“اصحى يا ماما .. يا ماما .. اصحي بالله عليكي”، كلمات قالها طفل ذو 11 ربيعا، أبكت الملايين ممن شاهدوها في مصر والعالم، بعد مقتل والدته يوم فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، بالقاهرة، حيث كان يعتصم مؤيدو الرئيس المعزول محمد مرسي.
الطفل “رمضان إبراهيم” والذي لم يعد يتذكر سوى تلك المشاهد التي رأى فيها أمه فى المستشفى الميداني في رابعة وحولها جمع من الناس، لا يقدر على تفريقهم من أمام الجسد الملقى على الأرض، وفارقته الروح، قال لجدته عشيه الذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة العدوية ” بكرة (الجمعة) ميعاد موت ماما”.
ومع فض اعتصام رابعة يوم 14 أغسطس العام الماضي، انتشر مقطع فيديو مصور لطفل يبكي بشدة، ويضع يديه على وجه، وكأنه يخفى وجهه من حقيقة يتعرف عليها للمرة الأولى وهي “الموت”، ولاسيما موت والدته.
المشهد الذى أبكى المصريين وغيرهم، ممن شاهدوا مقطع الفيديو، وعددهم بالملايين بحسب أرقام تلك المشاهدات، تحول مع ساعات الفض إلى أيقونة تشبه أيقونة مقتل خالد سعيد على يد قوات شرطية، الشاب الذي ساهمت وفاته في إشعال ثورة الـ25 يناير/ كانون الثاني عام 2011، وتشبه وفاة الحسيني أبو ضيف الصحفى الذى لقى حتفه يوم أحداث قصر الاتحادية يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول 2012، وكذلك أسماء البلتاجي، نجلة القيادي بجماعة الإخوان، في أحداث فض رابعة يوم 14 أغسطس/ آب، الجاري 2013.
يقول رمضان، الذي يعيش مع جدته في محافظة بني سويف (وسط) بعيداً عن ضجيج الحياة بالقاهرة، لمراسلة الأناضول في أول حديث لوسائل الإعلام، منذ أحداث الفض إنه “مؤمن أنه سيلتقي بأمه (هبه) في مكان أفضل بعد أن يحقق لها ما كانت تحلم به”، ثم يصمت قليلاً ليتحدث بلغة طفولية “بحفظ (أحفظ) قرآن وبروح (أذهب إلى) المدرسة وهي أكيد مبسوطة (سعيدة)”.
ورغم أن رمضان قضى عاما بعيدا عن منطقة رابعة، والعاصمة القاهرة كلها، إلا أنه ظل باكيا في الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام، بحسب جدته، التي قالت إنه تنتابه من حين لآخر “نوبات بكاء وعويل” تشبه تلك التي التقطت له أثناء وفاة والدته بالمستشفى الميداني في رابعة.
وما لبث أن تحول الأمر، بعد ذلك بحسب حديث الجدة للأناضول، إلى سيل من الأسئلة بشأن أمه، أين ذهبت ؟ ولماذا ؟ وهل ستعود يوما ؟ هل أغضبها لأنه لا يسمع كلامها في أحيان .. لذا قررت الرحيل ؟ هل إذا ما سمع الكلام ونجح في صفه الخامس الابتدائي سوف تعود ؟ أم أنها فارقت للأبد؟.
وتقول الجدة، المتوجسة هي وحفيدها من الحديث مع وسائل الإعلام، : منذ وفاة هبه (والدة رمضان) كانت أسئلته كثيرة .. كلما يتذكرها يسأل .. لكن ربنا بيصبرنا … وصبرنا”.
وتبكي الجدة وهي تتابع حديثها “زي النهاردة (مثل اليوم) ماتت هبه، ولدى غيرها 3 بنات وولدين، كانت بارة بي وعملها كان في دار مسنين، وليس وحدي من فقدها لكن كل من نعرفهم سواء في الدار أو حتى صديقاتها”.
تروى الجدة أن تفاصيل الحياة مع حفيدها خلال الست شهور الأخيرة، قبل الذكرى الأولى لفض رابعة، قائلة “في البداية كان منشغلا بالأي باد (كمبيوتر لوحي) أحضرته إحدى صديقات المرحومة هبه، كان يبحث عن كل شىء ويرغب في القراءة أكثر عن رابعة، وهل ذكروا اسم أمه الشهيدة أم لا، وبعد ذلك تركه وبدأ يعاود الذهاب للمسجد”.
يقول رمضان، الذي آثر الصمت، إلا بكلمات قليلة، في حديثه مع مراسلة الأناضول “أنا كويس (حسن) .. الحمد لله .. بروح الجامع .. مبقتش زعلان (لم أعد حزينا) هي (يقصد أمه) في مكان أحسن من هنا”.
كلمات الصغير قليلة كما تقول جدته، التي تحمد الله أنها دفنت ابنتها في محافظة بني سويف، والتي تقول عنها إنها “لم تكن من الإخوان المسلمين، فقط أرادت الذهاب مع صديقاتها للميدان .. ولا نعرف لماذا قتلوها .. حتى أننا لا نعرف إذا ما كانوا كتبوها ضمن الشهداء أو لا “.
ليرد رمضان، الذي زار قبر والدته اليوم، “ماما شهيدة عند ربنا”.
وفي 14 أغسطس من العام الماضي فضت قوات من الجيش والشرطة بالقوة اعتصامين لأنصار مرسي في ميداني “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” بالقاهرة الكبرى؛ ما أسفر عن سقوط 632 قتيلا منهم 8 شرطيين بحسب “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في مصر (حكومي)، في الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) أن أعداد القتلى قد تصل إلى ألف