“طائرة تابعة للخطوط الجوية الاماراتية، تقل نحو 100 أميركي، واستأجرتها قوات التحالف في أفغانستان، تحطّ بشكل مفاجئ في إيران”. خبرٌ استرعى الانتباه، ولكنه لم يدقّ ناقوس الخطر كما كان من المفترض أن يحصل.
الطائرة كانت تتجه من قاعدة باغرام الاميركية نحو دبي(1)، حين غيّرت مسارها وحطت في مطار بندر عباس الايراني. ولكن الغموض أطلّ برأسه من بوابة التفاصيل التي تضاربت حول ما إذا كانت القوات الجوية الايرانية هي التي أجبرت الطائرة على الهبوط في إيران، أم أنّ قبطان الطائرة اتخذ القرار من تلقاء نفسه بسبب “نقص الوقود للعودة الى افغانستان”.
لا شكّ أنّ في الامر ما يريب، فالمواقف الرسمية المتسارعة من قبل الادارة الاميركية (مصادر وزارة الخارجية، مسؤول في البيت الابيض…) كلها كانت تصبّ في خانة التهدئة وتلوم “البيروقراطية” على هذا الخطأ، وتقلل من شأن افتعال حادثة دبلوماسية كبيرة بسببها، مع التأكيد على عدم تدخل القوات الايرانية لإجبار الطائرة على الهبوط.
عدّة أمور تدفع إلى طرح أكثر من علامة استفهام: النقطة الأولى هي النبرة الأميركية الهادئة والعادية جداً للحديث عن هذه الحادثة في ظلّ عدم بدء خطوات عملية ملموسة لاعادة العلاقة بين ايران والولايات المتحدة إلى الحرارة التي كانت عليها قبل الثورة الاسلامية، رغم وضعها على النار من خلال لقاءات بشكل مباشر وغير مباشر حصلت سابقاً.
في المقابل، كان الايرانيون بدورهم يكتفون ببث الخبر على وسائل اعلامهم انما نقلاً عن وسائل الاعلام الاميركية، بشكل يوحي بأن الايرانيين لا يرغبون في التعليق على هذه الحادثة بعد. ولكن لا يمكنهم نفي الموضوع، لأنّ الامارات العربية المتحدة دخلت على الخط، وأكدت سفارتها في واشنطن حصول الحادثة ولو انها لم تعط تفاصيل اضافية.
النقطة الثانية تكمن في القدرة الفعلية على تصديق خبر حصول خطأ بيروقراطي، مكتبي أو إداري، أدّى إلى أن تحطّ طائرة مستأجرة من تحالف دول غربية في أفغانستان وعلى متنها نحو 100 اميركي في مطار ايراني!
لا شكّ أنّ هذه الحادثة لم تكن عفوية وتخفي وراءها سراً ما. ووفق مصادر اعلامية اجنبية متعددة، فإن الطائرة لم تُجبَر على الهبوط، ومن المرجح أنها كانت تحمل “حمولة” تهم الايرانيين أوصلها إليهم الاميركيون، ولكن الخبر تسرب بطريقة ما الى الاعلام، فاضطر الجميع الى التعامل معه بالطريقة التي حصلت.
وتضيف المصادر نفسها أنّ هذا النوع من التعاون ليس جديداً، خصوصاً حين يتعلق الامر بأفغانستان، حيث تستعمل الاجواء الايرانية من قبل قوات التحالف والأميركيين بشكل عادي، كما أنّ التنسيق قائم بقوة بين الجانبين حول الوضع في افغانستان.
قد لا ينكشف قريباً سر هبوط هذه الطائرة بشكل مفاجئ في ايران، ولكن الدلالة الاكيدة هي أنّ حقبة جديدة بدأت تكتب بين ايران والولايات المتحدة والغرب بشكل عام، وأنّ التنسيق بين واشنطن وطهران لن يقتصر على مسألة البرنامج النووي الايراني، بل سيشمل بلداناً اخرى أولها العراق، وما حديث المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية السيد علي خامئني حول موافقته على التنسيق مع اميركا لمواجهة “داعش”(2) سوى تأكيد حسي على هذه التطورات.
هل هي عملية سرية أم “محطّة تسليم” أم خطأ متعمّد؟ الايام كفيلة بكشف سر الطائرة الاماراتية المستأجرة، وحتى ذلك الحين، لن نفاجأ بالاخبار عن تقارب وجهات النظر بين ايران واميركا والغرب حول العديد من الامور.
(1) تبعد قاعدة باغرام في كابول عن مدينة بندر عباس الايرانية نحو 1500 كلم. علماً ان المسافة بين مطار دبي وكابول هي 1686 كلم، وتستغرق نحو ساعتين ونصف الساعة من التحليق دون توقف.
وكان يمكن للطائرة ان تحلق فوق باكستان اذا ما ارادت تفادي الدخول في الاجواء الايرانية.
(2) ذكرت وكالة بي.بي.سي ان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامئني اعلن يوم الجمعة 5/9/2014 الموافقة على القيام بحملة مشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية كجزء من محاربة تنظيم (داعش) في شمالي العراق. علماً ان الوكالة نفسها ذكرت ان خامئني كان اعلن يوم الخميس 4/9/2014 خلال لقائه اعضاء مجلس خبراء القيادة أن “لا مجال للشك في أن “القاعدة” و”داعش” هما صنيعة الغربيين لا سيما الاميركيين وحلفائهم في المنطقة”.
طوني خوري – النشرة