بعد أكثر من ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني، تعيدنا ثلاث صحف مصرية إلى فكرة “العناوين الملاكي”، المطبوخة في أروقة الرئاسة، وما على رئيس التحرير سوى لعب دور ساعي البريد، الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.
وهو ما حصل مع صحف “الأهرام”، و”الأخبار”، و”الشروق”، التي زيّنت كلّها صفحاتها بصورة واحدة موحدة هي صورة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وهو جالس مبتسم مع مبعوث اللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، طوني بلير.
وهذا طبعاً من الأشياء التي تثير الضحك، قبل أن تثير التحفظ حول المهنية، لأن المهنية على أبسط أمثلتها ماتت، بما يشي بتحول رؤساء تحرير صحف مستقلة إلى “موظّف عام” في إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة قبل الانقلاب بأشهر، بشكل معلن وواضح، وربما قبل فترة أطول من ذلك، ولكن بشكل مستتر، وهو ما يشرح انحيازهم المعلن برّاً وبحراً وجوّاً لكل رحلات السيسي الداخلية والخارجية، وكل حفلات القوات المسلحة، من حفلة الإعلان عن “جهاز الكفتة”، وصولاً إلى “الجاكيت الأحمر”، الذي ارتداه في روسيا.
أما صحيفتا “الأخبار” و”الأهرام”، فهما من “أهل البيت” منذ أيام إبراهيم نافع، وسمير رجب، وإن نقصت المهنية.
والغريب أن تجد “الجمهورية”، هي الأخرى، برئاسة فهمي عنبة، تنشر الخبر نفسه عن لقاء السيسي وبلير… بالطريقة نفسها، وبالصورة نفسها، والاقتباس نفسه، من تصريحات السيسي حول غزة. والغريب أن يأتي رد إسرائيل واضحاً بعد ساعات بالمزيد من القتلى في غزة.
تظهر صورة الانقلاب جلية وواضحة في الصحافة والشارع المصري، وكأن دماء الفلسطينيين في غزة قد كشفت عن تناقض حاد في عالمنا العربي، ما بين حكّام أتوا، وأحداث تزلزل الأرض زلزلة تحت أقدامهم، فلا يملكون إلا العقول الجامدة التي لا تعرف إلا بهرجة الأخبار.
عبد الحكيم حيدر
العربي الجديد