رغم محاولات تحجيمه، تمدّد الخلاف بين قطر والأمارات ليصل إلى قاعات المحاكم ويحتل حيزا مهما بوسائل الإعلام. وبينما تطغى الصبغة الخليجية على التهم المتبادلة بين الجانبين، يؤكد كتاب وصحفيون أن الصراع يعود لتباين المواقف من الثورات والوضع المصري بالذات.
فمن الاستهداف المتعمّد إلى شق الصف وزعزعة الاستقرار، تتنوع التهم المتبادلة بين الدوحة وأبو ظبي لتغذي صراعا يتفق الجانبان على وجوده ويختلفان بشأن أسبابه، وفق ما تعكسه تصريحات الرسميين.
وطبقا لموقع “الجزيرة نت ” فيبدو أنه بات من الصعب التحكم في خلاف العاصمتين الخليجيتين، إذ أخذ منحى تصاعديا منذ فترة وتضاءلت مساحات التهدئة أمام مفردات التحامل والتجسس والتخوين.
ومهما كانت أسباب الخلاف، فإنه غادر أروقة المؤتمرات إلى زنازين السجون وصفحات الجرائد، وبات جليا أن سوء التفاهم تجاوز القنوات الرسمية وصار موضوعا ساخنا يشغل الرأي العام في الجانبين.
فقبل أيام نشرت صحيفة “العرب” القطرية خبرا على صفحتها الأولى يقول إن السلطات في أبو ظبي اعتقلت ثلاثة قطريين بطريقة غير إنسانية وعذبتهم بعد اقتيادهم إلى السجن.
في الجانب الآخر، كان الرد قويا إذ نشرت جريدة الخليج الإماراتية خبرا يقول إن أبو ظبي تعتقل عناصر استخباراتية تعمل على أرض الإمارات، وما يزال التحقيق معها مستمرا.
تعذيب وسجن
بيد أن الجديد في هذه القضية هو طبيعة التهمة فقط، إذ سبق أن اعتقلت السلطات الإماراتية طبيبا قطريا يدعى محمود الجيدة أثناء عبوره من دبي إلى الدوحة قادما من تايلاند أواخر فبراير 2013.
والجيدة -الذي أكدت منظمة العفو الدولية تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة- حكم عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة تقديم الدعم المعنوي والمادي لجمعية كانت الإمارات حظرتها بسبب تبنيها فكر جماعة الإخوان المسلمين.
العفو الدولية -التي طالبت السلطات بإلغاء الحكم الصادر بحق الجيدة- تحدثت أيضا عما سمتها محاكمات واهية ضد مواطنين إماراتيين متهمين بالانتماء للإخوان المسلمين.
حسن محمود الجيدة روى أيضا قصة التعذيب هذه، وأكد للجزيرة نت أن نساء العائلة فقط هن اللائي يمكنهن زيارة والده، بينما أبناؤه باتوا يخشون الاعتقال بعد أن احتجزت السلطات الإماراتية أحدهم وعذبته عقب حضوره إحدى جلسات المحاكمة، على حد قوله.
ومن خلال تتبع كتابات مقربين من السلطات في الجانبين، تبدو الاعتقالات وتهم زعزعة الاستقرار وشق الصف الخليجي ليست سوى عرض لخلاف جوهري حول ما يعتمل في المنطقة من ثورات واضطرابات.
مواقف متباينة
فبينما يشيد كتاب قطريون بدعم الدوحة للتغيير وخيارات الشعوب العربية، تسهب الأقلام الإماراتية في تقدير موقف أبو ظبي الرافض “لتطرف الإخوان المسلمين وزعزعة الاستقرار”.
موقع 24 الاماراتي الذي يرأس تحريره الدكتور علي بن تميم نشر في وقت سابق خبرا يقول إن الدوحة تحتضن مكتباً يشرف على حسابات مصرفية في سويسرا، لتمويل ما سماها الشبكات الجهادية والمرتزقة الأجانب في سوريا.
وبن تميم -الذي ينتقد بحدة دعم قطر الثورات في العالم العربي- أكد في حسابه على تويتر أن الوضع في مصر هو أصل الخلاف بين الدوحة وعواصم الخليج.
وفي 18 مارس الماضي، رأى الكاتب بجريدة الاتحاد الإماراتية محمد الحمادي أن قطر أساءت لدول الخليج وفضلت السير في عكس الاتجاه الخليجي والاستمتاع بإثارة القلق بين الآخرين.
أما مدير تحرير صحيفة العرب القطرية عبد الله بن حمد العذبة فقد كتب العديد من المقالات حول ما يسميه استهداف سلطات أبو ظبي لبلده.
وفي حديث للجزيرة نت، استبعد العذبة أن يكون الشأن الخليجي يقف خلف توتر العلاقات بين الجانبين، إذ أكد أن أبو ظبي نقمت على الدوحة بعد أن دعمت الأخيرة توق الشعوب العربية للتغيير.
ومثل بن تميم، يرى العذبة أن الشأن المصري بالذات مثّل محطة بارزة في تدهور علاقات الجانبين، لأن الدوحة رفضت عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، بينما كانت أبو ظبي في طليعة المهنئين ب”الانقلاب”.
صراع بالخارج
وعن بداية الخلاف يؤكد العذبة أن الإعلام القطري يتجنب التصعيد مع أبوظبي، لكن إعلام أبوظبي في لندن وغيرها بدأ التهجم على قطر منذ الفوز بتنظيم مونديال 2022، لكن هذا التهجم على قطر تصاعد بشكل واضح منذ أن تهجم الفريق ضاحي خلفان على دعم قطر لخيار الشعب التونسي والمصري والليبي، وكان ذلك في مؤتمر الأمن بالبحرين في 2012، وهاجم حينها الثورة السورية بشكل واضح وزعم أن التالي سيكون دول مجلس التعاون وأن قطر تغرد خارج السرب، واستمر بالتهجم على قطر في “تويتر” فقام بعض كتاب قطر بالرد عليه بطريقة موضوعية وتفند ما ذهب إليه، وبعد ذلك بدأ الإعلام المملوك لحكومة أبوظبي مثل صحيفة الاتحاد بنشر كل ما يسيء للعلاقات الثنائية بين قطر وأبوظبي واستكتاب كتاب خليجيين وليسوا من الإمارات ليصفوا قطر بـ “العدو” بكل أسف، كما أن تلفزيون أبوظبي الحكومي قام بنقل ندوات تشيطن قطر وتحرض على سياسة الدوحة بشكل غير موضوعي وغير متزن وهذا ما أصاب القطريين بالدهشة.
وردا على سؤال هل تعتقد بأن حكومة أبو ظبي تريد لعب دورا إقليميا بعد أن اشتهر عنها بعد الشيخ زايد أنها تنأى بنفسها عن الدخول في المعترك السياسي فأدى هذا إلى التصادم مع قطر؟ ..قال العذبة تستطيع أبو ظبي، أن تلعب دورا إقليميا وهذا من حق ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ولكن هذا الدور الإقليمي الذي يريد القيام به يجب ألا ينتقل إلى منظومة مجلس التعاون لا سيما أنها المنظومة العربية الوحيدة التي بقيت متماسكة بعد الربيع العربي، ولا ننسى أن أبوظبي ساندت الشعب الليبي مع الدوحة، ولكن لا نفهم سر التحول المفاجئ بعد ذلك والذي كان عنيفا ضد الثورات العربية.
وردا على سؤال هل اعتقال قطريين في ابوظبي مرتبط بعلاقات الجانبين أم بتباين المواقف من الوضع في مصر؟ قال العذبة ان اعتقال المواطنين القطريين وتعرضهما لمعاملة غير إنسانية والتعذيب كان صادما للرأي العام في مجلس التعاون قبل أن يكون صادما للرأي العام القطري، لا سيما وأن هذا الاعتقال سبقه اعتقال للطبيب القطري محمود الجيدة وتعرض للتعذيب بحسب تقارير منظمة العفو الدولية، ونتمنى ألا تلجأ أبو ظبي إلى هذا الأسلوب مع المواطنين القطريين لتغير الدوحة من سياستها الخارجية؛ لأن هذا الأسلوب لن يغيرها، مع التأكيد على أنها لا تضر بأبو ظبي ولا تشكل أي خطر على نظام الحكم الظبياني المشابه لنظام الحكم القطري، وهناك تخوف كبير لدى القطريين من السفر إلى الإمارات تجنبا للاعتقالات التعسفية من سلطات إمارة أبوظبي بعد ما حدث للمواطنيين القطريين، وبعد حديثنا عن إزالة الحدود الخليجية بين مواطني مجلس التعاون والمقيمين فيه، صرنا نخاف من الاعتقال على حدود أبو ظبي كما حصل للمواطنين حمد علي الحمادي ويوسف عبدالصمد الملا وتلفيق تهم ما أنزل الله بها من سلطان بل ومثيرة للضحك.
وعن رأيه في مصير العلاقة بين الجانبين؟ قال أعتقد أنه ما زال بالإمكان تفادي الأسوء، وأبواب الدوحة المسالمة مفتوحة للأشقاء في أبو ظبي، ويستطيع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي القيام بزيارة كرد على الزيارة الرسمية التي قام بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر مؤكدا أن الجلوس على طاولة الحوار والتحدث بشفافية سيكون في صالح الطرفين الشقيقين ومنظومة مجلس التعاون أيضا، لا سيما أن أبو ظبي تعتمد على الغاز القطري الذي يولد ما لا يقل عن 40% وهناك استثمار للطرفيين في كلا الجهتين، ولكن الأهم أن تكون هناك نية حقيقية وشفافة لدى أبو ظبي تجاه الدوحة.
وعن رأيه كيف يرى الرأي العام القطري الهجوم على قطر من قبل كتاب الكتاب في أبو ظبي؟قال ما زال الرأي العام القطري في دهشة بسبب التهجم غير المفهوم من الكتاب الإماراتيين في أبو ظبي، وتهديد بعض المسؤولين والأكاديميين الإماراتيين لقطر بعد شهر رمضان المبارك، كما أن الرأي العام هنا يحمل محمد دحلان المطرود من “فتح” المسؤولية الأكبر، ويعتقدون بأن الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي يستطيع تدارك الأمر؛ لا سيما وأن عدم الإستقرار الإقليمي سيؤثر على الجميع ومن ضمنهم إمارة أبو ظبي، ولهذا سيكون من المفيد تجاوز اختلاف وجهات النظر وتجنب ترسيخ الخلاف بين الشعبين.
وهل الخلاف مرتبط بالشأن الخليجي، ام مرتبط بالثورات والانقلاب في مصر؟ يقول العذبة كان اختلاف لوجهات النظر حول ما يحدث في مصر ولا علاقة للشأن الخليجي بالأمر، ولكن إمارة أبو ظبي حولته إلى خلاف لا داعي له بكل أسف، انظر إلى ألمانيا التي عارضت تسليح الجيش الحر في سوريا بعكس بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا تدعمان التسليح ولكن هذا الاختلاف بالتوجهات بين دول الاتحاد الأوروبي لم يتحول إلى خلاف داخل منظومة الاتحاد الأوروبي نفسها.
وقال ان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر حريص جداً على منظومة مجلس التعاون واستقرارها كما أنه حريص على الوطن العربي، وقام رسميا بتهنئة الرئيس المؤقت لمصر عدلي منصور كما قام لاحقا بتهنئة السيسي رسميا برئاسة مصر؛ لأن هذا شأن مصري يقرره الشعب المصري، ولكن لا يمكن إجبار دولة قطر أو ابتزاز أميرها لضخ المزيد من الاستثمارات في مصر وهي تعاني من عدم الاستقرار، فمهمة أمير قطر الأولى المحافظة على المقدرات القطرية وحسن توجيهها لما فيه الصالح العام.
من جهته رى الكاتب الإماراتي حمد الشامسي أن تباين الرؤى حول تقدير مآلات الربيع العربي هو ما باعد بين الدوحة وأبو ظبي وخصوصا بعد وصول الإسلامين للحكم في أكثر من بلد عربي.
ووفق الشامسي، فإن الدوحة تعتقد أن دعم إرادة الشعوب العربية أحد عوامل استقرار المنطقة، بينما ترى أبو ظبي أن الثورات تهدد مستقبل أنظمة الخليج.