نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” مقالا لمراسل الشؤون الأجنبية ديفيد بلير، كشف فيه العلاقات التي ربطت بشار الأسد بعدوه اللدود “تنظيم الدولة” قائلا: “إن الأسد يحاول إجبار الغرب على الاختيار بينه وبين التنظيم”.
ويقول في بداية مقالته: “إنه لا يمكن أن تجد اختلافا بين عدوين كتلك التي بين الأسد و”تنظيم الدولة”، فالأسد حاكم علماني ينتمي للطائفة العلوية، و”تنظيم الدولة” مكون من متطرفين سنة يسعون لإقامة حكم إسلامي، والمنطق يقول أن كل من الأسد والتنظيم حريص على تدمير الآخر” ثم يستدرك قائلا: “إن المنطق يعمل بطريقة غريبة في الشرق الأوسط، فبينما يشن الآسد حربا لا رحمة فيها للتمسك بالسلطة، فإن الأدلة توحي بأن الأسد تعاون بسرية مع عدوه المفترض بل وساعد على بروزهم”.
ويضيف قائلا: “إن الهدف من هذه الاستراتيجية المنحرفة بسيط وهو أن الأسد أراد أن يجبر شعبه والغرب على الاختيار المر: إما أن تبقى السلطة بيده وإما أن تسقط سوريا بأيدي التنظيم، حيث يتصور الأسد أنه في المحصلة سيفضله معظم السوريون والغرب على الأصوليين”.
ولكن خطته ستعمل فقط إن أصبح “تنظيم الدولة” هي أقوى فصائل الثورة ويبدو أن الأسد بذل جهده كله لتحقيق ذلك.
فحتى عام 2012 كان “تنظيم الدولة” حركة هامشية محدودة بمنطقة جغرافية صغيرة في العراق، فقام الأسد بإطلاق سراح بعض أخطر السجناء الجهاديين من سجن سدنايا بالقرب من دمشق، وإذا كان يأمل من فعل ذلك بانضمامهم إلى “تنظيم الدولة” لتقوية قيادتها فإن ذلك حصل. فهناك عدد من الشخصيات المهمة في الحركة يعتقد بأنهم سجناء سابقون في السجون السورية أطلق النظام سراحهم بعناية.
ومع دخول عام 2013 تمكن “تنظيم الدولة” من احتلال حقول النفط في شرق سوريا، ولكن للاستفادة من هذه الموارد لا بد من عملاء يشترون النفظ، فتقدم نظام الأسد واشترى النفط من داعش مساعدا الحركة على تمويل نفسها بحسب حكومات شرق أوسطية وأوربية.
وبعد أن أمد الأسد “تنظيم الدولة” بقيادات موهوبة بإعفائه عن المساجين، ومولها بشراء النفط منها، اختار أن يركز حملاته ضد الثوار غير الإسلاميين، حيث دك كل بلدة أو حي يقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر من الأرض ومن الجو. وقد استخدم السلاح الكيماوي قبل عام لمهاجمة معاقل الثورة في دمشق.
ولكن “تنظيم الدولة” تمتع بدرجة غريبة من الحصانة من هذه الهجمات، فحتى الأسابيع القليلة الماضية لم تهتم الطائرات السورية لضرب مدينة الرقة والتي هي بمثابة عاصمة “تنظيم الدولة” غير الرسمية.
ويقول كريس دويل مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني: “كان النظام سعيدا بصعود نجم “تنظيم الدولة”حيث ساعد ذلك في تعزيز روايته بأنه يواجه عدوا على نمط القاعدة مما يبرر استخدام أي مقدار من القوة.. وهناك أدلة متزايدة على أنه شجع مثل هذه الحركة”.
وهناك إشارات إلى أن “تنظيم الدولة” ردت الجميل للأسد، فبدلا من محاربته حاربت الثوار غير الإسلاميين، وعندما وصلت قوة داعش العسكرية ذروتها أوائل العام لم تتقدم نحو دمشق وتحاول الإطاحة بالنظام بل اختارت احتلال شمال العراق مما أجج الأزمة الحالية.
ومثل كثير من دكتاتوريي الشرق الأوسط يأمل الأسد أن يقبله الغرب على أنه الحصن الوحيد المتوفر في وجه المتعصبين الذين ساعدهم وحماهم. أي أنه يريد لعب دور مشعل النار ومطفئ الحريق في آن واحد والسؤال هو: هل ينجح في تمرير خدعته هذه؟.