هل كان طيارو دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر يعملون حقًا من دون موافقة واشنطن عندما قاموا بقصف ليبيا؟ إنه أمر مستبعد للغاية.
فالأمريكيون لديهم دافع واضح للكذب، حيث جاء في البيان المشترك الذي وقعته كل من واشنطن (وباريس وبرلين وروما ولندن، وهي الدول التي تدعم بقوة كلًا من الرئيس العسكري في مصر والملوك المستبدين لدولة الإمارات العربية المتحدة) أن “التدخل الخارجي في ليبيا سيؤدي إلى تفاقم الانقسامات الحالية ويقوض التحول الديمقراطي في ليبيا”.
كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جين بساكي، قد صرحت للصحافة فور إعلان خبر الضربات قائلة: “نحن نفهم أن هناك غارات جوية شنتها مصر والإمارات العربية المتحدة في الأيام الأخيرة”. ولكن الإدارة الأمريكية تراجعت بعد ذلك وصرحت نفس المتحدثة قائلة بأن المعلومات التي لديهم “غير دقيقة”، وأن تعليقاتها كانت تهدف إلى الإشارة إلى البلدان التي ورد أنها معنية بالأمر وليس الكلام حول ما إذا كانوا متورطين بالفعل وما هو نوع تورطهم في تلك الهجمات.
حتى إن وسائل إعلام بارزة، مثل نيويورك تايمز، والغارديان وهيئة الإذاعة البريطانية صدقوا أن الولايات المتحدة لم تكن تعلم عن الأمر. فأصدرت الغارديان عرض رسوم متحركة يشرح هذه الطلعة الجوية وكأنها مجرد نوبة غضب من دول الخليج المنزعجة من باراك أوباما وتنازلاته أمام إيران النووية.
وبغض النظر عن كون دولة الإمارات العربية المتحدة سعيدة بأن طرق التجارة التي سترفع عنها العقوبات عبر مضيق هرمز باتت جاهزة للاستغلال، أو أنّ الرياض قد استقبلت حديثًا مسؤولًا كبيرًا من طهران لمناقشة محاربة المتطرفين الإسلاميين في العراق.
وجاءت المفاجأة بالطبع من المصدر الأكثر موثوقية، وهو المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية الذي رفض ذكر اسمه، والذي أطلع صحيفة نيويورك تايمز على الرواية الرسمية للأحداث. وإن مصر تواصل إنكار دورها في تلك الضربات، بينما لا يزال الإماراتيون حتى الآن يرفضون الرد.
ولكن دعونا نتذكر، أن أمريكا وبن زايد هما صديقان حميمان للغاية. بحيث يصبح من المستبعد جدًّا أن تقوم الإمارات بضربة مثل تلك في منطقة حظر الطيران التي يحرسها حلف شمال الأطلسي. كما قالت مصادر مقربة من الحكومة بالرياض إنّهم كانوا على اتفاق تام حول الضربة مع الاثنين.
موافقة الرياض منطقية، نظرًا لأن الرياض، وأبو ظبي (وآل خليفة في البحرين) يخوضون معركة شدّ وجذب مع قطر بسبب دعمها للمتطرفين الإسلاميين، كما أنّه من المستبعد جدًّا أن يحدث شيء في مجلس التعاون الخليجي دون موافقة الرياض.
في العام الماضي، وافق الكونغرس الأمريكي على بيع ما يقدر بقيمة 5 مليار دولار من شركة لوكهيد مارتن إلى أبو ظبي، في شكل 25 بلوك من طائرات F-16 المقاتلة، بالإضافة إلى الذخائر، والتي شملت أيضًا القنابل “الخارقة للدروع”، بحيث وصلت الصفقة الإجمالية إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار.
ومن المعرف بأن الكونغرس يستشير البنتاغون في تلك الأمور، وربما يكون قد وضع ميزة استراتيجية واضحة لدعم تسليح دولتين في الشرق الأوسط تعملان بشراسة على مكافحة التطرف الإسلامي ولديهما علاقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. فالإمارات العربية المتحدة لديها أيضًا نظام دفاع صاروخيّ أمريكي الصنع، يضاهي “القبة الحديدية” في إسرائيل، والتي تمّ بيعها لهم من قبل شركات الدفاع الأمريكية.
وفي يناير الماضي، كشفتْ وسائل الإعلام بأبو ظبي عن علاقات أوثق حيث قالت إنّه من الممكن أن يتم تدريب قوات الإمارات العربية المتحدة لمكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة، وحماية البنية التحتية والدفاع الوطني على يد مشاة البحرية الامريكية. وأشارت التقارير إلى طلب مقدم إلى الكونغرس من وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية مقابل 150 مليون دولار.
ومن الجدير بالذكر، أنه خلال الصراع في أفغانستان، كانت القوات الخاصة لدولة الإمارات هي القوات العربية الوحيدة التي قامت بعمليات واسعة النطاق إلى جانب القوات الأمريكية. وفي ليبيا في عام 2011، خصصت دولة الإمارات العربية المتحدة طائرات مقاتلة لعشرات المهام القتالية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي. وفي الصومال في عام 1992، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة تحت القيادة المركزية الأمريكية “لتوفير بيئة آمنة وتوفير الإغاثة الإنسانية”. كما يشارك أفراد البحرية أيضًا في جهود مكافحة القرصنة الجارية في خليج عدن.
وخلال الصراع في البوسنة وكوسوفو، كانت دولة الإمارات من أوائل الدول غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي أعربت عن دعمها للعمليات الجوية لحلف الناتو، ثم شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في عمليات حفظ السلام. وفي حرب الخليج الأولى، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة حريصة مرة أخرى للتعبير عن دعمها لمعركة التحرير التي قادتها الولايات المتحدة للكويت.
كما اختيرت أبو ظبي أيضًا شريكًا لواشنطن في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والذي يضمّ شبكة من الدول التي تستعد لمحاربة التطرف الإسلامي والهجمات الإرهابية. وهي المبادرة التي أعلنت بعد مرور 10 سنوات على حادثة 9/11، والتي يعمل فيها الأمريكيون مع الاتحاد الأوروبي و 29 دولة أخرى، من بينها 11 دولة إسلامية، لتنسيق وتبادل الموارد لمحاربة التطرف الإسلامي. وهو بالضبط نفس نوع التطرف الإسلامي الذي أطلقت الغارات الأخيرة على ليبيا للتصدي له.
وأصبحت أبو ظبي مركز العمليات الفعلية للمنتدى، ومقرًّا للمركز العالمي للتميز في مكافحة التطرف العنيف. وعند افتتاحه، حضر كبار الشخصيات من وزارة الخارجية الأمريكية، وقال المتحدث الرئيس الممثل لواشنطن إنّه “قد تم اختيار أبو ظبي لأن الولايات المتحدة وأبو ظبي لديهما علاقة عمل جيدة جدًّا. فكلانا ندرك حجم ذلك الخطر على الناس في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يتطلب أن تتقدم إحدى الدول وتعلن رغبتها في لعب دور رئيس في هذا الأمر”.
ماذا عن مصر؟ والتي كانت تلوح بالتدخل في ليبيا لأسابيع، وتؤكد أن المتطرفين الإسلاميين قريبون جدًّا ويشكلون تهديدًا أكثر خطورة لمصر.
بالطبع، فإنّ السيسي لا يرغب في تهديد إمداداته من الغاز المسيل للدموع الأمريكي وغيرها من الذخائر أكثر فتكًا، في حال أدركَ المصريون أنهم خدعوا بالحكم العسكري وقرروا الانتفاض عليه. كما إنه لن يرغب في تعريض المليارات من المساعدات الأمريكية التي يحصل عليها، جنباً إلى جنب مع التمويل الخليجي، لمحاولة إصلاح اقتصاد ما بعد الثورة.
كما إن واشنطن غير مستعدّة للسماح بانحدار الانقلاب العسكري، فأفرجت عن نصف مليار دولار من المساعدات العسكرية لبضعة أشهر. لذا، أن يتخذ السيسي قرارًا بالخروج عن الخط، والعمل من وراء ظهر واشنطن، مؤكدًا استقلاله عنها (أو أية كليشيهات أخرى مشابهة ترددها بعض الوسائل الغربية) سيكون أمرًا غريبًا بعض الشيء.
أما بالنسبة لأمريكا، فالتوغل المباشر في ليبيا ربما كان أمرًا غير مفيد، خاصّة وأن الناس لا يزالون يتذكرون القتل المروع للسفير الأمريكي في بنغازي في عام 2012. ثم مَن الذي يريد خوض حرب على جبهتين في هذه الأيام؟
وربما كان البديل إذن، هو التواصل مع أصدقاء مسلّحين جيدًا في الخليج للقيام بهذا العمل القذر، ثم إنكار المعرفة أو المشاركة الأمريكية في الأمر. فأوباما في بعض الأحيان قد يبدو فاترًا وغير متأكدٍ من سياساته تجاه الشرق الأوسط، ولكنه بالتأكيد أذكى من جورج بوش.
جورج بوش كان من الغباء بما يكفي ليعلن حروبه، ولكن أوباما يفضّل لغة الطائرات بدون طيار و”الشركاء الإقليميين”. ولكن لنكن عادلين، فقد اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية بأنها علمت بأمر الضربات، ولكنهم قالوا إنها كانت فكرة سيئة.
ميدل إيست مونيتر