رأى الكاتب الأمريكي ستيفن كوك، خبير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن القاهرة لم تكن أبدا وسيطا نزيها بين إسرائيل وفلسطين، ونظام السيسي اليوم يستفيد فعلا من العدوان على غزة، وأوضح أن المسؤولين المصريين يريدون منع الصراع من التمدد إلى شبه جزيرة سيناء وتعزيز المشاعر المعادية لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس.
وقال “كوك” في مقاله بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، إن “وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وقع في حب الرئيس الراحل أنور السادات” خلال السبعينيات من القرن الماضي، خصوصا عندما وصفه بأنه “رجل ذو قدر من الحكمة والشجاعة ولديه بصيرة النبي”.
ومن هذه الرومانسية، كما رأى الكاتب، شكلت الولايات المتحدة أفكارها عن مصر، وأصبحت ترى فيها حصنا ضد الاتحاد السوفيتي، وقاعدة انطلاق القوات الأمريكية حال حدوث أزمة في الخليج ووسيطا بين العرب -وخاصة الفلسطينيين- والإسرائيليين، غير أن القاهرة لم تزدد إلا التصاقا بالسياسة الأمريكية. وعليه، وفقا للكاتب، فإن هذه الصورة “الرومانسية” ليست أكثر من “خرافة” يتناقلها المسؤولون والمحللون الأمريكيون.
وأوضح “كوك” أنه مع دخول عملية “الجرف الصامد” أسبوعها الثاني على قطاع غزة، لم يكن يهتم نظام السيسي إلا بـ”البحث عن مصلحته”، مضيفا أن المخابرات العسكرية تريد إبقاء الفلسطينيين، وخصوصا حماس، في صندوق بعيد لمنع الصراع من زعزعة الاستقرار في شبه جزيرة سيناء، وضمان أن قطاع غزة لا يزال مسؤولية الإسرائيليين في الأساس، فضلا عن استبعاد غيرهم من اللاعبين الإقليميين من القيام بأي دور في غزة.
وأشار “كوك” إلى أن هجمات إسرائيل على فلسطين خلال عامي 2009 و2012 انتهت بنفس الطريقة على حد سواء، قائلا إنه بعد عدة أسابيع من القتال، عملت دائرة المخابرات العامة المصرية، بالتنسيق مع نظيرتيها الأمريكية والإسرائيلية، على التوصل إلى اتفاق بوقف العنف، وأضاف: “وفي كل مرة، يخرج المصريون بشكل حسن المظهر: حدودهم آمنة، دون الانجرار إلى غزة، وقصف إسرائيل لحماس يضعف المنظمة عسكريا”.
وتابع “كوك” أنه لم يكن الأمر سهلا دائما.. فقادة حماس ليسوا سذجا، هم يعلمون جيدا أن المصريين بالكاد يهتمون بهم، وبالتالي رفضوا منح القاهرة وسام الانتصار، مما اضطر المنظمة الإسلامية الفلسطينية إلى تلقي المساعدة من السوريين والإيرانيين، وكان هذا مصدر إحباط كبير بالنسبة لرئيس مخابرات مبارك، الجنرال عمر سليمان.
“ولكن عندما وصل الأمر إلى إبرام صفقة أو اتفاق، لم تستطع حماس مقاومة مزيج الضغوط العسكرية من إسرائيل والسياسية من مصر”.
ورأى أن فشل مصر حتى الآن في التوسط لوقف إطلاق النار هو إما غدر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أو عدم كفاءة منه، أو تراجع مكانة مصر بين الدول المسلمة، ولكن هناك تفسير آخر، وفقا للكاتب: يبدو أن المسؤولين المصريين يعتقدون أن استمرار العدوان -حتى الآن- يخدم مصالحهم.
وبالنظر إلى الدعاية المعادية لكل من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في مصر، والتي تقوم عليها، بشكل جزئي، شرعية السيسي، وفقا للكاتب، فإن العدوان الحالي على غزة يخدم مصالح السيسي السياسية وأهدافه.
وأوضح: “بطريقة ساخرة تماما، هل هناك ما هو أفضل للسيسي مما يجري الآن؟ الإسرائيليون يضربون حماس بتكلفة قليلة أو معدومة من مصر.. وفي خضم الدوامة، اقترح الرئيس الجديد مبادرة لوقف إطلاق النار، إذا تم قبولها، فهو الفائز، وإذا تم رفضها، وهو ما حدث، فالسيسي هو الفائز أيضا”.
لكن، كما يرى الكاتب، يمكن لإستراتيجية السيسي أن تأتي بنتائج عكسية، مثلما حدث لمبارك خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 2006 عندما دعم العملية الإسرائيلية اعتقادا منه أن الجيش الصهيوني “القوي” سيوجه ضربة لحزب الله، لكن أداء الإسرائيليين المهزوز وقتل عدد كبير من المدنيين اللبنانيين أفشل رهانه.
وقد تغير تطورات مماثلة من حسابات السيسي في موقفه من العدوان على غزة. ربما أجج النظام الجديد في القاهرة مشاعر بعض المصريين المعادية لحماس في سياق حربه على جماعة الإخوان، وفقا للكاتب، ولكن هذا لم يقلل من تضامن وتعاطف المصريين مع إخوانهم الفلسطينيين.
فرغم كره بعض المصريين للإخوان، لكن كرهم لإسرائيل أكبر، كما إنه مع استهداف العدوان الإسرائيلي لمزيد من المدنيين، فإن تواطؤ السيسي المكشوف مع إسرائيل قد يصبح غير محتمل سياسيا.