لا يبدو أن الإدارة الأميركية مرتاحة للتعاون مع الميليشيات الشيعية التي تحارب تنظيم (داعش) في العراق، فتلك الميليشيات مُورطة في جرائم طائفية بشعة، ولذلك، لا تريد واشنطن الظهور بمظهر المتعاون أو الداعم لها.
وقد أطلق اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” مناطق واسعة من العراق بسرعة مذهلة وتعطشه للدماء واساليبه المروعة في القتل والذبح والسبي دعوات الى اقامة جبهة اقليمية ودولية عريضة ضده.
واعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما عشية قمة الاطلسي في ويلز التحضير لاقامة تحالف عالمي لمواجهة خطر داعش.
لا يختلفون عن “داعش”
ولكن مراقبين لاحظوا ان حلفاء اوباما والغرب، المحتملين منهم أو الفعليين، نادرا ما يكونون أفضل من داعش.
وأشار المراقبون الى ان بعضاً من اشد المتصدين لخطر داعش هم ميليشيات شيعية عراقية خاضت حرباً طائفية دامية ضد السنة.
وفي اليوم الذي بث فيه فيديو ذبح الصحافي الاميركي ستيفن سوتلوف على الانترنت، جرى تداول صور على مواقع الكترونية متعددة ظهر فيها رجال ميليشيا عصائب أهل الحق الشيعية يرقصون فوق جثث متفحمة لعراقيين سنة.
وفي 22 آب/اغسطس قتل مسلحو احدى الميليشيات الشيعية 68 مصليا ًسنياً في مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى.
الخطف والإعدام
واصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان تقريرا اتهمت فيه ميليشيات شيعية مدعومة من حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بخطف عشرات المدنيين السنة واعدامهم.
وحين بدأت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضد داعش في 8 آب/اغسطس حرصت على النأي بنفسها من هذه الميليشيات.
الهدف نجدة الأكراد
ولاحظ محللون ان واشنطن حاولت استخدام الضربات الجوية لمساعدة قوات البشمركة الكردية أكثر من نجدة حكومة بغداد التي تسيطر عليها احزاب شيعية.
ويبين فك الحصار على ناحية آمرلي التركمانية الشيعية في محافظة صلاح الدين شمال بغداد في 1 ايلول/سبتمبر ان الولايات المتحدة ستواجه تحدياً صعباً يتمثل في الاستمرار بتوجيه ضربات جوية الى داعش دون أن تبدو متعاونة مع ميليشيات تمارس القتل على الهوية. فان عملية فك الحصار عن آمرلي نفذتها على ما يُفترض قوات الجيش العراقي الذي تقول ادارة اوباما انها تنسق معه.
دور متنام للميليشيات
ولكن ما يُعرف عن أداء جيش المالكي الهزيل يؤكد انه ما كان ليستطيع النجاح في انقاذ سكان آمرلي من داعش دون الميليشيات الشيعية، لا سيما وان هذه الميليشيات اكتسبت خبرات قتالية وتمرست في القتال دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.
وترتبط المجاميع المسلحة الشيعية بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني أو رجل الدين مقتدى الصدر أو احزاب شيعية أخرى مهيمنة على الحكومة.
وكانت هذه المجاميع اتسعت بسرعة بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 وشكلت فرق موت ضد السنة خلال اعمال العنف الطائفي في 2006 ـ 2007.
ارتباط بإيران
وشاركت في معركة آمرلي اربع ميليشيات على الأقل هي فيلق بدر الذي أنشأته ايران في الثمانينات وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله المرتبطة بايران ايضا وسرايا السلام، وهي نسخة معاد تعليبها من جيش المهدي بقيادة الصدر، على حد وصف مجلة الايكونومست مشيرة الى ظهور ميليشيات اصغر من 100 مسلح الى 150 مسلحاً ظهرت منذ حزيران/يونيو بعد دعوة المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الى التطوع دفاعا عن بغداد.
وقد يجد الغرب ان لا خيار امامه سوى التعاون مع هؤلاء الحلفاء غير المرغوب فيهم، تعاوناً مكشوفاً أو ضمنياً، في اطار التحالف العالمي الذي تحدث عنه اوباما لمواجهة تهديدات داعش.
وكان شيعة العراق وكرده ومسيحيوه وسنته رحبوا في البداية باعلان مبادرة الحشد الشعبي لعدم ثقتهم بجيش المالكي للدفاع عن بغداد.
عودة الطائفية
ولكن تنامي سطوة الميليشيات الشيعية تحت غطاء الحشد الشعبي سيجعل من الصعب إقناع السنة المستائين اصلا حتى بالعروض التي قُدمت اليه بمنحهم كلمة اكبر في صنع القرار ومناصب في قيادة الجيش.
فالميليشيات الشيعية ترفض فكرة اعطاء السنة حقوقاً أوسع وهي تمارس نفوذها من خلال علاقات سرية بمرجعيات دينية أو شخصيات سياسية وليس عن طريق البرلمان، بحسب مجلة الايكونومست.
وهذا كله لا يخدم رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي في مساعيه لتشكيل حكومة جامعة جديدة وطنية بحق تكون ركناً اساسياً في التحالف العالمي الذي تحدث عنه اوباما. وتنتهي المدة المحددة دستوريا لتقديم العبادي حكومته الى البرلمان في 10 ايلول/سبتمبر.
وكان مصدر في مكتب رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي كشف، اليوم السبت، أن تشكيلة الحكومة المقبلة ستعرض على البرلمان خلال الساعات المقبلة، فيما بين أن بعض الكتل حاولت استغلال الوقت لفرض شروطها إلا أن العبادي لن يقبل بأي شروط غير دستورية.