سلام الله عليكَ ورحمته وبعد :
بلغني يا مولايَ أن ثلاثة إخوة جاؤوكَ يقتادون رجلاً وقالوا لك : يا أمير المؤمنين نريد منك أن تقتص لنا من هذا الرجل فقد قتل والدنا
فسألتَ الرجل: لماذا قتلتَ أباهم
فقال لكَ : يا أمير المؤمنين إني أرعى إبلا وماعزاً لي، فدخل أحد جمالي أرضَ أبيهم وأكل من زرعه، فتناول أبوهم حجراً وضرب جملي فقتله، فأخذني الغضب، وأمسكتُ نفسَ الحجر الذي قتل به أبوهم جملي فضربته به فمات !
فقلتَ : إذا ، لا بدّ من الحدّ !
فقال لكَ الرجل: أمهلني ثلاثة أيام فقد مات أبي وترك مالاً لي ولأخي الصغير ولا يعرف مكان المال سَواي ، فإن أنتَ قتلتني ضاع المال وضاع أخي من بعدي
فقلتَ: ومن يضمنك
فنظر الرجل في وجوه الناس وقال هذا الرجل
فقلتَ: يا أبا ذر هل تضمن هذا الرجل
فقال أبو ذر : نعم يا أمير المؤمنين
فقلتَ لأبي ذر: إنك لا تعرفه وإن هرب أقمت عليك الحد
فقال أبو ذر : أنا أضمنه يا أمير المؤمنين
وارتحل الرجل، ومر اليوم الأول فالثاني فالثالث، والناس قلقله على أبي ذر، وقبيل صلاة المغرب جاء الرجل وهو يلهث وقد أشتد عليه التعب، ووقف بين يديكَ وقال : أعطيتُ المال لأخي، وودعتُ أهلي، وها أنا بين يديكَ يا أمير المومنين لتقيم عليّ الحد !
فقلتَ له: ما الذي عاد بكَ وقد كان بإمكانك ألا ترجع ؟
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس
فقلتَ لأبي ذر : وأنت لماذا ضمنته يا أبا ذر ؟
فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس
فتأثر أولاد القتيل
فقالوا لقد عفونا عنه
فقلتَ: لماذا ؟
فقالوا : نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس
لقد اعتدتُ يا مولايَ أن أُحمّل رسائلي إليكَ دمعاً ودماً، فأمور الرعية بعدك ليست بخير، وحال العباد والبلاد تدمي القلب، وتُذهل اللبّ، غير أن هذه الرسالة على غير عادة تحمل إليكَ ابتسامة، وإن كانت هذه الابتسامة قد شقّت طريقها في بحر من الدموع !
كما صرتَ تعلمُ يا مولايَ أننا في قريش المعاصرة نحاصر غزة منذ ثماني سنوات، فكأنها شِعب أبي طالب في عهدكم، لا نبيعهم ولا نشتري منهم، ولا نتزوج منهم ولا نزوّجهم، ولا نردُّ عنهم عدواً ولا ندفع عنهم صائلاً، والدّعاء لهم على المنابر لا يرد في الورقة التي يستلمها الخطباء صبيحة يوم الجمعة من وزارة الدّاخلية !
ولكنّ أهل الشّعب في غزة عرفوا أن من كان الله معه فلا أحد عليه ! فأجمعوا أمرهم وصنعوا أسلحتهم لأن أسلحة أنظمتنا لا نراها إلا في العروض العسكريّة، وعند قتلنا ! وحفروا أرضهم ، وانتظروا عدوّهم ! وعندما جاءت غزوة الخندق المعاصرة أعاد التاريخ نفسه، وجاء اليهود والعرب صفاً، ولكن الجياع تبين أنه لم يشغلهم عن الجهاد رغيف، ولم تردّهم عن الاعداد له لقمة ! فأذهلوا الصديق قبل العدو، وليتهم حين لم يسلموا من أعدائهم سلموا من أصدقائهم، فكانت حربهم على عدوّهم كسورة التوبة كاشفة فاضحة، وكشفت أن في بلاد العرب يهوداً أكثر مما في تل أبيب !
بين خارجيّ يقول أن قتالهم أولى من قتال اليهود، لأن قتال المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي ّ
وبين عابد لوليّ الأمر يقول لهم إن صواريخكم ألعاب نارية، بوركت هذه الألعاب النارية التي تُنزل اليهود إلى الملاجىء كالفئران، وبوركت غزة المدينة العربية الوحيدة التي لا تستورد ألعابها النارية من الصين !
وقد تسأل يا مولاي ما كان موقف جامعة الدول العربيّة، فأقول لكَ عظّم الله أجرك، زمن الشجب قد ولّى ! غير أن بوليفايا والبرازيل سحبت سفراءها من تل أبيب وسفراء الأردن ومصر ما زالوا في هناك!
ولكنّ الجيوش ولله الحمد لم تقف مكتوفة الأيدي، فقد صنع الجيش المصري كعك العيد ! فرحم الله جيوشك التي كانت تُهدي رعيتكَ في الأعياد بلاداً تُفتح وأصناما تُكسر !
وقد تسألني ما يزعج القادة العرب لو انتصرت غزّة، حقيقة لستُ أدري، ولكني أعتقد أن الخصيَّ يتذكر عاهته إذا رأى ذكراً سوياً لأنه يذكره بعاهته !
وإني لأبشرك يا مولاي أن أمير الخوارج قد بُويع بالخلافة ! وصعد المنبر ذات يوم يلبس عباءة سوداء وعمامة كذلك، وقلباً أكثر سواداً من عباءته وعمامته ! وساعة بثلاثة آلاف دولار، وخطبنا خطبة عصماء، وأخبرنا أنّه ليس بخيرنا، وأنّه أُبتلي بنا، وحثنا على الزهد والطاعة !
فظنّه الجُهّال أبا بكر الذي قال ابن تيمية فيه ” ولو أن عمر ومعه بعض الصحابة بايعوا أبا بكر بالخلافة وامتنع سائر الصحابة لم يصر بذلك إماما، وإنما صار إماما ببيعة جموع الصحابة ” !
فكما تعلم يا مولاي أنه ما جُعل الإمام إلا ليلمّ شعث الأمة، ولكن القوم جهلوا أنّ الله طيب لا يقبل إلا طيباً، إلا في الدماء فقد جُعل السيف للدماء الخبيثة! وعن الدم عند القوم فحدّث ولا حرج ! والله أغير على دينه من أن يقيمه على دماء المسلمين !
ثم خرج علينا العدناني بومة الخوارج ينعق بإمامة المتغلب، وإمامة المتغلب هي الشواذ لا الأصل، وإنما شُرعت في مواضع ضيّقة لحقن دماء المسلمين، لأن هدم الكعبة أهون على الله من سفك دم امرىء مسلم.
فلا هم أصابعوا بيعة الجماعة، ولا حققوا الغاية من بيعة المتغلب، فشقوا عصا الأمة، ناسين أن اقامة الخلافة عبادة و”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ” !
وإني لأبشرك أن مصاص الدماء في الشام فاز بمسرحية الانتخابات، ملعونة كرسيّ واحد ثمنه مئات آلاف الأبرياء، وعشرات آلاف الأرامل والأيتام، ومباركة كرسيّ محمد ضيف يقود عليها القسام في خندق، ويخبرنا كما أخبرنا الياسين من قبل أن الشلل الحقيقي هو شلل القلب !
وإنّي لأبشرك أيضا أن التاريخ صار حكاية مملة لكثرة ما تكرر، تكثر الدروس ويقل الدارسون، وتكثر العَبر ويقل المعتبرون. فقد أنشد المتنبي ـ شيخ الآكلين بقصائدهم ـ هاجيا كافور، ومنتقداً الانقلابات والغدر بالحكام قائلا ً:
أكلما اغتال عبد السوء سيده
أو خانه فله في مصر تمهيد
صار الخصيّ إمام الآبقين بها
فالحر مستعبد والعبد محمود
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفنى العناقيدُ
هي القصة القديمة ذاتها، عبد السوء يخون سيده، والحر مستعبد والعبد محمود ! ولكن نواطير مصر الطيبة وقفت لثعلبها، ودفعت دماً، وذاقت سجوناً، غير أن هذا العالم الذي تحكمه أمريكا بشريعة الغاب كان لا بد لها أن تقف مع الثعالب !
هذه بعض أخبار دولتك والبقية تأتيك إن كان في العمر بقية، ولوقتها قبلاتي ليديك وسلامي لصاحبيك.