تحت عنوان “تجليات محمود عباس في غزة” كتب ديفيد هيرست في مقال نشرته صحيفة “ذي هافنغتون بوست” الأمريكية، أن محمود عباس يمر بما يشبه حالة التجلي هذه الأيام، فقبل شهرين فقط كان رئيس السلطة الفلسطينية يعلن أن التنسيق الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية “مقدس”. أما الآن، فعباس يتلو الآية القرآنية (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير).
ويلفت هيرست إلى النقلة في لغة الخطاب لدى عباس؛ إذ إنه قال في جدة، مباشرة بعد اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، إن “التنسيق الأمني مع إسرائيل هو لصالحنا، لحماية شعبنا؟”؛ لتصدر منظمة التحرير بعد ذلك بيانا بعد الاجتماع الطارئ الذي ترأسه عباس في رام الله تمدح فيه “الموقف الصامد لشعبنا الفلسطيني العظيم وقوات المقاومة التي تقاتل ببطولة ضد جيش الاحتلال الذي يرتكب الجرائم والمجازر ضد مواطنينا؟”.
ويتساءل هيرست عن “هذا التحول الذي طرأ على صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، فيما يشبه المعجزة؟ ها هو الآن يقول إن كل فلسطيني بات هدفاً لإسرائيل. هل هذا هو نفس عريقات الذي عرض، كما ورد في الأوراق الفلسطينية، على نظيرته تسيبي ليفني “أكبر يورشاليم” في التاريخ؟”.
ويرى أن ما يحدث لعباس هو زلزال سياسي؛ فقد يعمد السياسي المخضرم إلى تبني خط جديد مؤيد لحماس من رام الله في محاولة منه لتعزيز موقفه كمفاوض. ولكن، حتى هذا الحيز يصعب على عباس أن يعيش فيه، فأقرب شركائه العرب، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتصرف حتى أسوأ من نتنياهو، ليس فقط من خلال منع المساعدات من العبور من الجانب المصري عبر الحدود وإنما من خلال تحريضه لرئيس الوزراء الإسرائيلي على القضاء على حماس عسكرياً وإلى الأبد.
ويشير إلى أن حكومة الوحدة اخترقت الجدار النفسي بين حماس ومنظمة التحرير، وقدمت لمحة لما يمكن أن تكون عليه الأمة الموحدة. والآن، ساهمت الحرب الشاملة التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة في تعزيز هذه اللحمة، وإذا كان الانقسام سبباً في منع اندلاع انتفاضة ثالثة، فهاقد تذللت تلك العقبة ولم تعد موجودة.
ويتساءل: إذا كانت هذه الوحدة موجودة الآن، فمن ذا الذي سيكسب منها؟ ويجيب بأنه “في الحرب
يكون الدور لحماس، كونها هي التي ترد على العدوان الإسرائيلي. أما في السلم، فعباس ومنظمة التحرير قد يتوجب عليهما إتاحة المجال أمام ظهور زعيم جديد قادر على تمثيل كافة الفصائل”.
لكنه يستدرك بأن بإمكان عباس أن يقوم بسلسلة من الإنجازات الوهمية من مثل المضي قدماً في تقديم طلبات انتساب لمنظمات الأمم المتحدة ومؤسساتها، ومقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. إلا أن هامش الخطأ أمامه آخذ في الانكماش. وحينما يصل وقف إطلاق النار لن تكون حماس عارية، بل ستكون مستورة بكامل الزي العسكري، كما كان عباس نفسه في يوم من الأيام.
عربي 21