يمرّ بجانب مقهى ‘ستاربكس’ ويبعد نظره متأففا. يتجنّب النظر الى الجالسين فيه. يتابع سيره كي يبتعد بسرعة عن هذا المقهى الذي يتربّع في وسط شارع ‘الحمرا’، باسطا طاولاته وكراسيه على الرصيف. يوسف (23 سنة) هو شاب يساري، يعتبر أن الدخول الى أي فرع من فروع ‘ستاربكس’ يشكّل نوعا من التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ويؤّكد لموقعنا ‘أخبار للنشر’ أنه لم يدخله، ولن يدخله أبدا.
لا شك بأن هذا الشاب (والكثيرين غيره) صادقون أشدّ الصدق في الإلتزام بقضيّتهم، ويعتبرون بالتالي أن مقاطعتهم هي أقلّ واجب يقدّمونه لفلسطين المحتلة.
وبدوره، يعتبر وائل (26 سنة) أن كل ‘خمسمئة ليرة يصرفها داخل هذا المقهى، توازي رصاصة تُرمى على غزة’.
أما لورا (24 سنة) فتروي حادثة طريفة حصلت معها حين دخلت الى ستاربكس متنكرة، حيث غطّت رأسها بشال ووضعت نظارات شمسية كبيرة كي لا يراها أحد ويتهمها بأنها ‘تطبّع’. وتوضح أنها اضطرت لفعل ذلك تحت اصرار صديقتها التي أوهمتها بأنها أصيبت بوعكة صحية في الداخل، كي تجبرها على الدخول ضمن ‘مقلب’ حضّره لها أصدقاؤها لما يعرفون عن ميولها اليسارية وتشدّدها في موضوع مقاطعة كل ما يمكن أن يدعم العدو الصهيوني. لكن لورا تؤكد وهي تضحك :’دخلت ولكني لم أشترِ شيئا وبالتالي لم أقدّم لهم ولو حتى ليرة واحدة’.
وحين سئلت غادة (19 سنة) ان كانت ترتاد المقهى، ردّت بحدّة : ‘بالطبع لا! لأنهم يدعمون اسرائيل، فمؤسس هذه الشركة هو من أبرز الداعمين’، وتشير الى أنها قرأت ذلك في صحف عدة، ولو لم يكن الأمر صحيحا، لكانت الشركة نفت الموضوع، حسب قولها. غادة المناصرة للحزب الشيوعي، تضيف قائلة :’نحنا مش طالع بإيدنا نحارب اسرائيل إلا من خلال المقاطعة’.
وفي هذا السياق، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة قصاصة صحيفة تحت عنوان ‘فنجان قهوة في مقهى ستاربكس يعادل فنجان دم فلسطيني ولبناني’. هذا الموضوع ليس جديدا، اذ لطالما انتشرت صور وقصاصات مماثلة، لاسيّما مع اندلاع عدوان اسرائيلي على أي بلد عربي، هذا الإجرام الصهيوني الذي بلغ ذروته في العدوان على قطاع غزّة، الذي أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
واذا نظرنا اليوم الى ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل، قد نظنّ أنها ربما مجرّد حملة مضادة كسائر الحملات المناهضة للاجرام الاسرائيلي بطريقة سلمية، ولكن اذا أمعنّا النظر قليلا في حيثيات وتفاصيل هذا الخبر قد تتبيّن لنا بعد البحث والتدقيق، حقائق كنّا نجهلها عن هذا المقهى لاسيّما عن شعاره وعن رئيسه التنفيذي. وهنا نلفت الى أن هذا الموضوع لا يهدف الى الدعوة الى مقاطعة المقهى، بل الى التقصّي عن حقيقة الموضوع وعن آراء وأسباب مقاطعة البعض له، الى جانب وجهة النظر الأخرى طبعا.
مفاجآت تلو الأخرى صُدمنا بها أثناء البحث عن معلومات تتعلّق بالرئيس التنفيذي لسلسلة مقاهي Starbucks ‘ستاربكس’، هوارد شولتز، أوّلها أنه من عائلة يهودية ألمانية، وهو من اليهود المتعصّبين جدا لاسرائيل، ومن أكثر الداعمين ماديا لها، اذ تُقدَّر تبرعاته بآلاف الملايين من الدولارات للجيش الاسرائيلي. وعلى الرغم من نفي شولتز لهذه الأخبار في تصريح له يوم السبت الفائت، عبر موقع العلامة التجارية الشهيرة، قائلا: ‘لا نقدّم أي دعم مالي لاسرائيل وجيشها، وغير ذلك اشاعات مغرضة’، الّا أن التقارير المنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية سابقا، تضرب عرض الحائط تصريح شولتز الأخير. واستطرادا، جاء هذا النفي بعد حملة مقاطعة كبيرة عبر تطبيق ‘بايكوت’ الذي يسمح بحشد الناشطين حول قضية ما، في حين بلغ عدد المشاركين فيها أكثر من 240 ألف الشهر الماضي، مما دفع أيضا بالمتحدث باسم الشركة الى وصف هذه المعلومات بـ’الادعاءات’، وقال: ‘هناك شائعات متنامية عن ستاربكس في الشرق الأوسط’.
تقارير عدّة تحدّثت عن ‘شولتز الصهيوني’ الذي حصل في العام 1998 على جائزة الذكرى الخمسين لاسرائيل من صندوق القدس من منظمة Aish HaTorah(المموّلة للجيش الاسرائيلي والداعمة لموقع الدعاية السياسية الصهيوني honestreporting.com)، The Israel 50th Anniversary Friend of Zion Tribute Award، للعبه دورا رئيسيا في تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل. الى جانب ذلك، موّلت سلسلة مقاهي ‘ستاربكس’ حملة ‘Bowl for Israel’، من تنظيم Elie Haller، التي جمعت حوالي 50000$ تم توزيعها على عائلات ‘ضحايا الارهاب’ الاسرائيلية – كما أسمتهم – في العام 2002.
ولشعار المقهى أيضا تأويلات. فالى جانب مذاق القهوة الشهي على مختلف أنواعها، الّا أن الشعار البارز على كل كوب، يعكس قصة ملكة هي الملكة ‘استير’، ‘حامية اليهود’.
وفي سياق البحث أيضا، كان لموقعنا ‘أخبار للنشر’ حديث مع أحد أعضاء حملة مقاطعة داعمي ‘اسرائيل’ الدكتور سماح ادريس، الذي أطلعنا على معلومات صادمة، لم تكن الّا قلّة على علم بها.
فأوضح ادريس أن ‘الحملة في المبدأ لا تقاطع المقهى على اساس أن مديرها التنفيذي يهودي ولا حتى بسبب آرائه الشخصية، لكن همّنا الأساسي كان وجود استثمارات ودعم لدولة اسرائيل’، معتبرا أن ‘المشكلة في وطننا العربي هي في ندرة الناشطين الذين يتابعون تطور واقع الشركات ودعمها للكيان الغاصب، وحقيقة الموضوع تتلخّص بأن المقهى كان له فروع ستّة في تل أبيب، ولكن ومع قيام حملة قوية جدا في عدد من المناطق اللبنانية ودول الوطن العربي، أقفلت الفروع في العام 2003’. مضيفا : ‘وعلى الرغم من أن الشركة أعلنت أن الاقفال جاء لأسباب عملانية، الّا أن السبب الحقيقي كان حملة المقاطعة العربية والاعتصامات العديدة التي نُظمت ضدّ دعم المقهى للكيان الصهيوني’، واستغرب التركيز على ستاربكس في حين ان هناك شركات كثيرة اخرى داعمة لـ’اسرائيل’، ولها فروع في الوطن العربي، ولم تتمّ مقاطعتها بهذا الشكل.
هذا وأكد أن ‘كلّ ما يقال عن الدعم المالي المقدّم من ستاربكس للجيش الاسرائيلي هو كاذب، وأن الرسالة التي صيغت باسمه في العام 2006 مفبركة، وقد نفتها الشركة جملة وتفصيلا’، مشيرا الى أن ‘المعلومة الوحيدة الصحيحة هي تصريح شولتز في العام 2002 في خطاب ألقاه في كنيس في مدينة سياتل في الولايات المتحدة الأميركية أعلن فيه تقديم الدعم الكامل لاسرائيل لوقف ‘الارهاب الفلسطيني’، في حين سارعت الشركة الى التأكيد على ان تصريح شولتز لا يلزمها بل يعبّر عن رأيه الشخصي’. وأضاف أن ‘الخطر الآن هو في ما يمكن ان يأتي لا في ما مضى، فالشركة قد توقّع عقدا مع شركة صوداستريم الاسرائيلية ‘.
كما لفت الى أن ‘الحملة لها صفحة على الانترنت، وقريبا جدا سيكون لها موقع الكتروني ينقل كل أخبارها ونشاطاتها’.
اذا على المقاطعة أن تكون مترافقة مع متابعة دائمة ومستمرة، فمن المؤكّد أن ‘ستاربكس’ ليس الداعم الوحيد لاسرائيل.
سيدة وهبة