بعد ثلاث سنوات من قضاء البحرين قسرًا على أكبر انتفاضة شعبية في تاريخها في شهر فبراير 2011، لا تزال التوقعات السياسية بشأن مستقبل البلاد قاتمة. مسألة الإصلاحات لا تزال تحدث انشقاقات في الأسرة الحاكمة، المحتجون المناهضون للحكومة يشتبكون مع قوات الأمن بشكل منتظم، التوترات الطائفية لا تزال تتضخم، وما زال الجمود الذي طال أمده بين نظام آل خليفة الحاكم والمعارضة مستمرًّا.
والآن، يبدو أن قاعدة الدعم الرئيسة للحكومة، وهي المجموعات القبلية السُّنية التي تشكل الأقلية ولكنها محورية في الخارطة السياسية البحرينية، بدأت تترك البلاد ببطء.
السلطات البحرينية لديها سببٌ وجيهٌ للقلق. حيث إنه، وعلى الرغم من أن عائلة آل خليفة وحلفائها من عشائر السنة يهيمنون على البلاد، إلا أن حوالي 60 في المئة من المواطنين هم من الشيعة، وقد أثار التمييز السياسي والاقتصادي الذي تعرض له هؤلاء خلال قرابة قرنين من الزمن المعارضة الشيعية للنظام الذي يقوده السنة، وهي معارضة تخللها فترات متقطعة من التمرد.
انتفاضة طويلة في أواخر التسعينيات أجبرت الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى التعهد بإحداث إصلاحات جوهرية يواصل منتقدو الحكومة المطالبة بها اليوم، وهي تأسيس هيئة تشريعية مخولة يتم اختيارها عبر انتخابات نزيهة، حكومة أكثر تمثيلًا، وزيادة المساواة في الفرص الاقتصادية وفرص العمل في القطاع العام.
ومن ناحية أخرى، كانت الأقلية السنية في البحرين، ولفترة طويلة، حليفًا لا غنى عنه للدولة. يعود تاريخ هذا التحالف إلى عام 1783، وذلك عندما قادت عائلة آل خليفة قوة من القبائل السنية (مقرها في قطر في الوقت الحاضر) للاستيلاء على البحرين من حاكمها الفارسي. وكمكافأة، قدم حكام آل خليفة للقبائل السنية الأرض، والإعفاءات الضريبية، والامتيازات السياسية والاقتصادية الأخرى.
وفي العصر الحديث، شكل المتحدرون من هذه العائلات القبلية حجر الأساس لسلطة الحكومة، وكان دعمهم موازن قوي ضد زعزعة المواجهات بين الفصائل الدينية والأيديولوجية لاستقرار البلاد.
وفي البرلمان، على سبيل المثال، يعمل نوّاب القبائل بمثابة مستقلين، بينما يعمل نظرائهم من السنة والشيعة غير القبائليين، كممثلين لمجتمعاتهم السياسية المنظمة بدقّة على طول الخطوط طائفية. يقدم النواب القبليون للحكومة كتلة موثوقة من الأصوات الموالية، وهي الكتلة التي تبقى غير متأثرة عادةً بالمعارك السياسية.
وعلى الرغم من أن هذه الكتلة تحكم عادةً حوالي ثلث المقاعد فقط في مجلس النواب المنتخب، إلا أنها تشمل رئيس البرلمان لثلاث دورات تشريعية متتالية، واستطاعت منع التشريعات المصيرية ذات التوجه الإصلاحي، والموضوعات غير المرغوب بنقاشها، والإجراءات المثيرة للجدل، مثل الاستجواب العام للوزراء .
إلى المراعي الأكثر اخضرارًا
ولكن يبدو أن الشعور بالضيق السياسي والاقتصادي، الذي طال أمده في البحرين، قد بدأ يلقي بظلاله حتى على الدوائر الانتخابية الأكثر تحالفًا مع الدولة. هناك مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن أفراد العائلات السنية البارزة في البحرين قد بدأوا بالانتقال إلى الخارج خلال العام الماضي. ولتأجيج غضب البحرين أكثر، تفيد التقارير بأن معظم هؤلاء أعيد توطينهم في دولة قطر، وهي الدولة التي فيها عشائر سنية تشترك في النسب مع عشائر السنة في البحرين، وفيها أيضًا اقتصاد قوي يسمح لحكومتها بجذب القادمين الجدد من خلال تقديم وعود الرعاية الاجتماعية السخية لهم. في عام 2013، بلغت عائدات قطر من النفط والغاز حوالي 428 ألف دولار لكل مواطن، بينما كانت هذه النسبة أقل من 30 ألف دولار في البحرين.
واكتسبت هذه الشائعات المستمرة حول الهجرة إثارةً أكبر في شهر مارس، عندما أعلن عضو منتخب في المجلس البلدي للمحافظة الجنوبية، وهو علي المهندي، عن استقالته وغادر البلاد، وورد بعدها أنه تلقى الجنسية القطرية. وبعد أسبوع، انتقدت ابنة رئيس وزراء البحرين علنًا رحيل الأسر البحرينية إلى دولة خليجية لم تحدد اسمها، معتبرةً أنه “خطأ كبير”، ودعت إلى إجراء تحقيق بالموضوع.
وعلى الرغم من أن قطر ظلت صامتة بشأن هذه المسألة، يبدو أن تصريحات المسؤولين السابقين تبرر الشكوك في البحرين. على سبيل المثال، قال وزير قطر السابق للعدالة، لصحيفة أخبار الدوحة على الإنترنت الشهر الماضي، إن عملية تجنيس البحرينيين تم مؤخرًا تبسيطها إلى حد كبير. وأضاف: “قبل ذلك، كان الناس يقومون بالانتقال إلى قطر وإسقاط جنسيتهم البحرينية ومن ثم العيش في قطر لمدة ثلاث سنوات قبل منحهم الجنسية القطرية. ولكن الآن يتم اتخاذ القرارات في 24 ساعة فقط”.
ودليل آخر على شدة المشكلة هو اندفاع الحكومة لاتخاذ إجراءات مضادة. في يوليو، عدلت البحرين قانون الجنسية فارضةً غرامات صارمة، بما في ذلك إمكانية إلغاء المواطنة، بالنسبة لأولئك الذين أخذوا جنسية أخرى أو بقوا في الخارج لفترة طويلة من الزمن دون موافقة الحكومة. وبعد أقل من أسبوع، وفي مقابلة تلفزيونية صريحة، اتهم وزير خارجية البحرين قطر مباشرةً بالانخراط في “التجنيس الطائفي”، وصراحةً باستهداف العائلات السنية التي لديها روابط قبلية مع قطر.
والدافع وراء سياسة قطر الجديدة لا يزال موضوعًا للنقاش. أولًا، إن البلاد لديها نصيبها من مشاكل السكان. المواطنون في قطر (ومعظمهم من السنة) هم فقط حوالي 275 ألفًا من عدد السكان الإجمالي، ولا يمثلون بالكاد سوى 13 في المئة من مجموع السكان؛ ويفوق عدد الأجانب عدد القطريين في البلاد إلى حد كبير، حتى بالمعايير الخليجية.
وقد أنتج هذا الخلل الديموغرافي الشديد مشاعر بالتعرض إلى الغزو الثقافي والتغريب بين بعض القطريين، وأثار توترات اجتماعية بين السكان المحليين الأكثر تحفظًا، والمغتربين الأكثر ليبرالية. هذا الخلل الديموغرافي يتعمق بسرعة اليوم أيضاً بينما تجند قطر عمالًا أجانب أكثر استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2022. وبالتالي، ومن خلال تبني سياسة التجنيس الجديدة للبحرينيين، قد تكون الحكومة القطرية تحاول مواجهة هذا الخلل الديموغرافي جزئيًا.
ومع ذلك، تشك البحرين بأن لدى قطر نية أكثر سوءًا. هذه الشكوك، وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية بين الدولتين تحسنت على مدى العقدين الماضيين، تدفعها العلاقة التاريخية التي اتسمت بالنزاع بين الدولتين، بما في ذلك سلسلة من الحروب في أعقاب سيطرة آل خليفة على البحرين.
ما وراء الإخوان
وتذهب مثل هذه المخاوف بعيدً لتشير إلى قرار البحرين بدخول النزاع الدبلوماسي المستمر بين قطر ودولتين خليجيتين في المنطقة، هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. في مارس، سحبت الدولتان فجأةً سفيريهما من الدوحة، احتجاجًا على دعم دولة قطر منذ فترة طويلة لجماعة الإخوان المسلمين وفروعها الإقليمية. وكان اتهامهم بأن قطر قد انتهكت الاتفاقية الأمنية المبرمة مؤخرًا، والتي تمنع تدخل أي دولة خليجية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، نابعًا من خوفهم من تنامي قوة الحركات الإسلامية الإقليمية منذ عام 2011.
وكان قرار البحرين بالانضمام إلى المقاطعة قرارًا غريبًا، منذ أن موقفها تجاه الإخوان هو موقف مختلف اختلافًا كبيرًا عن موقف جيرانها الأكثر تشككًا. الجناح السياسي للجماعة في البحرين، وهو المنبر الإسلامي، لا تشوب تأييده للحكومة شائبة، ويحافظ قادته على علاقات وثيقة مع كبار أعضاء الأسرة الحاكمة. المنبر يقف جنبًا إلى جنب أيضًا مع السنة القبليين والسلفيين في المساعدة بتشكيل الدعم التشريعي للحكومة في البرلمان، وكان له كذلك دور فعال في تنظيم الثورة السنية المضادة، والتي ساعدت في قمع الانتفاضة المناهضة للحكومة في مارس 2011.
صفقة صعبة
وبعد ستة أشهر من الأزمة الدبلوماسية، تبدو قطر مستعدةً للمساومة على عدة نقاط رئيسة، بما في ذلك سياسة تجنيس مواطني دول الخليج الأخرى. ولكن المسؤولين البحرينيين لن يستطيعوا رغم ذلك الاحتفال بهذا الانتصار الدبلوماسي باعتباره الحل الفعلي للمشكلة. تقييد تدفق مواطنيهم عبر الحدود، سواءً من السنة أو الشيعة، لا يفعل شيئًا لمعالجة الحوافز الدافعة لهذه الهجرة في المقام الأول. وتمامًا كما ذهب الآلاف من الشيعة البحرينيين إلى الخارج هربًا من الاضطهاد في الوطن، سوف يستمر السنة أيضًا في البحث عن ظروف اقتصادية وسياسية أكثر ملائمة لهم في أماكن أخرى، سواءً في منطقة الخليج أو خارجها.
مشاكل الديموغرافية في البحرين لا تنبع من سياسات الهجرة في قطر، ولكن من فشل نظام آل خليفة في إعادة بناء الأمة المنقسمة بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانتفاضة.
أولويات الحكومة كلها في المكان الخطأ. بدلًا من النظر بجدية إلى مظالم المعارضة، والمتمثلة في القواعد الانتخابية غير عادلة، البرلمان العاجز، هيمنة عائلة آل خليفة على الحكومة، واستبعاد الشيعة من الشرطة والجيش، ركزت الدولة على معاقبة النشطاء وترسيخ قاعدة دعمها السنية. ولتحقيق الهدف الثاني، زرعت الحكومة عدم الثقة الطائفية بين أفراد الشعب، وعززت من مقاومة السنة للتغيير السياسي خوفًا من أن ذلك من شأنه أن يفتح الباب لتمكين الشيعة.
وأخيرًا، وللحد من النفوذ الديموغرافي للأغلبية الشيعية في البحرين، تم منح الجنسية لما يقارب 100 ألف شخص من اليمن وباكستان وسوريا ودول أخرى منذ أواخر التسعينيات. هؤلاء المواطنون المتجنسون، كثيرًا ما يتم تجنيدهم خصيصًا في الشرطة والجيش، ويشكلون اليوم حوالي ثلث السكان السنة، ويتمتعون بمزايا لا يستطيع الوصول إليها حتى معظم البحرينيين الأصليين.
فورين أفيرز
التقرير