قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن كادرا من السياسيين ورجال الأعمال وقادة الميليشيات يأملون الاستفادة من الهجوم الذي قامت به مصر ودولة الإمارات العربية على مواقع للميليشيات الإسلامية وتحقيق انتصارات على منافسيهم في الساحة الليبية خاصة الإسلاميين.
وقالت المجلة الأمريكية في تقرير أعدته ماري فيتزجيرالد إن “ليبيا أصبحت في مركز الصراع الإقليمي على السلطة بين رعاة الإسلام السياسي ودعاة سحقه”، مشيرة إلى تصريحات مسؤولين أمريكيين هذا الأسبوع عن الغارات التي شنتها الطائرات الإماراتية من قواعد عسكرية مصرية ضد مقاتلين إسلاميين في العاصمة الليبية طرابلس لمنعهم من السيطرة على ميناء طرابلس الدولي.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعاون فيها المصريون مع الإماراتيين لضرب أهداف في داخل ليبيا، فقبل عدة أشهر قامت وحدات خاصة بالهجوم على معسكر للميليشيات شرق ليبيا.
وتشير المجلة إلى أن الصراع الإقليمي على النفوذ في ليبيا بدأ منذ عام 2011 الذي اندلعت فيه انتفاضة ضد نظام العقيد معمر القذافي، والتي دعمت فيها دولة قطر المقاتلين من أصحاب الميول الإسلامية فيما دعمت الإمارات القوى ذات التوجهات القبلية خاصة من تلك التي تنتمي لقبائل الزنتان غرب ليبيا.
وأخذت المنافسة بين قطر والإمارات بعدا جديدا بعد الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي، وهو تحرك رحبت به الإمارات بشكل كبير. وأدى الانقلاب على الإخوان والقمع الشديد لهم إلى دعم القوى المعارضة للإسلاميين في ليبيا وشعرت بالجرأة سواء كانوا من قادة الميليشيات أو السياسيين ورجال الأعمال والناشطين الذين عبروا عن أملهم بحدوث سيناريو في ليبيا مشابه لما حدث في مصر.
وفي المقابل بدأ الإسلاميون في ليبيا ينظرون لما حدث في مصر باعتباره مؤامرة إماراتية.
ففي نيسان/إبريل عبر الكثيرون عن دهشتهم عندما رفضت الإمارات السماح لعوض البرعصي، النائب السابق لرئيس الوزراء وعضو جماعة الإخوان المسلمين وحزبها ” العدالة والبناء” زيارة الإمارات، مع أن البرعصي عاش في دبي لعدد من السنوات حيث عمل نائبا لمدير سلطة الكهرباء والمياه فيها قبل وأثناء الثورة الليبية.
وزاد من قلق الإسلاميين هو صعود نجم الجنرال الآبق خليفة حفتر والذي أعلن الحرب عليهم في بداية العام الحالي وله صلات مع مصر. وتعززت قوته من خلال الغارات الجوية على طرابلس الأسبوع الماضي، وهو ما قوّى موقف الإسلاميين بوصفهم يواجهون ثورة مضادة على الطريقة المصرية تلقى دعما من القوى المعادية لهم في ليبيا.
وترى المجلة أن الغارات الجوية تشير إلى مرحلة جديدة من التدخل المصري – الإماراتي في ليبيا ولكنها فشلت بتحقيق أهداف القاهرة وأبو ظبي على المدى القصير. فقد استهدفت الغارات مواقع تحالف من الميليشيات الإسلامية جاءوا من مصراتة، وأخرون من غرب المدينة.
وقام هذا التحالف بشن هجوم المطار أثناء رمضان في محاولة للسيطرة عليه وإخراج مقاتلي الزنتان الذين تحالفوا مع القوى المعادية للإسلامية وقوات الجيش وحفتر. واضطروا للخروج من المطار يوم السبت رغم الهجمات الجوية.
وترى المجلة أن عناصر مهمة تدفع نحو استراتيجية التعاون المصري – الإماراتي وتضم شخصيات ليبية تعيش في أبو ظبي وتعارض بشدة دور الإسلاميين في الحياة السياسية المصرية.
محمود جبريل يكره الإسلاميين
واحد من هذه الشخصيات هو محمود جبريل، وزير التخطيط في عهد القذافي، ورئيس الحكومة أثناء الثورة، واضطر للخروج من الساحة بعد قرار العزل السياسي الذي منع من عملوا مع النظام السابق من تولي المناصب الحكومية. ولم يخف جبريل أبدا كراهيته للإسلاميين، وخاض معركة مع الباحث الليبي المقيم في الدوحة علي الصلابي. ويقضي جبريل الآن معظم وقته في الإمارات العربية المتحدة، ويقول دائما إن ليبيا سيطرت عليها قوى يصفها بالمتطرفة.
مليقطة وكتائب القعقاع
الشخصية الثانية عبد المجيد مليقطة أحد الرموز المهمة في التحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه جبريل والذي حصل على مقاعد عدة في المؤتمر الوطني الليبي في انتخابات عام 2012. وهو شقيق عثمان مليقطة، قائد كتائب القعقاع، وهي ميليشيا تابعة لقبائل الزنتان وشاركت في العمليات القتالية الأخيرة، ووفرت الحماية لجبريل وزملائه في تحالف القوى الوطنية، واستعرضت في شوارع طرابلس عربات نقل عسكرية مصنعة في الإمارات العربية المتحدة. وقامت الكتيبة بالهجوم واحتلال عدد من مؤسسات الدولة في الآونة الأخيرة مثل وزارة الداخلية ومقر قيادة الجيش.
وفي شباط/ فبراير تلا مليقطة وعدد من قادة الكتيبة عبر التلفاز بيانا هددوا فيه باستهداف اعضاء المؤتمر الوطني إن لم يتم حله في غضون ساعات. وأدى هذا إلى تدخل مبعوث الأمم المتحدة في طرابلس واتصل مع جبريل لنزع فتيل الأزمة.
وبعد بدء حفتر حملته في بنغازي أعلنت كتائب القعقاع دعمها له وهاجمت مقر النواب الليبيين مستخدمة قنابل مضادة للطائرات وهاون ومقذوفات صاروخية.
وبعد أيام من الهجوم قال جميل الهبيل الذي قاد العملية على المؤتمر الوطني وتفاخر هو وزملاءه بالمغامرة وهاجموا الإسلاميين الذين قالوا إنهم اخترقوا وزارات الحكومة، ولكنهم ردوا بحذر حول الدور الإماراتي “ما العيب في الحصول على مساعدة إماراتية؟ فالجانب الآخر يحصل على دعم من قطر” قال الهبيل.
سفير يحرض
ومن المقربين لجبريل، عارف علي النابض، الباحث المؤثر في الصوفية والذي يعمل الآن سفيرا لليبيا في الإمارات، ومثل جبريل فقد اختلف نابض مع الإسلاميين في عام 2011. ولديه طموحات لأن يصبح رئيسا. وفي حديثه مع الدبلوماسيين الغربيين وصف نابض الإخوان المسلمين بالفاشيين. وفي بداية العام الحالي انتقد مبادرة الحوار الوطني لليبيا والتي شملت قائد الحركة الإسلامية التونسية راشد الغنوشي قائلا إنه سيفيد جهة واحدة أي الإخوان المسلمين.
وبالإضافة للرموز العسكرية والسياسية لدى الإماراتيين والمصريين رجال أعمال ومنهم حسن تتناكي، وهو رجل أعمال ليبي ولديه مصالح في تجارة النفط، والذي عمل مع سيف الإسلام نجل القذافي قبل عام 2011 ويعتبر الشخص الأكثر تأثيرا في شبكة الرموز الداعمة لمصر والإمارات بسبب ثروته الكبيرة. ويملك قناة تلفزيونية “أولا” والتي تعرف بمواقفها المعادية للإسلاميين.
ويقدم نفسه على أنه “شريك” لحفتر. ويفاخر بأنه شخصية مكروهة من الإسلاميين. وقال “من الواضح أنني أريد أن أرى قرارا يحظر الإسلاميين كما في مصر لا نقاش في هذا”، وكان تتناكي يتحدث من مكتبه في الإمارات “ولا احب أن أرى أناسا يستخدمون الدين في اللعبة السياسية، والجواب هو منع كل شخص يستخدم الدين”.
ورغم أن الإسلاميين لم يحققوا نتائج جيدة في انتخابات البرلمان، إلا أن تتناكي يعتبرهم قوة مؤثرة في البلد “فلا يزالوا يسيطرون على ليبيا ولا يزال عندهم المال والسلاح، وهم في كل مكان فيما يتعلق بالتكنوقراط والبيروقراطية ولهذا فهم في موقع جيد” ويضيف أن “الشيء الذي لا يملكونه هو دعم الشعب”.
ويقول تتناكي إنه هو من اقترح نقل أعمال المؤتمر الوطني المنتخب أعضاؤه للعمل من طبرق في المنطقة التي يسيطر عليها حفتر.
ويقول إنه ساعد في تغطية تكاليف الانتقال في بداية شهر آب/أغسطس. وقاطع النواب الإسلاميون اجتماعات طبرق واتهموا نواب المجلس الذين حضروا الجلسات بتصعيد الأزمة والتي حذر سفير ليبيا هذا الأسبوع أنها قد تتطور لحرب أهلية واسعة.
ولا يوافق تتناكي على من يقول إن أزمة ليبيا نابعة من الخلافات والتنافسات الجهوية بين النخب القديمة التي ينتمي إليها والنخب الجديدة التي ظهرت بعد عام 2011. وبالنسبة إليه فالنزاع هو بسيط “فالحرب هي ضد المتطرفين الذين يحاولون السيطرة على ليبيا واتخاذها مركز انطلاق للتوسع في مناطق أخرى”.
وهذا هو ما يحضر في تغطيات تلفازه أولا. واكتشف تتناكي قوة الميديا “فهي تلعب دورا مهما لخدمتنا تماما مثل الدور الذي يلعبه الجيش”. ويقول “فوجئت بالدور الذي تلعبه الميديا، إنها مخيفة، يمكنك تغيير مواقف الناس من اليمين لليسار بلحظة”.
ويقول إنها تساعد، لأن سنوات حكم القذافي ودعايته جعلت الناس يدعمون الإسلاميين من كل الألوان “فقد اعتقد الليبيون أن الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية على أنهم من القاعدة أو داعش وهذا ما فعلته دعاية القذافي من غسل للأدمغة”، و”لم ينظروا للحركات الإسلامية كحركات اجتماعية أو سياسية، وهم ينظرون إليها كحركات إرهابية. وقد ساعد هذا في خدمة قضيتنا”.
وعلى ما يبدو فقد فرح تتناكي بالغارات الجوية الأخيرة على طرابلس، لكنه رفض التقارير التي تحدثت عن الدور المصري والإماراتي بدون أن يقدم رؤية بديلة قائلا “لعبة تكهنات”.
وترى المجلة أن تزايد الدور المصري والإماراتي يعني أن شخصيات مثل تتناكي ستجد دورها يتزايد ضد منافسيهم، ولكن عليهم الانتصار أولا في الحرب ضد الإسلاميين.
ولم تحقق الغارات الهدف الذي يريده تتناكي وغيره، ويقول إنه تحدث بعد الغارات بفترة قصيرة مع أحد قادة الزنتان الذي اخبره أن الحرب “لن نتوقف، ولم نخسر الحرب ولكننا خسرنا معركة واحدة” وعلى ما يبدو فمعسكر تتناكي يحضر لحرب طويلة.