فى حملته الانتخابية، قال الرئيس عبد الفتاح السيسى إن أول بلد سيزوره إذا نجح في الانتخابات الرئاسية، سيكون السعودية.
وكان ذلك أمرا طبيعيا باعتبار أن السعودية هي الداعم الأكبر للسيسى حتى قبل الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في الثالث من يوليو العام الماضى، بل إنها كانت تدعم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ووقفت ضد ثورة 25 يناير 2011.
ولا يخفى “السيسى” الدعم السياسي والمالى والمعنوى الذي قدمته السعودية ومعها الإمارات لنظامه، وكان تمجيد وتعظيم المملكة وملكها عبد الله بن عبد العزيز مادة أساسية مقررة على كل وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام الحاكم، حتى أن البعض من نشطاء “فيس بوك” ومواقع التواصل الاجتماعي، قال مازحًا إن عاصمة مصر أصبحت الرياض.. وإن سياسة مصر الداخلية والخارجية تقررها السعودية”.
وبدلاً من أن يطير الرئيس السيسي إلى السعودية في أول زيارة خارجية له إلى السعودية كما قال، لتأكيد الولاء، توجه “السيسى” إلى الجزائر.
قمة الطيارة
وبينما كان الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية عائدًا من نزهته السنوية في مراكش بالمغرب، هبط بطائرته في مطار القاهرة فتوجه “السيسى” إليه في الطائرة وعقدت ما أطلق عليه النشطاء “قمة الطيارة”، حيث لم ينزل العاهل السعودى من طائرته بينما صعد إليه “السيسى”، وخرج المبررون ليقولون إن الرجل مريض وقعيد ولا يستطيع الحركة، ولذلك لم ينزل من طائرته، فيما رأته جهات أخرى أنها مهانة لمصر، كون الطائرة السعودية تعتبر أرضًا سعودية، أي أن الملك أبى أن تطأ قدماه أرض مصر.
ومضت الأيام بعد “قمة الطيارة”، وبدأ الحديث والتهليل للسعودية يتراجع في وسائل الإعلام، وحتى على مستوى التصريحات الرسمية.
داعش
وتسربت أنباء أن هناك خلافًا تفجر منذ “قمة الطيارة”، ولكنه ظل مستترًا، حيث طلب العاهل السعودى من السيسى عدم دعم الحكومة العراقية .
إلا أن “السيسى” رفض ذلك، باعتبار أن داعش هي تنظيم تكفيرى جهادى، مثله مثل التنظيمات الموجودة في سيناء أو العدو الأكبر للسيسى، جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت تلك هي نقطة التحول في شهر العسل بين السيسى وعبد الله.
وزاد التوتر سوءا، وبعيدا عن وسائل الإعلام المصرية التي أغمضت عينها تمامًا، بعد أن أجرى السيسى مكالمة هاتفية مع نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى ليؤكد له دعم مصر للعراق في حربها ضد التنظيمات التكفيرية وعلى رأسها “داعش”، ولم يكتف “السيسى” بذلك، بل أرسل وزير خارجيته سامح شكرى إلى بغداد منذ أيام قليلة لتأكيد الدعم المصري للمالكى، وكانت تلك أول زيارة لمسؤول عربي رفيع لبغداد منذ أشهر عديدة.
المالكى والسعودية
والغريب أن تحركات السيسى وإصراره على إظهار دعمه العلنى للمالكى، يأتى في وقت يتهم فيه “المالكى” السعودية صراحة بأنها وراء عدم الاستقرار والعنف في العراق، وأنها الممول الأكبر للتنظيمات السنية الإرهابية التي تحارب الشيعة في العراق وسوريا.
تحية للسيسى
والحقيقة أن موقف “السيسى” إذا كان نابعا عن قناعة وطنية ومصلحة عامة في أن تكون المواقف المصرية مستقلة ليست مرتبطة بأى جهة ولا تخضع لضغوط أو توازنات، فهو يستحق التحية على ذلك، أما إذا كانت تعتبر عن مواقف شخصية وحسابات خاصة، مرتبطة بحربه وعدائه الشخصى لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات والأحزاب الإسلامية، فهنا يختلف الوضع.
وأيًا كان السبب، فالنتيجة واحدة، وهى أن “السيسى” بدأ يغضب السعودية، سواء فيما يخص الوضع في العراق أو حتى دعمه المستتر لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، بينما تدعم السعودية بقوة الجماعات المتشددة التي تحارب الأسد.
كما أن موقف السيسى من إيران ليس عدائيا، وهناك تلميحات متكررة بإمكانية تدعيم العلاقات بين القاهرة وطهران، بينما المعروف أن العدو الأكبر للسعودية في المنطقة هي إيران.
ولا يخفى على أحد الدور الذي تقوم به السعودية على مر التاريخ في دعم التنظيمات والجماعات الجهادية، سواء في باكستان أو افغانستان أو حتى اليمن أو سوريا أو العراق، في ظل هواجس المملكة بوجود مخططات إيرانية للمد الشيعى بالمنطقة.
ويبقى السؤال: هل سيخرج خلاف السعودية مع السيسى إلى العلن بعد انتهاء شهر العسل؟