي والأرضي التي تدربت سابقاً في إيران. وقد استًكمِلت عملية تسليم هذه الطائرات بمجموعة صغيرة من الطائرات المماثلة التي سلمتها روسيا إلى العراق مباشرة. وقد سمحت هذه الممتلكات الجديدة لبغداد بتوفير دعم جوي أكثر فعالية لقوات البشمركة الكردية وقوات الميليشيا الشيعية التي تحارب «داعش»، وذلك في أوائل آب/أغسطس. وقد افادت التقارير أنه قد تم استخدامها بنجاح في القتال منذ ذلك الحين دون أي خسائر مؤكدة.
يبدو أن بعض طائرات الـ “سوخوي سو-25” أو جميعها كانت هي نفسها التي أرسلها الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى إيران خلال حرب الخليج عام 1991. وقيل إن “الحرس الثوري الإيراني” أعاد ملكيتها إلى العراق كجزء من الصفقة التي ستقدم روسيا في إطارها عدداً مماثلاً من الطائرات المقاتلة إلى إيران في وقت لاحق، وربما عن طريق العراق. ومثل هذا الترتيب لن يكون مفاجأة نظراً للدور التكتيكي المهم الذي لا يزال من الممكن أن تلعبه هذه الطائرات لقوات “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني.
ونشرت إيران أيضاً طائرات استطلاع وربما طائرات مقاتلة بدون طيار. وقد أظهرت لقطات فيديو لجهاديين على الإنترنت طائرة إيرانية بدون طيار من طراز “مهاجر4” تحمل علامات عراقية أُسقطت قرب سامراء في 5 تموز/يوليو. وفي اليوم نفسه قُتل الطيار في “الحرس الثوري الإيراني” شجاعت علمداري في سامراء نفسها. وكان قد تم تعيينه في “فيلق القدس” حيث تولى على الأرجح آنذاك مهام مراقب جوي أمامي. كما ويمكن لطائرة أخرى بدون طيار – الطائرة القاذفة “شاهد 129” – أن تلعب دوراً هاماً مماثلاً في العراق نظراً لسجلها الحافل بالنجاحات في سوريا. فمع قدرة تحمّل تصل إلى أربع وعشرين ساعة، يمكن لهذا النظام توفير الاستطلاع المستمر من الجو لـ “فيلق القدس” والميليشيات الشيعية، وفي الوقت نفسه إعطاء “الحرس الثوري الإسلامي” فرصة لصقل مهاراته في استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار.
الخطوات الايرانية الجديدة
بالتزامن مع المناورات السياسية الجارية، قد تميل إيران، ولا سيما “الحرس الثوري الإسلامي”، إلى زيادة وجودهما في العراق. وقد يظهر ذلك على شكل انتشار عسكري أكثر تنظيماً، وإذا اتخذت «الدولة الإسلامية» المزيد من الخطوات التوسعية في الجنوب، فقد تقرر طهران حتى إرسال قوات خاصة بآليات خفيفة ومدفعية ذاتية الدفع وقاذفات الصواريخ “أم 270”. ومع هذه القدرات، قد يسعى الإيرانيون إلى خطف الأضواء من واشنطن من خلال توجيه ضربة إلى «داعش» وتعزيز مصداقيتهم في العراق في الوقت نفسه.
وأخيراً، ليس هناك ما يضمن أن يؤدي تشكيل حكومة جديدة إلى قيام علاقات أكثر هدوءاً بين بغداد والأكراد في العراق على المدى الطويل، لذلك ستستمر إيران في تقديم نفسها لكلا الطرفين كشريك أمني رئيسي. وتخدم هذه المقاربة هدف طهران المزدوج والكامن في توسيع نفوذها في كل من بغداد ومنطقة “حكومة إقليم كردستان” بينما تحاول أن تحل محل الدور الأمريكي في كليهما.
فرزين نديمي هو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج العربي ومقره في واشنطن. وقد سبق وأن كتب مقالات لمعهد واشنطن بشأن استراتيجية الحرب البحرية غير المتكافئة لطهران.