“ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”. كلمات من القرآن الكريم يقول ناشطون سعوديون إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسيتها لتتحول إلى جهاز يراقب الناس ويخشونه.
ولا يزال المجتمع السعودي يعيش على وقع مقتل شابين أواخر أيلول/سبتمبر العام الماضي، إثر مطاردة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما بالسيارة التي انحرفت عن طريقها لتسقط من أعلى جسر في إحدى طرقات الرياض. وسبب المطاردة استماع الشابين لموسيقى تعارض مبادئ وشرائع رجال الهيئة، ما دفعهم إلى الاشتباه بأن الشابين كانا في حالة سكر.
غير أن هذه الانتقادات لم تثن المطاوعة، وهو الاسم الشائع لرجال الهيئة في السعودية، عن الاستمرار في سلوكياتهم.
وقبل أيام، اعتدى أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مواطن بريطاني وزوجته السعودية، بسبب شكوك حول صلة القرابة بينهما.
المطاوعة.. هيئة تحاكم الناس على نواياهم
يقول ناشطون مدنيون في السعودية إن الاشتباه هو القاعدة التي ينطلق منها رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقويم سلوكيات أفراد لم يبدر بعد منهم ما يسيء للأخلاق أو الشريعة، كما يفسرها ويتصورها رجال الهيئة.
وتقول الناشطة الحقوقية نسيمة السادة لموقع قناة “الحرة” إن “المطاوعة ينظرون إلى الكل بنظرة الريبة والشك، والأصل لديهم هو الذنب ما لم يثبت العكس، وهو ما يفسر تعدياتهم المستمرة على الأفراد في الأسواق والمنتزهات وغيرها من الأماكن العامة”.
وفي هذا السياق، يوضح الناشط السعودي علي آل حطاب أن “الهيئة تتدخل في نوايا الناس لتطارد الشباب وتشكك في تواجد أي شخص في أماكن الاختلاط”، مضيفا أن الهيئة “التي تدعي أنها تعكس الثقافة والشرائع الإسلامية تسيء بسلوكيات أفرادها إلى الدين الإسلامي وسماحته وتعاطيه”. واستشهد آل حطاب بقول الرسول محمد، “إن الله يتعقب من يتعقب عورات الناس”.
ويقول مغردون وناشطون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتدخل في كل جوانب الحياة بالمملكة السعودية، إلى درجة جعلت المجتمع السعودي يجهل وظيفة هذه الهيئة الحقيقية وما يحق لها وما لا يحق لها أن تفعله.
وتتعقب الهيئة السعوديين في كل جزئيات حياتهم لتدفع بالإكراه من تخلف عن الصلاة إلى الذهاب إلى المسجد وتمنع إقامة أي حفل فني وتسأل كل من يرافق أنثى عن نوع العلاقة التي تجمعهما إلى ما غير ذلك.
وكان رئيس الهيئة عبد اللطيف آل الشيخ الذي اشتهر بفكره المعتدل قال إنه لن يقبل بإهانة أي مواطن، مشددا على أن من سيتعسف من أفراد الهيئة سيتم فصله فورا، وفق ما صرح لصحيفة “عكاظ”.
وأضاف آل الشيخ، الذي يتعرض لموجة هوجاء من المنتقدين لأسلوبه، إن “البعض يحاول جري نحو ممارسة التسلط على الناس والتضييق عليهم وهذا يتنافى مع ما أمر الله به ورسوله الكريم من إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنهج معتدل، وهي التي بها يتحقق للإنسان أمنه واطمئنانه”.
الهيئة والنساء
إذا كانت ممارسات الهيئة تطال الجنسين فكثيرا ما تنصب على المرأة لتقيد تحركاتها طوال الوقت في مجتمع يطغى عليه الطابع الذكوري، حسبما تقول الحقوقية نسيمة السادة.
فتجد رجال الهيئة حاضرين أينما تواجدت النساء ليطلبوا من هذه إصلاح غطاء الرأس أو تعديل عباءتها ومن الأخرى تغطية وجهها أو مغادرة مكان عام لأنها تضع طلاء أظافر يمكن أن يفتن الآخرين.
وكان قد انتشر منذ فترة فيديو صورته شابة سعودية لأحد رجال المطاوعة الذي طالبها بمغادرة مركز تجاري لأنها تضع طلاء أضافر.
لكن الأمر يتخذ منحى أخطر في بعض الأحيان. فقد قتلت عشرات التلميذات في حادثتي حريق مدرسة البنات في مكة ومدرسة براعم الوطن للبنات في جدة. وراجت اتهامات وشهادات عيان تقول إن الشرطة الدينية أعاقت مغادرة التلميذات وقت الحريق بحجة عدم ارتدائهن الحجاب، ومنعت دخول رجال الدفاع المدني لعدم الكشف عن الصغيرات، وذلك على اعتبار أن الاختلاط ممنوع في السعودية.
وتعليقا على الأمر، تقول نسيمة السادة إن رجال الهيئة يسيئون استخدام الصلاحيات المخولة لهم بدعوى المحافظة على العفة وصيانة المرأة إلى درجة تجعلهم يضعون حياتها في خطر.
وتضيف أن “المرأة امرأة في أعين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن تكون إنسانا”.
وانتشر على موقع التواصل الاجتماعي تويتر هاشتاغ ماهي_معاناتك_كامرأة_سعودية تطرقت من خلاله بعض السعوديات للمشاكل التي تواجهها مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ما سر صمود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
تقول الحقوقية نسيمة السادة إنه في الفترة الأخيرة ومع “تجاوزات الهيئة التي طالت الأرواح”، فقد “فتح مجال لنقد عملها وسلوكيات أفرادها وشرع السعوديون في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفضح الصورة الحقيقية لهذا الجهاز”.
وإذا كانت هذه الانتقادات دفعت بالهيئة إلى الاعتراف بحدوث تجاوزات وتنظيم دورات تأهيلية لفائدة عناصرها ومنع المطاردات، فلم تكن كافية لإجراء إصلاح جذري داخل الجهاز، حسبما ذكرت الناشطة الحقوقية.
وأضافت السادة أن الإبقاء على الهيئة يأتي إرضاء لفئة من المجتمع على حساب غالبية الناس.
ويشير الناشط علي آل حطاب من جهته إلى أن القداسة الدينية لهذا الجهاز تفسر تردد النظام في تحديد دوره أو إجراء صياغة جديدة لآليات عمله.
وشدد الحقوقي على ضرورة اتخاذ قرار شجاع لتقنين عمل الهيئة ودورها الذي أصبح يحتكر السلطة، ويجمع بين التشريع والتنفيذ وإنزال العقاب. واقترح آل حطاب أن يقتصر عمل الهيئة على الدور التوعوي والتخلي عن طريق الوصاية والأمر.
ورغم كل ما قيل لا تزال فئة من المجتمع السعودي متشبثة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى سنة 1940، ويدافعون عن الرقابة التي تقوم بها وعن تدخلها لتقويم ما يجب تقويمه داخل المجتمع السعودي.
وتحضر هذه الفئة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر لصد أي انتقاد يوجه للهيئة.
وفي هذا الإطار، قال مغرد ردا على مواطني بلده الغاضبين من الهيئة “المطاوعة تاج راسكم”.
واتهم آخر الليبراليين بوقوفهم وراء كل الانتقادات الموجهة للهيئة.
وقال آخر إنه ما من داع لكره المطاوعة إذا ما ارتكب أحدهم خطأ فكل واحد بالهيئة لا يمثل سوى نفسه لأن الهيئة ليست حزبا.
ملاحظة: حاولنا الحصول على تعليق رسمي من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن لم تلق محاولاتنا أي رد أو تتوصل لنتيجة.
حنان براي
قناة الحرة