ملخص: يرى الكاتب راشد الهاجري في تحليل نشرته «المونيتور»، أنه بالرغم من تسارع جهود الوساطة الكويتية والعمانية لرأب الصدع بين السعودية وقطر، وهو ما آتى ثماره في زيارة الأمير متعب الأخير للدوحة؛ إلا أن أبوظبي مازالت تصعِّد ضدّ الدوحة من خلال شبكات الإعلام المحليّ أو المدعوم من الحكومة. وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية الأخيرة إلا أن أبوظبي تقود “فريق التأزيم”، في محاولات حثيثة لإحباط أيّ مساعٍ للمصالحة الخليجيّة. والتحق بالفريق أخيراً وزير خارجية البحرين، رافعاً منسوب الأزمة إلى مراحل متقدّمة.
ليس من المستغرب استقبال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في السعوديّة بحفاوة ملكيّة بارزة، تعبّر في جانب منها عن بداية النهاية للأزمة الخليجيّة-الخليجيّة. وفي غالب الأحيان، فإنّ توقيت هذه الزيارة، حتّى وإن لم يقال في الأخبارالرسميّة عن تفاصيلها سوى “بحث آفاق التعاون بين البلدين”، وهي الجملة الرسميّة المستخدمة لكلّ اللقاءات التي تجمع بين الوفود الرسميّة، جاء بعد زيارة الوفد العمانيّ للرياض، الذي يقود هو الآخر جهود وساطة لإنهاء أزمة قطر- السعوديّة، يبدو أنّها الأكثر تأثيراً في الجانبين القطريّ والسعوديّ.
في خضمّ المناخ السياسيّ المضطرب للخليج العربيّ والتناقضات والغموض المسيطر على تصريحات المسؤولين في الدول الستّة، فإنّ الأزمة تأخذ منحنيات الصعود والهبوط في شكل مستمرّ،على الرغم من جهود المصالحة التي يقودها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، والتي توّجت أخيراً بزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للكويت، وهي الزيارة التي ينظر إليها على أنّها الخطوة ما قبل الأخيرة لتنفيذ المصالحة الخليجيّة.
بعد أزمة سحب سفراء الدول الثلاثة (الإمارات العربيّة المتّحدة، السعوديّة والبحرين) من الدوحة، اعتبرت قطر أنّ ذلك “لاعلاقة له بمصالح شعوب الخليج”. فإنّ قطر، إضافة إلى البحرين والسعوديّة هي الدولة الثالثة التي تبارك إعلان العاهل السعوديّ، الانتقال من حالة التعاون إلى الاتّحاد بين دول الخليج العربيّ. إضافة إلى أنّها، أي الدوحة، لم تبادر إلى المعاملة بالمثل على اعتبار أنّها سحابة صيف ليس أكثر.
وعلى أيّ حال، يبدو أنّ الجانب القطريّ يبدي ارتياحاً لنتائج زيارة الأمير تميم إلى الكويت، ويلاحظ ذلك من خلال التغطيات الإعلاميّة للزيارة، والتي شملت وسائل الإعلام القطريّة.
وفي قراءة دقيقة لما جرى في الأيّام الأخيرة، خصوصاً بعد تهنئة العاهل السعوديّ لأمير قطر بمناسبة مرور عام على تولّي الأخير مقاليد الحكم، فقد تناغمت تصريحات الخارجيّة القطريّة مع نظيرتها في المنامة إثر تعرّض الأخيرة لعمليّات وصفت بـ”العنف والإرهاب” ذات علاقة بالشأن الداخليّ البحرينيّ.
على الرغم من الخطوات الإضافية لتحسين العلاقات مع السعودية، لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة في الطليعة لافشال المصالحة الخليجية.
في حين كان إعلام العاصمة الإماراتيّة “أبوظبي” يغرّد في ناحية التصعيد المستمرّ ضدّ الدوحة من خلال شبكات الإعلام المحليّ أو المدعوم من الحكومة. ولعلّ آخر محاولات أبوظبي لقطع الطريق أمام تنفيذ المصالحة الخليجيّة – الخليجيّة، هو قيام السلطات الإماراتيّة باعتقال مواطنين قطريّين على الحدود البريّة التابعة لإمارة أبوظبي في 8 تمّوز/يوليو 2014.
بات من الواضح، ومن خلال المؤشّرات المتعدّدة أنّ أبوظبي لا تكتفي بالمناكفة السياسيّة التي بلغت مداها مع الدوحة، بل تحاول عرقلة المصالحة الخليجيّة – الخليجيّة. لذا، يفسّر بعض المراقبين في قطر اعتقال المواطنين القطريّين أخيراً أنّه يصبّ في هذاالاتّجاه، وكأنّه تذكير أو إيحاء للسعوديّة والبحرين بأنّ الخلافات مازالت مستمرّة، وأنّ أسبابها مازالت قائمة.
وتقود أبوظبي فريق التأزيم، في محاولات حثيثة لإحباط أيّ مساعٍ للمصالحة الخليجيّة. والتحق بالفريق أخيراً وزير خارجية البحرين، رافعاً منسوب الأزمة إلى مراحل متقدّمة.
وهذا يوضح مدى جديّة الجهود الكويتيّة لاحتواء الأزمة، حيث لو لم تكن هناك تطوّرات سياسيّة في سبيل الحلّ،لما كان لوزير الخارجيّة البحرينيّ، أن يرفع عقيرته، مثيراً ما بات تحت الرماد، في محاولة لإعادة إنتاج الأزمة والتذكير بالنقاط الخلافيّة. وكتوصيف موضوعيّ، يعتبر ذلك في العرف الخليجيّ أنّه من قبيل المجاملة السياسيّة من البحرين لأبوظبي.
وتبقى نقطة الخلاف بين دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة متمثلة بجماعة الإخوان المسلمين.
ظلّت قطر تؤكّد على لسان وزير خارجيّتها، أنّها “تدعم قضايا الشعوب العربيّة من أجل التحرّر والديمقراطيّة، وأنّ موقفها الداعم لثورات الربيع العربيّ، نابع من انحيازها لقضايا الشعوب وليس لمصالح تنظيمات”. لكنّ حكومة أبوظبي ظلّت تتعامى عن هذه الحقيقة، بالعزف على وتر دعم قطر للإخوان المسلمين، تمهيداً لوصمها بدعم الإرهاب. وهو اتّهام يتنافى مع تاريخ قطر الداعم لقضايا السلم والديمقراطيّة.
وقد أوضح وزير الخارجيّة القطريّ خالد العطيّة موقف قطر في تصريح بليغ في آذار/مارس الماضي،مؤكّداً أنّ”المبدأ الأساسيّ للسياسة الخارجيّة لدولة قطر،هوالتزامها دعم حقّ الشعوب في تقريرالمصير،ودعمها التطلّعات نحوإحقاق العدالة والحريّة”. وأضاف: “ينبغي على المرء،فيهذاالسياق،أن يفهم دعم قطرللديمقراطيّات الناشئة التي أعقبت الربيع العربيّ”.
ولعل تداعيات الأحداث الأخيرة في العراق، وما يحدث من حراك مجتمعيّ في الكويت، إضافة إلى تطوّرات المشهد الأمنيّ من ناحية جنوب المملكة العربيّة السعوديّة، سوف ينكّس – بحسب اعتقادي الشخصيّ- الخلاف الهامشيّ والهشّ الذي تقوده أبوظبي بخطوات حثيثة. وأيّ مراقب سياسيّ للمشهد العامّ للعلاقات الخليجيّة – الخليجيّة، يلاحظ مدى تفاهة هذا الخلاف الهامشيّ، مقارنة بالتحدّيات الكبرى التي تواجهها السعوديّة والبحرين.
ولابدّ من التدقيق في التحدّيات النوعيّة التي تواجه المنطقة ككلّ، خصوصاً بعد المعلومات المؤكّدة عن قرار رئيس الوزراء العراقيّ المنتهية ولايته نوري المالكي سحب القوّات العراقيّة من الحدود السعوديّة – العراقيّة، في محاولة وصفت بأنّها “توريط الرياض مع قوّات تنظيم “الدولة الإسلاميّة””، ممّا استدعى من الرياض إرسال قوّات تعزيز إضافيّة من حرس حدودها المتاخمة للعراق. كما وشهد السعوديون أيضا هجوما آخر على الحدود اليمنية من قبل تنظيم القاعدة يوم 4 يوليو.
ما تواجهه المنطقة والرياض من تحدّيات خطيرة سوف يطمر محاولات أبوظبي اختلاق السيناريوهات والعراقيل في مواجهة تمهيد الأرضيّة وجهود مساعي المصالحة التي يقوم بها أمير الكويت في الآونة الأخيرة، خصوصاً أنّ الرياض تعلم تماماًأنّ الخلاف الخليجيّ – الخليجيّ لا يستدعي كلّ هذا التصعيد، في وقت يحاول محور إيران – المالكي – الأسد مواجهة الموقف السعوديّ – القطريّفي شكل موحّد وصارم. وهو ما يعبّر عن انعدام البصيرة لدى حكومة أبوظبي وعدم استطاعتها النظر أبعد من الأنف. إذ في مشهد خطير يهدّد الكيانات الخليجيّة، لا يمكن الالتفات إلى خلافات جانبيّة ومناكفات هامشيّة.
هل تراعي أبوظبي خطورة التطوّرات الميدانيّة في المنطقة على الكيانات الخليجيّة؟
وهذا العمى السياسيّ عن هذه المخاطر الجسيمة قد يكون ناتجاً عن أريحيّة أبوظبي في التعاطي مع إيران أو عدم استشعار الخطر الداهم على الجيران.
من جهّتها، وفي ظلّ الموجات المتلاطمة على حدودها والتي تعتبر مصيريّة، لن تسمح الرياض، حسب ما أعتقد،بمزيد من الاهتراء في العلاقة بينها وبين الدوحة، خصوصاًأنّ قطر، اليوم،تمثّل رقماً في المشهد الإقليميّ والعربيّ والدوليّ، سواء من خلال جهود الوساطات والدبلوماسيّة القطريّة الناشطة، أو من خلال الحراك الإعلاميّ الذي ينمو بصورة مضطردة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من قضيّة.
كما نرى،فإنّ الدوحة والكويت ومسقط تمثّل محور التأنّي في الأزمة الخليجيّة، خصوصاً بعدما اتّخذت الأزمة أكثر من منحنى تصاعديّ من جهّة فريق التأزيم (أبوظبي والمنامة)، في حين جمّدت الرياض تصاريحها حول الأزمة منذ آذار/مارس الماضي، وهو ما يمثّل حالة من التعاطي الرصين مع الأزمة. فلا هي ملتحقة بمركب الخفّة والتهوّر (فريق التأزيم) ولا هي متحفّزة للمصالحة.
التطورات الخطيرة في العراق واليمن وفلسطين قد تعزز العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وقطر، مع الأمل في التوصّل إلى مصالحة كاملة. إلاّ أنّه يبدو أنّ أبوظبي ستكون خارج المصالحة موقّتاً.
راشد الهاجري – المونيتور