الافتراض الأولي لتحليل سيناريوهات التطوّرات المحتملة لاستمرار عملية “الجرف الصامد”، هو أنّ القتال قد بدأ في أوضاع تراجعت فيها قوة حماس داخل قطاع غزة وهي غارقة في حالة ليس لديها فيها ما تخسره. هذه الحالة مختلفة عن الحالات التي بدأت فيها العمليات السابقة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ضدّ حماس، والتي انتهت باتفاقات، أو بتفاهمات، من نوع وقف إطلاق النار بوساطة مصرية. يقف هذا الاختلاف في أساس التقدير المعروض فيما يلي بخصوص تطوّرات السيناريوهات المحتملة لاستمرار القتال أو انتهائه.
التقدير أنّ حماس تتواجد في نقطة ضعف استثنائية، ويرتكز ذلك على بعد التطورات في الأشهر الأخيرة، والتي نبعت، بشكل أساسيّ، من تغيير النظام في مصر. فقدت حماس في أعقاب هذا التغيير قدرتها على الاستمرار في إدارة الحياة في قطاع غزة بشكل مشابه لما كان محتملا حين كانت الأنفاق والمعابر مفتوحة. ساهم توقف ضخّ الموارد الحيوية الكثيرة في تزايد البطالة التي وصلت إلى أكثر من 40%. بدأت حماس تشعر بفقدان التأييد الشعبي في قطاع غزة ووجدت صعوبة في السيطرة عليه. أدى الأمر أيضًا إلى موافقة قيادة حماس على إقامة حكومة وحدة فلسطينية.
في هذه الأثناء، جرت حادثة اختطاف الشبّان الثلاثة، التي جعلت إسرائيل تردّ بقوة ضدّ مسؤولي حماس في الضفة. في هذا الإطار أضرّت إسرائيل بأحد الإنجازات الكبرى لحماس: إطلاق سراح الأسرى في صفقة شاليط. اعتبرت حماس هذا حافزًا لعملية التدهور، والتي نهايتها: فقدان السيطرة على القطاع.
تحت هذا الافتراض الأولي فإنّ إسرائيل تقاتل ضدّ حماس التي وجدت أنّ القتال هو البديل الأقل سوءًا من ناحيتها. بسبب رؤيتها بأنّها قادرة على تحسين موقفها تحديدًا من خلال قوة التعويض، فإنّ هذا القتال ينطوي على الاحتمال الوحيد لإيقاف عملية إضعافها والعودة الكاملة للحكم في القطاع، وفي السلطة الفلسطينية بأكملها في المستقبل. وينعكس هذا أيضًا في مطالبات الحركة بالموافقة على وقف إطلاق النار، وليس فقط إطلاق سراح معتقلي صفقة شاليط وإنما أيضًا فتح المعابر مع مصر وغير ذلك. بالنسبة لحماس فإنّ إنهاء القتال في حالة “إعادة الأوضاع لما كانت عليه” فقط، قد يتم تفسيره ليس فقط كخضوع لإسرائيل، وإنما كأحد المسامير الأخيرة في نعش سيطرتها على القطاع.
في حالة كهذه، تواصل فيها إسرائيل وحماس الهجمات المتبادلة، حيث تطلب الحكومة الإسرائيلية على الأقلّ “إعادة الهدوء لسكان البلاد”، بينما تريد حماس إنجازات تضمن سلطتها؛ لذلك يمكننا أن نعرض عددًا من السيناريوهات المحتملة لمواصلة القتال وإنهائه. تم تخصيص هذا العرض للسيناريوهات للإشارة إلى اتساع عدم اليقين في الأوضاع الحالية. جميع هذه السيناريوهات محتملة.
أ. مواصلة القتال بمعاييره الحالية طوال الوقت: وفقًا لهذا السيناريو سيمتنع الطرفان عن عمليات تصعيدية تتجاوز إطلاق الصواريخ الفلسطينية والهجمات الجوّية الإسرائيلية، أو يتمّ إحباط أي مبادرات من نوع مختلف. هناك احتمال أيضًا بأن تقرّر إسرائيل وقف الهجمات من جهة واحدة، لاختبار حماس. توقف القتال، وفق هذا السيناريو، محتمل، إذا بدأت – نتيجة الهجمات الإسرائيلية – ضغوط داخلية على حماس من قبل الشعب الغزّي. من الصعب أن نفترض بأنّ ضغوطا كهذه ستتطوّر في الأيام القريبة، ولذلك فهو قتال مستمر. هناك احتمالات أخرى لإنهاء القتال يمكنها أن تتطوّر إذا انتقل الطرفان إلى أحد السيناريوهات التالية في القائمة.
ب. عملية عسكرية برّية واسعة النطاق لإسرائيل وسيطرة على المنطقة لمدّة طويلة: وفقًا لهذا السيناريو ستقرّر إسرائيل إيقاف إطلاق الصواريخ، وتدمير البنية التحتية التي تمكّن من هذا الإطلاق، من خلال التفعيل الهائل للقوات البرّية. يمكننا أن نقدّر بعض الخطوات المحتملة في هذا الإطار، ولكن في كل الأحوال فهناك احتمال كبير بأنّ يتطلّب الأمر تواجدًا هائلا للقوات البرّية في القطاع على مرّ الزمن. وفقًا لهذا السيناريو فإنّ توقّف القتال من خلال إطلاق الصواريخ والهجمات المضادّة هو أمر ممكن فقط مع تقدّم كبير لوحدات الجيش داخل القطاع بحيث تمنع إطلاق الصواريخ من خلال العثور على قدرات الإطلاق التابعة لحماس وللآخرين وتفكيكها. بالإضافة إلى ذلك يجب الأخذ بعيد الاعتبار أنّ الأمر يتطلّب وجود الجيش الإسرائيلي لفترات طويلة في القطاع من أجل منع تجديد الإطلاق، وربما أيضًا لإسقاط حكومة حماس، إلى جانب إدارة احتياجات المواطنين، وهكذا سيتطوّر قتال برّي ضدّ مسؤولي حماس، الجهاد وآخرين داخل القطاع. هناك احتمالات أخرى لإنهاء القتال يمكنها أن تتطوّر إذا انتقل الطرفان إلى أحد السيناريوهات التالية في القائمة.
ج. صورة النصر لحماس: وفقًا لهذا السيناريو فسيتطوّر وضع، من أحد السيناريوهات السابقة، تكون فيه حماس قادرة على ادعاء النصر على إسرائيل والتقدير بأنّ هذا الوضع سيحسّن بشكل كبير من صورتها وهيبتها بين السكّان في القطاع وبين جميع الفلسطينيين. هذا الوضع ممكن في أعقاب هجوم قاتل داخل أراضي إسرائيل، أو في أعقاب التسبّب بإصابات كثيرة في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي داخل القطاع. وقد يكون ردّ الفعل الإسرائيلي قاتلا أيضًا ويؤدّي إلى تدخّل خارجي. إنهاء القتال في هذه الحالة أمر ممكن في أعقاب التوصّل إلى اتفاق والذي يمكن إنجازه أيضًا على ضوء استعداد حماس لخفض سقف مطالبها في أعقاب بعد الشعور بأنّها خرجت منتصرة من الصراع وأيضًا في أعقاب الضغوط داخل إسرائيل، وفي هيئات دولية، لوقف القتال.
د. أضرار مدوّية بين أوساط السكّان الفلسطينيين: وفقًا لهذا السيناريو سيكون هناك تزايد كبير في عدد ضحايا السكان الفلسطينيين نتيجة لحدث واحد أو سلسلة من الأحداث. سيؤدّي هذا الوضع إلى تغيّر في السياسة المصرية الحالية من جهة، وإلى تدخّل دولي من جهة أخرى، وسيتمّ نتيجة لذلك تفعيل ضغط كبير على إسرائيل من أجل التوصّل فورًا إلى وقف إطلاق النار على حماس. قد ينعكس التغيير في السياسة المصرية أيضًا في فتح معبر رفع وتخفيف الضغوط على الأنفاق. هذا التغيير إلى جانب تنازلات إسرائيلية معيّنة، قد يعطي حماس صورة النصر المطلوبة.
هـ. مبادرة إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار مع حماس: وفقًا لهذا السيناريو، ستطالب إسرائيل بالتوصل إلى اتفاق مع حماس في الوقت الذي تكون هي مستعدّة للانسحاب إلى حدّ ما من موقف انطلاقها الحالي. يمكننا تقدير دوافع مختلفة للتغيير في السياسة الإسرائيلية، مثل: الحاجة إلى العودة في أقرب وقت ممكن إلى روتين الحياة في إسرائيل أو التفاهم، والحقيقة أنّه ليس هناك بديلا ذا صلة لحكم حماس في القطاع. ستفترض المبادرة الإسرائيلية أنّه من المطلوب إعطاء حماس فرصة عرض إنجاز أيّا كان (على سبيل المثال: تنسيق مع مصر لفتح معيّن للمعابر)، الأمر الذي سيمكّنها من ادعاء النصر وتعزيز شرعيّتها في غزة من جديد.
يمكن للسيناريوهات أعلاه أن تتطوّر في الوقت الحاليّ. بالإضافة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى سيناريوهَيْن يتجاوزان السيناريوهات التي تمّ طرحها أعلاه، ومن المناسب تحليلهما في إطار آخر:
1. سيناريو التواجد طويل الأمد للجيش الإسرائيلي في القطاع والذي من الممكن أن يؤدّي إلى تطوّرات داخل القطاع وفي النظام الدولي.
2. سيناريو يستند إلى تقديرات، يتحدّث فيه خبراء وشخصيات مختلفة، يكون مطلوبًا – وبموجبه- التوصّل إلى اتفاق يغيّر النظام الحالي في القطاع بواسطة تدخّل ملحوظ لمصر، السلطة الفلسطينية، دول أخرى عربية والمجتمع الدولي.
وأخيرًا، فإنّ هذا التحليل لا يؤدّي إلى “بيت القصيد”. لا يمكن أن نشير إلى السيناريو الأكثر احتمالا. إنّ هدف عرض السيناريوهات هو الإشارة إلى أكبر مساحة من عدم التيقّن الذي نعيش فيه بعد عدّة أيّام من بداية القتال. وهذا بخلاف ما كان في الماضي حين كان لدى حماس المزيد من المدّخرات، فقد كانت تكاليف الحرب أكبر بالنسبة لنا.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS