في 13 آب/ أغسطس، تبرّعت المملكة العربية السعودية 100 مليون دولار لـ “مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب” في نيويورك. وتعكس هذه الهبة قلق الرياض من التهديد الإرهابي السني المتأتي عن وجود المتشددين داخل المملكة وعلى حدودها الشمالية والجنوبية. ولمواجهة هذا التهديد، توسّع الحكومة جهودها للحد من الدعم الشعبي للمتشددين السنة داخل البلاد وخارجها.
سجل مختلط
كان سجل الرياض في مكافحة الإرهاب متفاوتاً منذ قيام خمسة عشر سعودياً وأربعة عناصر أخرى من تنظيم «القاعدة» باختطاف طائرات واستعمالها لشن هجوم في الولايات المتحدة عام 2001. وبدءاً من 2003 وحتى 2006، أدت سلسلة من الهجمات المريعة لـ تنظيم «القاعدة» إلى مقتل المئات داخل المملكة، مما دفع بالحكومة إلى بذل المزيد من الجهود لملاحقة الإرهابيين في داخل البلاد ومنع المزيد من المؤامرات الداخلية.
كما اتخذت الرياض تدابير هامة للحد من تمويل الإرهاب في الخارج، وتضييق الخناق على الخطابات المحرّضة للقادة الدينيين، والقبض على المتشددين وإعادة تأهيلهم. ومع ذلك، فمع مرور السنين تذمّرت واشنطن – لسبب وجيه – من أن بعض هذه المساعي الأخيرة كانت مقيدة جداً بسبب المصالح السياسية للمملكة وقدراتها على مكافحة الإرهاب.
حملة موسعة
في وقت سابق من هذا العام، أطلقت الرياض حملة بارزة لثني المواطنين عن دعم المنظمات الإرهابية والجماعات الأخرى التي لا تحبّذها الحكومة. ويُذكر أن قانوناً جديداً أصدره الملك عبد الله في شباط/فبراير الذي يجرّم مختلف أشكال الدعم لجماعات معينة، يشكّل العمود الفقري لهذه الحملة. وفي آذار/مارس نُشرت لائحة بأسماء هذه الجماعات، بما فيها اثنين من المنظمات الجهادية – هما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»] (الذي بدأ منذ ذلك الحين يسمّي نفسه بـ «الدولة الإسلامية») و «جبهة النصرة» التي هي الذراع السوري لـ «تنظيم القاعدة». وتُعزى هذه الحملة جزئياً إلى اتهام السعودية بأنها كانت تغض الطرف عن مواطنيها الذين ينضمون إلى الحرب في سوريا. كما قد تكون مرتبطة بكشف الرياض لمؤامرات إرهابية ضد المملكة كان يخطط لها سعوديون في الداخل بالتواطؤ مع عناصر سعوديين من «داعش» في الخارج.
وقد استمرت الحملة في تكثيف جهودها مع تحقيق «الدولة الإسلامية» لمكاسب إقليمية كبيرة في البلدان التي تقع شمالي السعودية وتهدد المملكة نفسها. ومنذ ذلك الحين، تم العمل بصرامة أكبر على إحباط الدعم المالي والأيديولوجي للإرهاب. فخلال شهر رمضان وحده، الذي انتهى في 28 تموز/يوليو، أعلنت الرياض أنها تجري تحقيقات حول سبعة عشر من رجال الدين الذين لم يستنكروا في خطبهم الهجوم الذي شنه تنظيم «القاعدة» في 4 تموز/يوليو في جنوب البلاد. كما حذرت من التصدق عبر أدوات التواصل الاجتماعي لأن التبرعات قد تقع في أيدي الإرهابيين، وأعلنت أحكاماً بالسجن على أربعة مواطنين سعوديين خططوا للانضمام إلى القتال في العراق.
إلى جانب ذلك، أعلنت الحكومة عن تغييرات مؤسساتية جديدة هذا الصيف. ففي تموز/يوليو، أبلّغ رئيس “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” المثيرة للجدل الموظفين أن القضاء على الأفكار المتطرفة ومواجهة أولئك الذين يروّجون للمبادئ الإرهابية بات الآن من بين مهامهم الرئيسية. إذ قال: “لم تعد مهمتكم تقتصر على مراقبة المتاجر التي تفتح أبوابها في أوقات الصلاة أو توجيه التعليمات للنساء حول الالتزام باللباس المتواضع”. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت وزارة الداخلية أن هذه المرحلة ستتطلب تحريات أمنية جديدة حول الأئمة، ومن المفترض أن يشمل ذلك تحريات حولهم لمعرفة ما إذا كانوا يدعمون الأيديولوجية المتطرفة. وفي الوقت نفسه، أعلنت “هيئة كبار العلماء”، وهي أعلى هيئة دينية في المملكة، أنها بصدد إنشاء منصة تفاعلية يقوم القادة الدينيون من خلالها بإشراك المواطنين في مكافحة الخطاب الإرهابي الذي يهدف إلى جذب الشباب إلى القتال في الخارج. وقد جاء هذا الإعلان بعد أيام من إصدار العاهل السعودي الملك عبد الله خطاب تأنيب علني نادر للهيئة لعدم بذلها الجهود الكافية لمكافحة التطرف.
وفي إطار إكمال هذه المبادرات المحددة، كان التركيز الكبير على مخاطر دعم الإرهابيين، وذلك في الخطابات الأخيرة التي ألقاها الملك والزعماء الدينيين، وأعمدة الرأي في الصحف الخاضعة للحكومة، والبرامج التلفزيونية على القنوات التي تدعمها الدولة. وفي الآونة الأخيرة، تم تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله «الدولة الإسلامية» على وجه التحديد.
مشاكل أمنية
يبدو أن العديد من هذه التغييرات السياسة قد نتجت عن مخاوف جديدة حول العواقب الأمنية لدعم المواطن للجماعات الإرهابية في الخارج وعن الأمن الحدودي الأساسي. وفي أيار/مايو، أعلنت الرياض أنها كشفت مؤامرات إرهابية لاغتيال مسؤولين حكوميين ومهاجمة المصالح الوطنية والأجنبية في البلاد. وقد تم اعتقال اثنين وستين مشتبهاً بهم، جميعهم مواطنون سعوديون تقريباً. ووفقاً لوزارة الداخلية، كان قد تم تشجيع البعض منهم من قبل عناصر «داعش» من السعوديين في سوريا لتنفيذ الاغتيالات. ويُعتقد أن آخرين من المشتبه بهم يدعمون ذراع تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» الذي مقره في اليمن من خلال جمع التبرعات والخدمات اللوجستية. واعتباراً من أيار/مايو، أعلنت الرياض أنها ما زالت تبحث عن أربعة وأربعين من المشتبه بتورّطهم في المؤامرات.
ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان تجربة المملكة المروّعة مع الإرهاب الداخلي في منتصف العقد الأول من الألفية الحالية، عندما أدخل السعوديون – الذين انضموا إلى تنظيم «القاعدة» في أفغانستان – الجهاد إلى المملكة بعد هروبهم من الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في تلك البلاد. وفي الآونة الأخيرة، انضم السعوديون بأعداد كبيرة إلى تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة»، إذ يُعتقد أن المئات منهم قد توافدوا إلى كل جماعة، وربما انضم أكثر من ألف سعودي إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وحده.
إن سيطرة «داعش» بسرعة البرق على أجزاء من العراق في حزيران/ يونيو، إلى جانب مكاسب التنظيم في سوريا قد زادت من حدة التهديد. وفي حزيران/ يونيو، عززت الرياض الأمن على طول حدودها مع العراق، في حين أظهرت «الدولة الإسلامية» تصميمها على اختراق حدود دول أخرى عندما استولت على بلدة حدودية لبنانية في وقت سابق من هذا الشهر.
وفي الوقت نفسه، جنوباً، هاجمت ستة عناصر من تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» (جميعهم مواطنون سعوديون) حاجزاً من الجانب اليمني من الحدود – وذلك في 4 تموز/يوليو، مما أسفر عن مقتل عدد من ضباط الأمن السعوديين وضابط يمني واحد. وقد شق ارهابيان طريقهما عبر الحدود وفجرا نفسيهما داخل مبنى حكومي سعودي على بعد عشرات الأميال شمالاً. وشكّل ذلك أول توغل لـ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» إلى داخل المملكة منذ محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف آل سعود عام 2009، عندما كان مساعد وزير الداخلية في ذلك الحين.
وقد ساءت الأمور مع اكتشاف الرياض أن بعض المشتبه بهم الذين اعتقلوا في أيار/مايو، ومعظم المهاجمين في تموز/يوليو، هم من خريجي برنامج مرموق لإعادة تأهيل الإرهابيين في البلاد. وقد أفادت وزارة الداخلية الشهر الماضي في تقاريرها أن 10 في المئة من المشاركين في البرنامج يعودون إلى التطرف. وفي عام 2010، لاحظت المملكة أن العدد بلغ 20 في المئة من المعتقلين السابقين في خليج غوانتانامو الذين شاركوا في البرنامج. وقد تكون التقديرات لغير السعوديين أعلى من ذلك، لكن حتى أعداد المملكة مرتفعة نظراً لأن الآلاف قد دخلوا إلى المركز الإصلاحي.
الدعم الشعبي؟
تشعر الرياض بالقلق إزاء انتشار الدعم الشعبي لـ تنظيم «داعش». فقد أشار استطلاع للرأي غير رسمي صدر على مواقع الشبكات الاجتماعية وأُجري مؤخراً إلى أن السعوديين يعتقدون بشكل ملحوظ أن «الدولة الإسلامية» “تتوافق مع قيم الإسلام والشريعة الإسلامية”. ورداً على ذلك، تخطط الحكومة لدراسة آراء المواطنين حول “الخلافة” التي أعلنتها «داعش» في العراق وسوريا في حزيران/يونيو. ولا بد من الإشارة إلى ندرة استطلاعات الرأي حول المواضيع السياسية في المملكة، إلا أن استطلاعاً أُجري عام 2009 أظهر أن 20 في المئة عبّروا عن رأي “إيجابي نوعاً ما” أو “إيجابي” تجاه تنظيم «القاعدة».
التداعيات على السياسة الأمريكية
يتوجب على واشنطن التعاون مع المملكة العربية السعودية على تنفيذ مبادراتها الأخيرة بغية تقليص دعم الإرهاب بحيث يكون لتدابير الرياض الحد الأقصى من التأثير في الخارج، وخاصة في العراق وسوريا. ويتطلب هذا الأمر مضاعفة تبادل المعلومات الاستخباراتية وصقل أي تنسيق للعمليات الاستخباراتية وغيرها من الأنشطة ضد «الدولة الإسلامية» وجماعات مماثلة بغية دحر المكاسب التي حققها الإرهابيون وإحباط الأجندة الإرهابية في هذه البلدان. ويؤثر التحدي الإرهابي في العراق وسوريا بشكل كبير على المصالح الأمريكية في الخارج والداخل، وعلى هذا الصعيد تتمتع السعودية بنفوذ خاص في هذين البلدين من خلال الروابط القبلية وغيرها. ولهذا النفوذ أهمية كبيرة لا سيما في الوقت الذي يخاف الكثير من السنّة من المشاركة في عملية مكافحة «داعش».
وفي الوقت نفسه، يتعيّن على واشنطن أيضاً استمرار الأخذ في عين الاعتبار إخفاق الرياض في التمييز ما بين التشدد والتعبير السياسي السلمي في تعريفها للإرهاب، وإلى نفورها من الأجندة الديمقراطية في البلدان المجاورة. كما يتعين على المسؤولين الأمريكيين ضمان عدم توظيف القدرات الاستخباراتية المدعومة ضد النشطاء السياسيين الذين ينبذون أعمال العنف، بمن فيهم أولئك الذين يدعون إلى الإصلاح السياسي الذي تدعمه واشنطن.
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.