أعلنت الحكومة البحرينية يوم الأثنين 7 تموز/يوليو، وبشكل غير متوقع بأنه يتوجب على الدبلوماسي الأمريكي توم مالينوفسكي – مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، الذي وصل إلى الجزيرة الأحد في زيارة تستغرق ثلاثة أيام – أن يغادر البلاد “فوراً”. ومن المرجح أن يؤدي القرار إلى تشويش الخطوات المخطط لها بعناية لإجراء انتخابات في الخريف المقبل، ويمكن أن يؤثر على عمليات الأسطول الخامس الأمريكي، الذي يقع مقره الرئيسي في الجزيرة.
وفي الإعلان الرسمي، أُعلن بأن مالينوفسكي “شخصاً غير مرحب به”، ويعني ذلك إلغاء تأشيرة دخوله الدبلوماسية. وكون الشخص “غير مرحب به” أمر نادر الحدوث ويبدو أنه يحدث عادة عندما تكتشف الحكومة المضيفة قيام ضابط مخابرات بالعمل تحت غطاء دبلوماسي. وواقع اتخاذ مثل هذه الخطوة من قبل دولة تجاه حليفتها – ويتم الكشف عنها علناً – هو أمر غير عادي إطلاقاً.
وكونه المدير السابق لمنظمة ” هيومن رايتس ووتش” غير الحكومية في واشنطن، لدى مالينوفسكي سجل طويل في توجيه انتقادات علنية للبحرين – ففي عام 2012، وقبل تعيينه في وزارة الخارجية الأمريكية، ألقي القبض عليه في الجزيرة عندما كان يراقب مظاهرة [في العاصمة]. وكان السلوك المعين هذه المرة الذي اعتبرته المنامة على ما يبدو، مثيراً للاعتراض إلى درجة كبيرة ـ هو حضوره تجمعاً في شهر رمضان المبارك استضافه حزب المعارضة الرئيسي “الوفاق” ليلة الأحد – وهو الحزب الذي تدعمه الغالبية الشيعية في البحرين. ويبدو أن مالينوفسكي لم يكن قد عقد بعد أي من اجتماعاته الرسمية مع الحكومة البحرينية في تلك المرحلة.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية في الجزيرة أن مالينوفسكي “تدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وعقد اجتماعات مع طرف [واحد] دون أطراف أخرى بما يبيّن سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وبما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الطبيعية بين الدول”. وقد تكون حساسية البحرين قد برزت بصورة خاصة في أعقاب نشر مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” في نهاية الأسبوع المنصرم تم فيها وصف الانقسام الطائفي بين الأقلية السنية الحاكمة في الجزيرة والسكان الشيعة، دون الاستشهاد حتى ولو بمسؤول حكومي واحد.
ومنذ فترة طويلة، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه البحرين ممزقة بين الاهتمام بالشيعة السعوديين الذين يعانون من الحرمان الاقتصادي والسياسي والامتنان تجاه أسرة آل خليفة الحاكمة لاستضافتها منشأة بحرية أمريكية رئيسية. ومنذ أوائل 2011، عندما تم حظر المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، الأمر الذي دفع أعضاء البرلمان من حزب “الوفاق” إلى الاستقالة، تحاول واشنطن إحياء العملية السياسية في الوقت المناسب لكي يتم اجراء انتخابات في وقت لاحق من هذا العام. وقد تم الإفراج عن أحد الخصوم المخضرمين لـ آل خليفة من السجن في أيار/مايو، وتمت تبرئة زعيم “الوفاق” في حزيران/يونيو من تهم تتعلق بالتحريض والدعوة للإرهاب – بعد يوم من إجراء مكالمة هاتفية بين نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن والملك حمد، أكد فيها الأول على “المصالح الأمريكية المستمرة والمتداخلة [لضمان] قيام الأمن والاستقرار والإصلاح في البحرين”. وعلى الفور أدانت واشنطن، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي، مقتل شرطي باكستاني يعمل مع قوات الأمن البحرينية في نهاية الأسبوع الماضي.
وتشير مثل هذه التحركات [عن تنفيذ] تدابير لبناء الثقة تهدف إلى تشجيع مشاركة حزب “الوفاق” في الانتخابات، لكن قد تكون هذه التدابير قد خرجت الآن عن مسارها. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يمكن أن يرضي بعض الفصائل في البحرين، بما فيها الأقلية السنية التي تنظر بعين الريبة والشك إلى الشيعة من أبناء وطنها – الذين هم إخوان في الدين لإيران، التي تبعد مسافة 100 كيلومتر عبر الخليج. وُينظر إلى ولي العهد الأمير سلمان ووزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة داخل العائلة المالكة بأنهما يدعمان الإصلاح، على الرغم من أنه تتم مجابهة سلمان من قبل أقارب ذو نفوذ في الأجهزة العسكرية والأمنية الذين ضغطوا على الملك لكي لا يقدّم أي تنازلات للشيعة.
وعلى الرغم من إشارة بايدن إلى الشراكة التي تمتد سبعة عقود، إلا أن العلاقات الدبلوماسية الأخيرة تشكل تحدياً حتى قبل وقوع هذا الحادث الأخير. وأشار تقرير التفتيش الذي أجرته السفارة الأمريكية وسُرّب في آذار/مارس، إلى الصورة السلبية التي رُسمت للسفير توماس كرايسكي في وسائل الإعلام (التي تسيطر عليها الحكومة). وعلّق التقرير أيضاً على أن “الأنشطة المتعلقة بالشؤون العامة تعاني من نقص في التخطيط الاستراتيجي”. والسيد كرايسكي هو حالياً في إجازة من وظيفته في الولايات المتحدة؛ وفي غيابه، رافق كل من نائب رئيس البعثة وموظفي سفارة آخرين السيد مالينوفسكي إلى حفلة الاستقبال المثيرة للجدل التي أجراها حزب “الوفاق”.
ونظراً للتوترات السنية – الشيعية المستمرة في البحرين وموقع الجزيرة الاستراتيجي الهام في الخليج، تشكل البحرين عنصراً رئيسياً في مناقشات السياسة الأمريكية بشأن القضايا الإقليمية الملحة، بما في ذلك التطورات الجارية في العراق والبرنامج النووي الإيراني والتآمر الإقليمي، فضلاً عن قضايا الطاقة. ويمثل طرد مالينوفسكي أدنى المعدلات غير المريحة بشكل كبير في العلاقات الثنائية، وسيحتاج كلا البلدين إلى إعادة بنائها بسرعة قبل انتشار تبعاتها السلبية.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.