لم نكن بحاجة لدليل يؤكد أن عبد الحليم حافظ هو الفنان المفضل لعبد الفتاح السيسي، لكن موقفه الأخير، جعلنا على يقين من أن أغنية العندليب المفضلة له هي :” لو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت”.
عبد الحليم حافظ هو ملك “الشحتفة” عندما يتحدث، وقد سار السيسي على نهجه في الحديث لكسب تعاطف الرأي العام، بيد أن هذا الأسلوب في الحديث وفي مخاطبة الآخر، لم يعد له نفس التأثير القديم، بعد أن وجد المواطن نفسه أمام شخص فاشل، وليس هو من تم تقديمه على أنه “المنقذ” أو “المخلص”، الذي سينتشل البلاد من مشاكله، التي عجز الرئيس محمد مرسي عن مواجهتها، فإذا بها تتفاقم في العهد الجديد، وإذا بأزمة الكهرباء تتحول إلى انهيار، ليصل الحال بمصر، أن تعيش يوماً “خارج إطار الخدمة”، بعد الانقطاع غير المسبوق للكهرباء في عموم القطر المصري. وقد قال وزير الكهرباء أنه حدث مرة في بداية التسعينات، و”عام” السيسي “على عومه” وردد نفس الكلام. ولم يكن هذا صحيحاً.
لقد استشعر السيسي حجم الكارثة، التي تعيشها مصر على يديه، فكان الإعلان عن خطاب يتقدم به للأمة، وإذا بالخطاب لا يقدم جديداً إلا الاعتراف بالأزمة، التي يعيشها المصريون جميعاً، فكانوا كمريض ذهب للطبيب يشكو له أنه مريض، وبعد فحص وتحاليل وأشعة، انتفخ الطبيب وتمدد بالحرارة، وأخبر المريض بأنه مريض. ثم طلب منه أن يشكره لهذا الاكتشاف التاريخي، الذي يتمثل في أن المريض مريض!.
السيسي بدا عاجزاً، وفاشلاً، وهو يعلن أن لجنة تشكلت لبحث المشكلة التي كانت سبباً في انقطاع التيار الكهربائي يوم الخميس الماضي ولم تنته بعد من بيان السبب، ثم تحدث عن أن الكهرباء بشكل عام، وهي مرفق من مرافق الدولة، تعاني مما تعانيه كل المرافق من إهمال طيلة السنوات الماضية، وأن مرفق الكهرباء بحاجة إلي 130 مليار جنيه. عندما تكون حاضرة فعلينا أن نبدأ في انتظار حل المشكلة بعد خمس سنوات. يا من يعيش!.
والمعنى أن السيسي عندما يقرر خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد أربع سنوات، لا يجوز لنا أن نحاسبه على انقطاع التيار الكهربائي، فقد أعلن أن الأزمة ستحل بعد خمس سنوات من تاريخ توفر المبلغ الذي هو 130 مليار جنيه!.
اكتشاف عبقري للسيسي أن الكهرباء “مرفق من مرافق الدولة”، لكنه اكتشاف على عظمته، لا ينقل سيادته لمصاف العلماء. وإن كان اللافت أنه وهو يتحدث عن اكتشافه يؤكد لنا أن كل المرافق تعاني أزمات، يريد أن يقول لنا عند كل أزمة نواجهها: ألم أقل لكم أننا نواجه أزمات وتحديات؟ ليخرج أنصاره يطالبوننا بتقدير أنه اعترف بالأزمة. وكأننا لا نشعر بها إلا بعد اعترافه “الخطير”، فقد أخبر الطبيب المريض، بأنه مريض!.
منذ البداية قلت ان السيسي لا يملك برنامجاً لحل أي أزمة، وكان في حكم المرشح الذي قال للناس “انتخبوني واشكروني”، وهو في خطابه للأمة، وللأمم السابقة، يتحدث عن أنه قال للشعب منذ البداية عن حجم التحديات، ولم يخدعه!.
وقد تحدث فأسهب عن الشراكة، والعقد الذي بينه وبين الشعب، مع أننا لا نرى هذه الشراكة في الحكم، فشراكته مع الشعب في الهم، ليكون من حقه وحده أن يحكم حكماً منفرداً، لدرجة أنه يؤجل انتخابات البرلمان، لينفرد بالحكم بالرغم من أن الانتخابات على طريقته لن تنتج إلا مصفقين له!.
لقد تحدث السيسي عن فلسفة جديدة في الحكم، وهي “الشراكة بين المسؤول وبين الشعب”، وهي تعني أن المسؤول لا يفعل شيئاً، وعلى الشعب أن يعذره لفشله وعجزه عن القيام بأعباء منصبه. ويكفي أن يعترف الحاكم بحجم التحديات، ثم ينام قرير العين، فقد أدى ما عليه بهذا الاعتراف!.
أزمة الكهرباء كانت سبباً في استهداف الرئيس محمد مرسي إعلامياً وتقديمه للرأي العام على أنه “الرئيس الفاشل”، ولم تكن قد تفاقمت على النحو التي هي عليها الآن، وكان مرسي يطلب بالصبر وهو يتحدث عن برنامجه لمواجهة الأزمة، أما السيسي فليس عنده وسيلة للتصدي للأزمة غير أنه أشهد الشعب المصري أن هناك تحديات تجابهه.
وعندما يتحدث السيسي عن حل، فهو يطلب “لبن العصفور” متمثلاً في 130 مليار جنيه، وهي الطريقة الوحيدة التي يجيدها، بشكل جعلني أرتاب فيه، فقد بدا لي كمغامر يريد أن يجمع من الشعب ما يمكنه جمعه من أموال، ثم يهرب.
فهو يريد مائة مليار جنيه خارج الموازنة العامة للدولة، “على جنب”. وهو في مشروع القناة الجديدة يريد مائة مليار جنيه تبرعاً من الشعب الكريم. وهو لمجابهة المخاطر التي ستنتج عن سد النهضة على مدار السنوات الثلاث القادمة يريد مائة وخمسين مليار جنيه، لشق الترع والمصارف، وتخزين المياه فيها استعداداً لشحها. (وقد راعني أن مخاطر سد النهضة لم تلفت انتباه أحد، مع أنه ذكرها في خطابه بمناسبة تدشين القناة الجديدة).
وهو في أزمة الكهرباء بحاجة إلى 130 مليار جنيه، قد يزيدون قليلاً أو يقلون قليلاً!.
خلاصة خطاب السيسي للأمة وللأمم المجاورة، أنه لا يوجد لديه ما يقدمه، غير فشله، وقلة حيلته، وعجزه العام، واعترافه للشعب بأنه يواجه تحديات، ولا خطة يمتلكها للمواجهة غير الاستسلام التام، وقوله: ألم اقل لكم أننا نواجه تحديات؟!
وقد أكد أنه كان يعلم بحجم التحديات في مجال الكهرباء، وقال ذلك للنظام السابق، يقصد نظام مرسي وللنخب والتيارات المختلفة عندما كان مديراً للمخابرات الحربية، ويبدو أن هذا كان لتبرير فشل المجلس العسكري الذي كان السيسي عضواً فيه في فترة حكمه العصيبة.
وما دام السيسي كان يعلم بحجم الأزمة على هذا النحو، فلماذا لم يقل والإعلام يهاجم الرئيس مرسي أن الرجل يواجه تحديات فاعذروه؟!.
لقد فات عبد الفتاح السيسي أنه في أزمة الكهرباء بالذات سبق له أن أعلن أنه يملك الحل، الذي تمثل في “اللمبات الموفرة” على طريقة مجابهة الفيروسات بصباع “الكفتة”، وكان عليه أن يعلن فشل خطته، لأن “اللمبات الموفرة” ليست الحل السحري كما ادعى وأخبر.
إن السيسي في خطابه، لم يؤكد فقط فشله، وإنما بشرنا بأن الاستقرار لن يتحقق في مصر في الأمد المنظور، على عكس ما كان يروج له إعلامه من قبل بأن الاستقرار قد حل وأن المضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق كاشف عن الاستقرار الذي تنعم به البلاد.
السيسي وهو يبدو جامعاً بين الفشل والعجز، يصبح من الطبيعي أن تكون أغنيته المفضلة: لو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت”.. فماذا في منصب رئيس الجمهورية دفعه للانقلاب على الرئيس المنتخب، وإدخال البلاد النفق المظلم، وماذا يملك هو ليواجه التحديات؟.
“بشرة خير” فلا أستبعد – والحال كذلك – أن يبلغ السيسي فراراً، لنستيقظ ذات يوم فلا نجده، كما يفعل الريفي الذي أثقلته الديون عندما يترك بلدته ويهرب في جنح الظلام، وقد بدا أنه يستشعر فشله. وإن كان يمكن أن يقدم على خطوة إعلان التنحي ليصبح جديراً بأن يكون عبد الناصر، وعندما يعود على مظاهرات الشعب يصبح من الواجب على هذا الشعب أن يتحمله.
أرجو من المقربين منه أن يقوموا بإبلاغه بأن الأقرب له هو القذافي وليس عبد الناصر..
دار دار.. زنقة زنقة.
سليم عزوز