تعديلات دستورية تمنح الملك التحكم في تعيين قيادات الجيش وإقالتهم، رفض للمعارضة الإسلامية، وترحيب وموافقة لأنصار المملكة، صلاحيات واسعة أثارت الجدل، هذا هو حال المملكة الأردنية في الآونة الأخيرة بعدما أقر برلمانها تعديلات دستورية مكنت ملكها عبدالله الثاني تعيين وإقالة قادة الجيش.
فلماذا أصر الملك على تمرير بعض التعديلات الدستورية؟ ولماذا اختار هذا التوقيت؟ وهل تحكمه في تعيين وإقالة قادة الجيش يرجع إلى تخوفه من الانقلابات العسكرية؟ وهل تلك التعديلات نتيجة لإملاءات خارجية؟ وهل هناك أسباب لدى القصر جعلته يسارع في التعديلات؟ أسئلة كثيرة تبدو استنكارية، لكنها تحمل في طياتها الكثير من التوقعات والتكهنات.
التعديلات الدستورية التي تم الموافقة عليها جاءت بعد ثلاثة أعوام من إجراء تعديل واسع على الدستور على وقع الربيع العربي، وشمل هذا التعديل 42 مادة، لكنه لم يمس صلاحيات الملك في تعيين الحكومات وإقالتها، وحل البرلمان في عام 2011.
“التحكم في الجيش”
وأقر مجلس النواب الأردني تعديلات دستورية تمنح الملك عبدالله الثاني صلاحيات جديدة، تتعلق بتعيين وإقالة قادة الجيش والمخابرات.
ومرت التعديلات الدستورية بعدما صوت لصالحها 118 نائبا من أصل 129 حضروا الجلسة، بينما امتنع عن التصويت ثلاثة نواب، ورفض ثمانية التعديلات، وتغيب عن الجلسة 21 نائبا، حيث يبلغ عدد أعضاء المجلس 150 نائبا.
وشهدت الجلسة قبيل التصويت جدلا واسعا بين غالبية أعلنت تأييد منح الملك هذه الصلاحيات الدستورية الجديدة، وأقلية دفعت بقوة لعدم إقرارها.
“إنجاز إصلاحي”
ووصف رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة إقرار التعديلات بصيغتها الحالية بأنها “إنجاز إصلاحي”، مضيفا أن تلك التعديلات تأتي في سياق الرؤية الملكية الجادة نحو اعتماد حكومات منتخبة، لكن هذه الحكومات يجب ألا تخضع المؤسسات السيادية لتجاذباتها وأجنداتها السياسية، ويجب أن يتم تحييد هذه المؤسسات وإبقاؤها في عهدة الملك”.
وقال النائب عبد الهادي المجالي: “إن الأردنيين لن يسمحوا للأحزاب بالتدخل في الأجهزة الأمنية والجيش”، في إشارة لأي حكومة برلمانية قادمة قد تخضع لسيطرة كيانات وقوى سياسية، معتبرا أن ارتباط القادة الأمنيين والعسكريين بالملك “يمثل عامل استقرار في ظل الاضطرابات التي يشهدها الإقليم”.
“انقلاب على الدستور”
بينما قال النائب علي السنيد، في تصريحات صحفية، قبيل التصويت من المفترض أن يبقى الملك خارج إطار المسئولية، والتعديلات الحالية تدفعه أن يكون مساءلا أمام الشعب، كما أنها تخل بطبيعة النظام السياسي للبلاد”، مضيفا على البرلمان أن يرد التعديلات حفاظا على الدستور في بيت الدستور.
واتفق معه النائب بسام المناصير الذي قال: يساورني قلق على وطني ونظامه السياسي، وعلى مسيرة الإصلاح التي نادى بها الملك في كل خطاباته السابقة وأوراقه التي طرحها للنقاش، مضيفا أننا وبدون شك نقف أمام قرارات صعبة، ولا شك أيضا أن ثمة رغبة عليا لإنجاز التعديلات بصيغتها الحالية، وبالتالي ينبغي إبعاد الملك عن هذه التعديلات.
فقهاء القانون الدستوري قالوا إن التعديلات المقرة: “عبثا وانقلابا على الدستور، فحينما يمارس الملك سلطاته بشكل مباشر فإن ذلك يتطلب إخضاعه للمساءلة بشكل مباشر أيضا، وهو ما يخالف أحكام الدستور التي تنص على أن رأس الدولة معفى من كل تبعة ومسئولية”، معتبرا أن التعديلات بشكلها النهائي تعتبر “تراجعا كبيرا عن الإصلاح، ونسفا تاما لمبادئ راسخة بالدستور”.
“تخوف من العسكري”
ومن الناحية العسكرية قال اللواء عبدالحميد عمران، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن التعديلات الدستورية التي أقرها ملك الأردن عبدالله الثاني تأتي في إطار تحصينه لمكانته خوفا من الانقلابات العسكرية التي قد تطاله، مضيفا أن هذه التعديلات تعد الثانية في 3 أعوام بعد ثورات الربيع العربي.
وأوضح الخبير العسكري في تصريحات لـ”مصر العربية” أن الحكام العرب، ومنهم ملك الأردن يحاولون التمسك بالسلطة والحكم عن طريق شرعنة القوانين التي يصنعونها، قائلا إن تخوف عبدالله الثاني من الانقلاب وغضب القبائل الأردنية وعدم سيطرته عليها جعله يقدم على تلك التعديلات.
وتابع عمران أن الملك حسين سيطر على القبائل الأردنية أثناء حكمه، فاستطاع السيطرة على زمام الحكم، على خلاف عبدالله الذي فشل في هذا الأمر، وبالتالي فالتجارب العربية السابقة تهدد الحكام الحاليين، وتخوفهم من الانقلابات العسكرية.
“شبه رئاسي”
ومن الناحية القانونية قال الدكتور عادل عامر، الخبير القانوني، إن الأنظمة السياسية للرؤساء العرب تجعلهم يقبلون على تعديلات دستورية متتالية، مضيفا أن النظام الأردني شبه رئاسي ملكي، فالملك يدير الدولة بالتوافق مع البرلمان ورئيس الحكومة.
وأوضح الخبير القانوني في تصريحات لـ”مصر العربية” أن التعديلات التي أجراها العاهل الأردني لتحسين الحكم في المملكة، وبالتالي، فمادامت التعديلات تدعم النظم الديمقراطية فهي مقبولة، لكنها إن كانت للتحصين الأمني والعسكري فسيتم رفضها.
وتابع عامر بأن التعديل الدستوري الأردني جاء بموافقة الأغلبية البرلمانية، وبالتالي هناك توافق شعبي على منح الملك سلطات أوسع تمكنه من قيادة المملكة.
“أغلبية البرلمان”
يذكر أن البرلمان الأردني أقر بالأغلبية على تعديلات دستورية تعطي العاهل الأردني صلاحيات تعيين وإقالة قائد الجيش ومدير المخابرات وإنشاء هيئة مستقلة تدير الانتخابات.
وكان المجلس صوت بالموافقة على مجمل القانون بواقع 118 صوتا وامتنع ثلاثة نواب وخالف القانون ثمانية نواب”، والموافقة على جميع التعديلات الدستورية التي وردت في مشروع تعديل الدستور وجاءت الموافقة النيابية بعد أن صوت المجلس على التعديلات الدستورية مادة مادة وبندا بندا، وبالمناداة على كل نائب بأسمائه، وذلك وفق ما ينص النظام الداخلي للمجلس النواب”.
وينص مشروع تعديل الدستور الأردني لسنة 2014 على المادة (1) أن تنشأ بقانون هيئة مستقلة تدير الانتخابات النيابية والبلدية وأي انتخابات عامة وفقا لأحكام القانون ولمجلس الوزراء تكليف الهيئة المستقلة بإدارة أي انتخابات أخرى أو الإشراف عليها بناء على طلب الجهة المخولة قانونا بإجراء تلك الانتخابات، إضافة إلى تعديل المادة (2) بأن تنحصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته، ويبين بقانون نظام الجيش والمخابرات والشرطة والدرك وما لمنتسبيها من الحقوق والواجبات والبند الثالث من المادة الثانية، “على الرغم مما ورد في المادة (40) من الدستور يعين الملك قائد الجيش ومدير المخابرات ويقيلهما ويقبل استقالتهما”.