يستمر العدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة حاصدا المئات من الضحايا، لكن العدد الاكبر بين الشهداء يعود لاطفال هشمت صوارخ الطائرات الاسرائيلية اجسادهم الصغيرة ورؤوسهم وهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم ورؤوس ذويهم.
وفقا للامم المتحدة، فالطفل تعريفا هو كل شخص لم يتجاوز الـ 18 عاما، وهو كأي انسان آخر يتمتع بـ “حق الحياة” كالحق الاول في شرعة حقوق الانسان، لكن اعزائي القراء لكم هذه الاحجية: ما هو تعريف الطفل بالنسبة للاعلام “الممانعجي”؟
وللتوضيح، فإن كلمة “الممانع” كانت تكفي للاشارة اللغوية الى اننا نقصد الاعلام الذي يحاول دائما تبرير القمع والديكتاتورية التي يمارسها نظام ما بحجة انه “نظام ممانع” اي يمانع عقد اتفاقات سلام والذل والهوان امام اسرائيل. وهكذا فإن اضافة “جي”، وهي اضافة دخلت على لغة اهل المشرق من اللغة التركية، يجعل النسب مرتبطا بمهنة: فتتحول “الممانعة” باضافة “جي” الى مهنة للاسترزاق وليس مبدأ، وهنا بيت القصيد: “الممانعجي”!
بالنسبة لهذا الاعلام فإن الطفل هو كل انسان لم تقتله طائرات وبراميل وصواريخ رئيس النظام السوري بشار الاسد.
فهذا الاعلام ذاته الذي يرقص الآن على جثث اطفال غزة ومدنييها متاجرا بهم لتخدم مأساتهم الانظمة الديكتاتورية العربية وعلى رأسها نظام الاسد في سوريا، هو نفسه بكل طاقمه البشري والتقني اعتاد منذ 3 سنوات خداعنا وتضليلنا والتغاضي عن القتل الممنهج الذي يرتبكه الاسد بحق الشعب السوري واطفاله.
لكن حين كان الدليل واضحا على ان من قتل اطفالا في حلب مثلا هم شبيحة النظام، راح هذا الاعلام “الممانعجي” ينسب الامر كله الى “الحرب العبثية” هكذا من دون تحديد الفاعل!
يتهم الثوار بقتل الاطفال وتدمير المدن السورية مع انه من البديهي معرفة ان عصابات النظام السوري هي من تملك الطائرات الحربية (ميغ – 21 وسوخوي) وصواريخ “سكود” والاسلحة الكيماوية، وترمي البراميل المتفجرة بواسطة المروحيات فوق منازل المدنيين خصوصا في حلب، بينما يعتبر الهاون او “الغراد” هو اعلى سلاح تدميري بيد المعارضين.
أصاب بالغثيان فعلا حين ينعي الاعلام “الممانعجي” اطفال غزة وهو لطالما حلّل وهلّل لذبح اطفال سوريا. احسه بذلك يقتل اطفال غزة واهلها مرتين، فهذا اعلام فاجر في سوريا ويحاضر بالعفة في غزة.
اكثر من ذلك: وصل الدفاع عن نظام آل الاسد في سوريا الى مدى غير مسبوق، حين وصفت “حماس” نفسها التي يهلل هذا الاعلام “الممانعجي” لانتصاراتها وصواريخها اليوم، بأنها “خائنة” للشعب الفلسطيني، و”حليفة” لاسرائيل وباعت “القضية” لمجرد انها اخذت موقفا مؤيدا للثورة السورية، بل والادق انحازت للشعب السوري القتيل بوجه نظامه القاتل!
نعم هذه الانظمة الديكتاتورية بإعلامها المتاجر بالدم وفلسطين لا تستطيع ان تقرن القدس بالحرية، لان الهدف ليس تحرير الاراضي المحتلة بقدر ما هو العيش كالطفيليات على قضية فلسطين لضمان البقاء فوق الكرسي.
هذا الاعلام “الممانعجي” نفسه الذي لم ترف له جفن لاغلاق جبهة الجولان بوجه اي عملية مقاومة لاكثر من 40 عاماً من قبل نظام الاسد فوصف ذلك بأنه “حكمة” للاب القائد حافظ الاسد وابنه بشار، لا بل وصار ذهاب موفد بشار الاسد الخاص – رجل اعمال اميركي من اصل سوري – الى جنيف لفتح مفاوضات سرية مع حكومة ايهود اولمرت خلال تعرض لبنان لعدوان 2006 “فعل ممانعة”!
وحدهم اطفال حلب الذين سرقوا فسحة من الوقت بين برميل تلقيه طوافة لجيش النظام وصاروخ سكود تطقله عصابات الاسد من مناطق سيطرتها، فخرجوا حاملين يافطات معلنين تضامنهم مه اترابهم في غزة، وحدهم هؤلاء يعرفون بحدسهم الاولي ان القاتل الواحد وان الجريمة واحدة، وان كل بيت يقصف سلاح الجو الاسرائيلي فوق رؤوس الاطفال في غزة، انما يسقط سقفه وبنيانه على رؤوس اطفال سوريا.
وحدهم اطفال حلب يعرفون ان صواريخ سكود هذه يستخدمها الاسد ضدهم لم تكن بوصلتها يوما العدو الاسرائيلي، ووحدهم يعرفون ان طائرات نظامهم هذه التي تدمر احلامهم كما يدمر الاسرائيلي احلام الابرياء في فلسطين، لم تهب يوما ليس للدفاع عن اطفال غزة او جنوب لبنان، بل لتحفظ على الاقل ماء وجه بشار حين ضربت الطائرات الاسرائيلية اهدافا داخل سوريا ونفذت غارات وهمية فوق احد القصور الرئاسية خلال تواجد الاسد فيه!
وحدهم خرجوا من بين جنبات الموت ليعروا الاعلام “الممانعجي” ومرتزقة السياسة، ويصرخوا مدويا بأن الدم المسفوك في غزة وفي حلب وغيرها من مدن سوريا واحد، وبأن الطريق الى القدس لا تمر على جثث الاطفال في دمشق ودرعا وحمص وحلب وادلب والقصير والقلمون…