واحدة من المبادئ الأساسية التي أرساها الشيخ الراحل زايد بن نهيان، كانت الحفاظ على صورة بلاده الصغيرة والضعيفة كصديق لجميع العرب. وقد أصبح الاتحاد الذي كونه الشيخ من سبع مشيخات هجينًا غير عادي بحيث يجمع دبي الليبرالية إلى جانب الشارقة المحافظة تحت لواء واحد. كما أصبح هذا الهجين واحدًا من أقوى الاقتصادات في العالم العربي، فهو ثاني أكبر اقتصاد بعد المملكة العربية السعودية على الرغم من أن عدد سكانه يبلغ سدس عدد سكان المملكة، كما أنه يواصل التطور بسرعة فائقة.
ولكن ما أرساه زايد -الذي وافته المنية في عام 2004، تاركًا السلطة في يد ابنه الطموح- من شأنه أن يجعل من تورط بلاده في السياسة الثورية المتشابكة في ليبيا، على بعد عدة آلاف الكيلومترات إلى الغرب، أمرًا يستحق التأمل.
كان مسؤولون أمريكيون قد كشفوا هذا الاسبوع أن دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر قد تدخلتا في المستنقع الليبي وقامتا بشن عملية جوية مشتركة ضد الميليشيات الاسلامية الذين كانوا على وشك السيطرة على مطار طرابلس. لذا، فإن الأنباء التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة، والتي تبدو كواحدة من عدد قليل من الجزر التي يسودها الهدوء في المنطقة المضطربة، قد شاركت في عمليات عسكرية خارج حدودها هي واحدة من اللفتات الأكثر إثارة للذهول منذ انتفاضات الربيع العربي.
حيث يعد ذلك هو أحدث مظهر من مظاهر الانقسام الإقليمي بين معارضي ومؤيدي الإسلام السياسي. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تعتبران المساندين الرئيسين للانقلاب العسكري الذي وقع العام الماضي في مصر، والذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا. وفي الوقت نفسه، لا يزال الإسلاميون في جميع أنحاء العالم العربي قوة لا يستهان بها، كما أنهم يحظون بدعم من قطر وتركيا. ونتيجة لذلك، توترت العلاقات بين دول الخليج العربي بشكل غير مسبوق.
كما أثار الربيع العربي القلق بين القادة في الإمارات العربية المتحدة بسبب قوة الإسلاميين المرتبطين بالإخوان على الجبهة الداخلية. وكانت النتيجة هي قيام حكومة الإمارات بحملة كبيرة ضد الحريات، حيث تمت مقاضاة 130 من الإسلاميين بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة والتآمر للاستيلاء على السلطة، كما تم سحب الجنسية من بعض الإماراتيين، وزادت من الرقابة على وسائل الإعلام الاجتماعية، وأغلقت مراكز البحوث الأجنبية، وقامت بتمرير القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الذي تخشى جماعات حقوقية من أنه سيسمح بالمزيد من تضييق الخناق على المعارضة السلمية.
التدخل المصري الإماراتي في ليبيا، هو مثال آخر على الجرأة المكتشفة حديثًا لدول الخليج في العمل خارج إطار الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يمثل تغييرًا في السياسة الشرق أوسطية. فمنذ حصلت دول الخليج على استقلالها عن بريطانيا، سعى حكامها لبلورة صورة بلدانهم بأنها خالية من المتاعب، وغير مسيسة.
وعندما بدأ التوسع الإيراني في أعقاب غزو العراق في عام 2003 في تعكير صفو المياه الهادئة، دفع ذلك كلًا من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لزيادة النفقات العسكرية لردع الهجمات الإيرانية المحتملة في حالة حدوث عمل عسكري أميركي أو إسرائيلي.
وفي عصر الانتفاضات، ظهرت أغراض أخرى لتلك التجهيزات العسكرية التي حصلت عليها دول الخليج. حيث يجري الآن استخدامها لإخماد المعارضة الداخلية، كما هو الحال في البحرين أو المملكة العربية السعودية، أو لتحقيق مصالح الدول الإقليمية. فمع زيادة حدة التوترات مع جيرانها الخليجيين، أعلنت قطر في شهر مارس الماضي عن شراء صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 23 مليار دولار اشتملت على شحنة ضخمة من طائرات هليكوبتر الهجومية من طراز بوينج وإيرباص. لذا، فإن الغارة على طرابلس قد توحي للدوحة بأن مصر والإمارات العربية المتحدة مستعدتان حقًا للقصف.
الجهود لدفع قطر إلى العودة إلى الحظيرة لا تزال مستمرة بعد أن سحبت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين سفراءها من الدوحة في وقت سابق هذا العام، مع إنذار لقطر بضرورة قطع علاقاتها مع الإخوان المسلمين. فقد زار وفد سعودي رفيع المستوى، يتكون من وزير الخارجية سعود الفيصل، ووزير الداخلية محمد بن نايف ورئيس المخابرات خالد بن بندرن الدوحة هذا الأسبوع في محاولة أخيرة على ما يبدو لإقناع القطريين بتغيير طرقهم، ولكن بدون جدوى.
كانت ليبيا بالفعل نوعًا من استعراض العضلات لدول الخليج قبيل الضربات الجوية الأخيرة. ففي الاستجابة الأولية للانتفاضات العربية، شاركت قطر والإمارات العربية المتحدة مع حلف شمال الأطلسي في الحملة الجوية لدعم الثوار الليبيين الذين أسقطوا في نهاية المطاف نظام معمر القذافي في 2011. لكن مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت كانت محدودة، بينما واصلت قطر توفير التمويل والدعم الإعلامي للجماعات الإسلامية الليبية.
من جانبهم، أنكر المسؤولون الإماراتيون أي دور للإمارات في هجمات الأسبوع الماضي في طرابلس، وتمسكوا بإصرار بالقول بأن هذا البلد هو واحة للاستقرار وأنه لن يخاطر بإفساد الأمور من خلال التدخل في الشؤون الأجنبية. حيث كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في سلسلة من التغريدات، التي هاجمت أيضًا جماعة الإخوان المسلمين ووصفتهم بأنهم إرهابيون وسائل الإعلام القطرية فقال: “ستبقى دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا للدولة العربية التي نجحت في تطوير واغتنام المستقبل”.
وعلى الرغم من النفي، لا تزال أهداف الهجوم المفترض من الإمارات العربية المتحدة محل نقاش ساخن. حيث كتب المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله في تغريدة رد بها على السفير القطري السابق بأن التدخل كان خطوة لمنع ظهور دولة إسلامية أخرى، على حدود مصر.
يذكر أن تنظيم القاعدة لم يكن له أي نشاط في دولة الإمارات -أو بشكل أكثر تحديدًا- في دبي، المدينة التي تشتهر لديهم بأنها واجهة للفجور، مما يجعلها دائمًا هدفًا واضحًا. ولكن قدرة شيوخ الإمارات على الحفاظ على علاقات الصداقة مع القادة الإقليميين عبر الطيف السياسي (حتى إنهم قد اعترفوا بحكومة طالبان في أفغانستان) كانت سبيلًا لشراء شكل من أشكال الحماية.
ولكن التغيرات التي تعصف بالشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، أجبرت الإماراتيين لاتخاذ أحد الجانبين في صراع إقليمي كبير. فمن وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة وحلفائها المصريين والسعوديين، فإن قطر هي دولة مثيرة للمشاكل حيث إنها تمكن للجهات التي من شأنها أن تزعزع استقرار الأنظمة السياسية في تلك الدول، سواء عن طريق الانتخابات أو العنف. لذا، فإننا نجد حكام الخليج يكيلون الاتهامات المتبادلة في الصحافة ووسائل الإعلام الاجتماعية، والبيانات العامة لبعضهم البعض بالتدخل خارج الحدود الإقليمية، وهو ما يفاقم الانقسامات التي تؤرق الخليج حاليًا.
فورين بوليسي
التقرير