1
عندما أنشد المتنبي بيته الشهير ” عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ “
كان في قصر كافور معزّزاً مُكرّماً
ولا يشكو إلا فقد ولاية كان قد وعده إيّاها كافور فحنث !
أما الأحبة التي تقف البيداء دونهم
فليس إلا سيفَ الدّولة !
وقد أراد المتنبي أن تصل القصيدة إلى مسامعه قبل أن يصل إليه جواده
فسيّد الشعر العربي كان مدّاحاً للسلاطين !
والتكسب لا يقدح بجودة الشعر وإن كان يقدح بالشاعر !
والغالبية العظمى من فطاحل شعرائنا مرغوا قصائدهم على بلاط الحكام !
بدءاً بالنابغة سيّد سوق عكاظ
مروراً بالثالوث الأمويّ جرير والأخطل والفرزدق
وليس انتهاءً بالمتنبي
وحده عمر بن أبي ربيعة أرسل له عبد الملك بن مروان ليمدحه
فقال له : عمر لا يمدح إلا النساء !
.
.
2
كان عيد المتنبي كئيباً لفقد الأحبة
رغم أنّه لم يكن يسكن في غزة
ما ذهب إلى صلاة التراويح وعاد ليمزّق دفتر العائلة لأن الغارة الأخيرة لم تترك له عائلة !
ما كان طبيباً في مستشفى الشفاء وفتح ثلاجة الموتى ليتفاجأ بابنه هناك !
ما ذهب أولاده إلى الشاطىء قطعة واحدة وعادوا قطعا في كيس !
ما دفنَ ابنه وحفيده الذي أسماه ابنه من فرط البر باسمه !
ما نامت زوجته بكامل حجابها كي لا ينتشلها المسعفون من تحت الأنقاض ويروا شعرها !
ما حذف رسائل حبيبته من جوّاله كي لا يطلع الأحياء على سرّ قلبه !
ما حفر قبراً لأم
وما ساعدته الطائرة بفطام ابن
وما قُطعت له يد ولا بُترت له ساق
ما أذّن المغرب وليس في بيته إلا تمر وماء
ما انتظر الكهرباء ليشاهد صديقاً صار في نشرة الأخبار خبراً عاجلا !
ما مات قبل الموت ألف مرة
كان عنده قصيدة نظمها بقدر ما تحتاج أم لتضع مولوداً
ولكن القصيدة عاشت أكثر مما عاشت العائلة
ولكنّه كان حزيناً على أية حال !
.
.
3
كان عيد المتنبي كئيباً
رغم أن ابنه لم يذهب لأداء الفجر في رابعة ولم يعد
ولم يبقَ من ابنته إلا شهادة تخرج على الجدار
لم تنهش لحمه كلاب الداخلية
ولا سخر منه عمرو أديب ولميس الحديدي
لم يبح شيخ الأزهر دمه
ولم يفتِ عمرو خالد للجيش بأن قتله جهاد أكبر
كان شاعراً ولديه قصيدة تشهد أنه كان حزيناً
.
.
4
كان عيد المتنبي كئيباً
رغم أنّه لم يعش بين مطرقة داعش وسندان المالكي !
لم يستعبده أحد باسم الله
ولم يقدمه أحد قربانا لأهل البيت !
لم يُقتل ابنه لأن اسمه عمر
ولم تُغتصب ابنته لأن اسمها عائشة
ولكنّه كان شاعراً وكان عنده قصيدة
والقصائد عند أمة الكلام تعيش أكثر مما يعيش الناس !
.
.
5
كان عيد المتنبي كئيباً
رغم أنّه لم يكن يسكن في حمص
ولم يذهب ليحضر رغيف خبز ولم يعد !
ولم يبعثر برميل متفجر ابنه
ولم تُرمّل ابنته قذيفة
ولم يكن عنده حقل تحرثه القنابل
ولا بستان تحصده الطائرات
ولم يكن عنده بيت صار كومة حجارة
ولكنّه كان حزيناً يعيش في قصر وكان عنده قصيدة !
.
.
6
كان عيد المتنبي كئيباً
أما عيدنا فسعيد
ولكن تعالوا نُتداعي بالحمى مرة واحدة
لأن أعضاء كثيرة في جسد أمتنا ليست بخير
تعالوا نفرح بتواضع دون أن نسيء لأحزان الآخرين
وكل عام وأنتم بخير !
قس بن ساعدة