تحظى السياسات الخارجية للدول الفاعلة في المنطقة تجاه القضايا الحساسة والكبيرة باهتمام واسع من المتابعين المتخصصين ومن الشعوب بشكل عام، حيث لم يعد سريا في العالم الذي نعيشه اليوم الحكم على مواقف الدول واصطفافاتها.
وتهتم الدول والجماعات والأحزاب بنوعين من الدول تلك التي تدعم استقرارها والأخرى التي تحاول زعزعته، وكل هذا يدخل في سياق سعي الدول لتحقيق مصالحها وفق ما ترتأيه أو وفق أجندات وحسابات معينة تكون قد أدخلت نفسها في إطارها بغض النظر عن نتائج ذلك على المدى البعيد.
ويعتقد أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية تعد مثالا يصلح للتدريس والتعلم كمثال لدولة تسعى لزعزعة الاستقرار في المنطقة بدون أي مبررات وتفسيرات منطقية؛ إذ أن العقل والمنطق يشير إلى ضرورة اتخاذ قرارات واعتماد سلوكيات تدعم الاستقرار وتتحدث باسم المصالح العامة لإقليم المشرق العربي على نحو خاص.
للتأكيد على ما سبق بأمثلة واقعية نجد مثلا في مصر أن السياسة الخارجية الإماراتية تتحمل أعباء تكاليف الانقلاب العسكري في مصر بل وأنها تقوم بمساندته على جميع الصعد السياسية والتقيميية والتخطيطية والمعلوماتية.
وبالرغم من أن جميع المؤشرات ترى أن كل المساعادت المالية التي تقدم للانقلاب في مصر لن تستطيع تغطية احتياجات دولة بحجم مصر إلا أن الإمارات وبعض الدول ما زالت تصر على موقفها وتحاول جر الآخرين أيضا إلى هذا المربع.
ومصداقا لما سبق فقد أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، قد وافق علي أن يقدم استشارات للرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» للإصلاحات الاقتصادية، كجزء من برنامج تموله الإمارات العربية المتحدة التي وعدت بتقديم فرص استثمارات هائلة لمصر.
وفي ليبيا التي تعيش حاليا وضعا سياسيا وأمنيا متدهورا تشير أصابع الاتهام إلى أبوظبي بتقديم الدعم العسكري والسياسي للواء خليفة حفتر الذي يقود الانقلاب في ليبيا، وتتعزز هذه الشكوك والاتهامات في ظل وجود أحمد قذاف الدم ابن عم الرئيس الليبي الراحل في أبو ظبي وهو الذي يقوم بعملية التنسيق مع حفتر.
وعلى الصعيد الخليجي قامت بالتنسيق مع السعودية والبحرين، بسحب سفراءهم من الدوحة. وهي الخطوة التي واجهتها قطر بموقف مسؤول اعتمد التهدئة وترك المجال للوساطة الخليجية الأكثر عقلا ممثلة في الكويت وسلطنة عمان.
وحتى مع تركيا نجد أن شركات إماراتية انسحبت من مشاريع في تركيا بقرار سياسي، حيث تزامن ذلك مع الحديث عن تورط للإمارات في الأزمة التي سميت بأزمة الدولة الموازية قبيل الانتخابات المحلية التركية في مارس الماضي.
وفي ذات السياق نجد أن هناك عواصم غربية كلندن مثلا عرفت باستقبال المعارضين السياسييين الذين قمعتهم أنظمة الحكم في بلادهم غير أن دولة الإمارات وعلى النقيض تماما جعلت من أراضيها موئلا وملاذا للخاسرين وللهاربين والمتآمرين على قضايا شعوبهم بدون وجه حق في خطوة تزيد من نفور الشارع العربي والإسلامي، حيث استضافت الفريق المصري أحمد شفيق والعقيد الفلسطيني الهارب من حركة فتح قبل حماس محمد دحلان.
الأمر الذي لم يكن متوقعا هو الضرب بعرض الحائط كل ستائر الحياء من الشارع العربي فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل وعدوانها على قطاع غزة. حيث لم ينف مسئولون إماراتيون ما نشرته القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي من أن اتصالات سرية جرت في الآونة الأخيرة بين دولة الإمارات و(إسرائيل)، وكشفت عن تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمع وزيري الخارجية من الطرفين، في العاصمة الفرنسية باريس، عشية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبينت القناة أن اجتماعا سريا جمع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ونظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لبحث خطط خاصة من أجل القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بتمويل من الإمارات، وأن لقاء أمنيا آخر عقد في أبوظبي بحضور دحلان لنفس الغرض.
حاليا تتمتع الإمارات بسمعة سيئة في أوساط الشعوب العربية تقوم على أن أبوظبي صاحبة دور تخريبي معارض لإرادة شعوب المنطقة وداعم للانقلابيين والأنظمة الديكتاتورية التي ثارت عليها شعوب عربية. وتأتي هذه السياسة الإماراتية بشكل يزعزع الاستقرار في منطقة ينصب كل طموحها في الوصول إلى الاستقرار وتخطي الأزمات.
ويعتقد أن التوجه الذي يقود السياسة الإماراتية هو العداء البالغ لجماعة الإخوان المسلمين وكل ما ينبعث منه رائحة الاسلام السياسي وتقود أبو ظبي معركة صفرية في كل ساحات الصراع بين القوى الثورية والقوى المضادة لزعزة الاستقرار حتى لو كلف هذا الصراع التحالف مع الشيطان نفسه أو وكلائه وهو ما يبدو أن قد حصل!
أنس محمود
الخليج الجديد