بيتان من الشعر القديم، قد يتذكّرهما مطالع كتاب “خريف هيكل” الصادر حديثا لمؤلّفه الصحافي عادل حمودة الذي عاش حينا من الدهر يسبّح بحمد أستاذه “فماذا حدث، وما سرّ انقلابه على هيكك؟
في البداية يقرر حمودة أن صداقة قوية جمعت بينه وبين هيكل امتدت أكثر من عشرين سنة، ويتساءل عن “الذي يدفعه الآن للاختلاف معه أو رؤية وجه آخر له؟ وما الذي جعله يراه بعيون أخرى غير الذي رآه بها من قبل؟ وما السر الذي حرّضه على التوقف طويلا عند تحولاته وانعطافاته وتغيراته؟
ويجيب حمودة: “يبدأ هيكل كتابه الجذاب والممتع “زيارة جديدة للتاريخ ” بإهداء شجعني على ما فعلت: “إلى هؤلاء الذين يملكون الجرأة على مراجعة المألوف والمعروف.. وأنفسهم”.
وتابع حمودة: “وتصورت أنني أمتلك الجرأة على مراجعة ما ألفت وعرفت عنه، بجانب مراجعة النفس، عملا بنصيحته المنشورة علنا”.
وأشار حمودة إلى أن نصيحة هيكل إلى صديقه بطرس غالي ( الكبير) أن لا يعيد ترشح نفسه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وذهابه لنشر النصيحة علنا، كانت من دواعي سير حمودة على خطى هيكل، فقرر أن تكون نصيحته لهيكل بنفس الوسيلة ” النشر علنا”.
لماذا الآن
وأضاف حمودة أنه لم يعبر عن اختلافه مع هيكل وهو محاصر في نظام يكرهه، ولا يجد منفذا للتعبير في صحيفة أو نافذة تلفزيونية، ولكن مؤخرا – حسب حمودة – تغير الوضع تماما، حيث أصبح هيكل مؤثرا على صحيفة يومية “الشروق” بشراكة أحد أبنائه فيها، وبنفس الكيفية أصبح مؤثرا على دار نشر كبرى تتحكم في غالبية مثقفي مصر، لو اختلف هيكل مع واحد منهم، لن تنشر له ما يكتب.
وأشار حمودة إلى أنه في وقت سابق كان من الصعب أن يجد هيكل صحيفة تدافع عنه، أما الآن فمن الصعب أن نجد صحيفة تختلف معه .
ويختتم حمودة مقدمته قائلا: “من العار أن يخشى كبار الناشرين الاقتراب من هذا الكتاب خوفا من نفوذ هيكل واللوبي المحيط به ، لكن الناشر الذي لا يؤمن بقدسية مهنته، عليه أن يتركها ليفتح “مقلة ” تبيع الفول السوداني للنسانيس قبل البشر”.
هيكل وعبد الناصر
تعرّ حمودة لعلاقة هيكل بعبد الناصر، وذهب إلى أنه لا يذكر عبد الناصر إلا ويذكر معه هيكل، ولا يذكر هيكل الا ويذكر معه عبد الناصر، فهما شريكان في تجربة مؤثرة، أحدهما بالجرأة في القرار، والآخر بالكلمة في التعبير.
ويضيف حمودة “لكن عبد الناصر احترق بتجربته وهيكل استفاد منها” مشيرا إلى أن هيكل تحدث بحيوية وشفافية عن مجموعة القيم التي آمن بها عبد الناصر، ولكننا – بحسب حمودة – لم نشعر أن هيكل تأثر بها، أو انحاز إليها.
وتابع حمودة: “إن هيكل في بيته الريفي ببرقاش عاش حياة مترفة وسط فقر مدقع يعبر عنه سكان المنطقة من حوله دون أن يعتبر ذلك جريمة لا تغتفر حسب اعترافه بنفسه.
وأشار حمودة إلى أن لمسة الترف الوحيدة في حياة عبد الناصر كانت صوت أم كلثوم وأفلام السينما، بينما لمسات الترف في حياة هيكل تمتد الى ما يتمتع به أغنى الأغنياء في العالم من رفاهية.. سماع توزيع جديد لاحدى سيمفونيات بتهوفن في أوبرا فيينا ، السفر وراء لوحو مجهولة لفنان شهير مثل فان جوخ أو بيكاسو يعرضها متحف في باريس أو استقطاع وقت من رحلته الصيفية إلى أوروبا لاكتشاف متعة الاقامة في فينسيا.
مديح السيسي
ولم ينس حمودة في كتابه عن هيكل، أن يتعرض للرئيس السيسي، فيقول عنه:
“وحسب رؤيتي للسيسي – وقد شاءت الظروف أن ألتقي به أكثر من مرة – فهو رجل متدين بسماحة الصوفيين.. ابن بلد.. تربى في الجمالية .. يمتلك موهبة تقييم الشخصيات، لا يتكلم في موضوع إلا بعد دراسته، يفيض في الشرح بأكثر من طريقه، يعرف كيف ينتقل من النقاش للحسم، ويؤمن بأن الله سوف ينصره في النهاية”!!
ويختتم حمودة كتابه بقوله: “إن مشكلة هيكل هي رغبته في الخلود، لا يريد أن يعترف بأن كل من مروا بالدنيا من ملوك وكهنة وحكام وجنرالات وصعاليك ومجانين اختفوا بنفخة واحدة من الزمن، وكأنهم مجرد ذرات تراب.. إن الخلود لله وحده”.
محمود القيعي