«حيدرالعبادي» هو الاسم الذي أعلنت في توافق نادر كل من طهران والرياض الترحيب به كرئيس وزراء جديد للعراق بعد التطورات السريعة التي أعقبت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على عدة مناطق شمال العراق، وإعلانه للخلافة على المناطق التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا.
ولطالما اعتبرت السعودية رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي» رجلا طائفيا وأن حكومته مرتهنة لطهران كما اتهمته بتمويل الإرهاب في سوريا والبحرين، وعملت السعودية على الإطاحة بنظام المالكي واعتبرته منفذا للأجندة الايرانية في المنطقة، فيما سعت ايران في الجهة المقابلة على دعمه بشتى الوسائل المختلفة .
بالنسبة لإيران فإن «حيدر العبادي» هو من نفس حزب االدعوة الذي ينتمي له «المالكي» وبالتالي فإن التغيير بالنسبة لها هو في الوجوه، أما السعودية التي لطالما رفضت التعامل معه كحزب طائفي فها هي تقبل التعامل معه فور ذهاب «المالكي» وكأن المسألة كانت مسألة شخصية.
في ذات السياق فإن إيران التي يعاني حليفها «بشار الأسد» والتي كانت تتفاخر إلى وقت قريب بنجاحات حليفها «المالكي» في العراق تفاجأت هي الأخرى بالتقدم السريع الذي حققه تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، لذا وافقت إيران على تخلي شكلي عن «المالكي» في سبيل استمرار سياستها عبر «العبادي» المتوافق عليه أمريكيا وسعوديا.
السعودية التي قالت وتقول منذ سنوات أن منافسها هو التمدد الإيراني في المنطقة فقد قبلت بالعبادي كوريث للمالكي في ظل خوضها لصراعات متعددة في اليمن ومصر ووسط خلافها الخليجي مع قطر ومعاداة الرياض لجماعة الإخوان المسلمين. ولا يمكننا أن نغفل أيضا التقارب الأمريكي الإيراني مؤخرا، إذا فالمآزق السعودية هي ما قادتها للترحيب بالعبادي، أو ربما توصيات أمريكية بأنه رجل الاستقرار!
السعودية تقول أن المالكي الذي عارض سياسات السعودية وأفشل جهودها في الإطاحة بنظام الأسد على حد وصفها هو من كان عقدة الحل وأن برحيله تكون الأمور قد عادت لمجاريها، غير أن هذا القول من السذاجة بمكان بحيث لا يمكن أن يتصور، ويقف أمامه الرأي القائل بأن المملكة لها نوايا مخبأة في إمكانية تفوق القوى السنية بعد هذه الترتيبات وهذا القول أيضا ليس له ضمانات حيث أن السعودية هنا قبلت بالعبادي القادم من حزب الدعوة المدعوم إيرانيا والذي لم يقم بشئ إزاء المجزرة التي ارتكبتها مليشيات شيعية في ديالى قبل أيام والتي يقال أن المالكي ما زال متحكما فيها.
لطالما عرفت جهات محددة في المنطقة كأحجارعلى رقعة شطرنج بين لاعبين هما السعودية وإيران. من هذه المناطق لبنان وسوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية وربما تدخل مصر أيضا لتوسع مساحة هذه الرقعة ويتنافس كل طرف لتحقيق مصالحه قدر الإمكان وثمة من يقول أن التوافق الأخير في العراق يأتي ضمن صفقة نابعة من شعور الطرفين بعدم إمكانية أي تقدم أمام تعثر المسارات إلا بتوافق على التضحية ببعض الأحجار مقابل استمرار التنافس ويخفي كل طرف تحت عبائته مصالحه الأكبر.
بزعمي أن التوافق الحاصل بين طهران والرياض هو توافق مؤقت وهو نتاج لأخطائهما المتراكمة وسياساتهما غير الحكيمة في ملفات المنطقة، وأن ألغام التنافر الطائفي التي زرعها الطرفان كفيلة بتفجير كل نقاط الالتقاء والزمن كفيل بذلك. قد نشهد زيارات وتنسيق قريب بينهما وربما على أعلى مستوى لكن هذا لن يدوم طويلا فالعوامل الأيديولوجية والثقافية والتاريخية والجغرافية ومصالح اقتصادية تقف كعوائق دون حدوث هذا التوافق.
أنس محمود، الخليج الجديد