“الشرق الأوسط” الذي اخترعته القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية منذ قرن من الزمان تقريبا ، آخذ في التهاوي بسرعة حيث تقتطع (داعش) مساحة واسعة من الأراضي التي تمتد من ضواحي حلب الى تكريت والموصل ومنها الى الحدود الأردنية / العراقية.
الجغرافيا المصطنعة، التي أنشئت في خضم الحرب العالمية الأولى، عبر اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، في خطر. كل تلك الدول التي تشكلت من اقتطاعها من الإمبراطورية العثمانية ، معرضة للتفتيت. في هذه الدوامة الجيوسياسية فإن الناجي الوحيد في نهاية المطاف من هذه الدوامة هو بالتأكيد فكرة كردستان الكبرى.
“العراق يتفتت أمام أعيننا ويبدو أن إنشاء دولة كردية مستقلة نتيجة متوقعة سلفا” هذا ماقاله وزير الخارجية الاسرائيلي الصهيوني
المتطرف افيغدور ليبرمان في حديثه هذا الاسبوع مع وزير الخارجية الامريكية جون كيري ن وكان الحديث يتعلق في معظمه بحكومة إقليم كردستان في العراق، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وياللمصادفة تصدر النفط إلى إسرائيل (حكومة إقليم كردستان تنفي بغضب ذلك.)
عمليا تقوم البشمركة الكردية حاليا بالسيطرة على كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها بشدة، بعد الانسحاب المخزي للجيش المركزي المكون من أغلبية شيعية امام تقدم داعش ، وقد صرح رئيس اقليم كردستان الماكر مسعود بارزاني بإصرار وحسم ” سوف نستدعي جميع قواتنا للحفاظ على كركوك.”
كان الأمر مثل تسلم الجائزة الكبرى على طبق من ذهب؛ فمنذ حملة الصدمة والرعب في 2003 والحكومة الكردية تحاول بكل الوسائل الضرورية السيطرة على كركوك. وفي أي سيناريو مستقبلي ستكون كركوك محطة الوقود الجاهزة لتعزيز ثروة الأمة الكردية المزدهرة. وسوف يكون على بغداد مواجهة مستنقع آخر.
انه ليس سرا في “الشرق الأوسط” أن تل أبيب والأكراد كانا منذ ستينيات القرن الماضي ومازالا على علاقة مثمرة في المجالات العسكرية، وإلاستخبارات والأعمال. ولا يحتاج الامر الى ذكاء خاص للتكهن بأن اسرائيل سوف تكون اول من يعترف بدولة كردية مستقلة. . ولا عجب أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، قال للرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الاسبوع، “لقد أقام الأكراد، بحكم الأمر الواقع، دولتهم، وهي ديمقراطية. و أحدى علامات الديمقراطية هي منح المساواة للمرأة”
على الأقل أنهم ليسوا عربا
لماذا ياترى هذا الاهتمام المفاجئ برفاهية المرأة الكردية؟ شيء مريب يجري على قدم وساق. صحيفة وول ستريت جورنال التابعة لروبرت مردوخ تروج بشدة للاستقلال الكردي. ما الذي تسعى اليه تل أبيب هنا ؟ (يشير الى مقالة بعنوان: حانت اللحظة المناسبة لانفصال الكرد)
والخطاب الجمعي في وسائل الإعلام الإسرائيلية هو أن الاستقلال الكردي أمر في صالح اسرائيل لأن الأكراد، على الأقل، ليسوا عربا، أو فرسا أو اتراكا. اسرائيل تعتبر كردستان – على الأقل كردستان العراق – بأنها “كيان غير معاد” وأنها بشكل حاسم ليست معنية بالضبط بمحنة الفلسطينيين. .
من وجهة نظر إسرائيلية صرفة، يعتبر الأكراد مسلمين علمانيين معتدلين وأهم من ذلك أنهم وقعوا ضحايا للشوفينية العربية وعلى الأقل من الناحية النظرية، فإن الأكراد لا يعادون فكرة ” تقرير المصيراليهودي.”
وحتى الأهم من ذلك ان كردستان الكبرى ستكون منطقة عازلة مثالية تعمل بالتناغم مع المصالح الستراتيجية الاسرائيلية الأوسع فهي في دفعة واحدة، سوف تبتر تركيا وإيران والعراق وسوريا.
إضافة الى أن كردستان العراقية المستقلة لن تكون فقط “صديقا لإسرائيل”، ولكن أيضا، دولة مزدهرة قابلة للحياة؛ اربيل، على سبيل المثال، على الرغم من أنها ليست عربية،تريد تسويق نفسها كعاصمة السياحة العربية. وهذا كله في منطقة تعتبرها تل أبيب سلة من الدول الفاشلة. فمن لايحب ذلك؟
لعبة أنقرة المزدوجة
لذلك توقعوا من الآن فصاعدا كل التحركات في الظل من جانب إسرائيل للمضي قدما في بلقنة العراق إلى دولة سنية ودولة شيعية وكردستان العراق. ليس هناك شك في أن حكومة إقليم كردستان كانت عمليا مستقلة منذ حرب الخليج الأولى في عام 1991 – لها جيشها الخاص (البيشمركة) والآن صادراتها الخاصة من النفط.التي تنازعها عليها بغداد.
والقصة تمتزج مع الأساطير – مثل افتراض هوة لايمكن ردمها بين العرب والأكراد في العراق. وأيضا منذ ما يقرب من 10 عاما لم يكن هناك استطلاع للرأي ذو مصداقية واحد يشير إلى أن غالبية من الاكراد العراقيين يريدون الاستقلال. ومن ناحية اخرى: بقدر ما هناك توق للاستقلال فإن الأكراد هم أيضا جزء من الحكومة في بغداد.
على صعيد آخر، صحيح، أن حكومة إقليم كردستان قد توسطت لعقد هدنة هشة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني . ولكن القضية الكردية في كل من سوريا وتركيا أكثر تعقيدا. كان الأكراد السوريون يتمتعون بدرجة أكبر بكثير من الحكم الذاتي بعد اتفاق مع دمشق – على الرغم من أنهم امتنعوا في اللحظة الراهنة من المطالبة بدولة مستقلة في سوريا. والأكراد العراقيون مشغولون بمساعدتهم بخبرتهم في أساليب الحكم الذاتي.
ازدادت المسألة الكردية تفجرا بسبب تفضيل إمبراطورية الفوضى (امريكا) لاستراتيجية فرق تسد من تأليب السنة ضد الشيعة والتي تبدت في الحرب الخاطفة لداعش . وقد انجذب الشباب الكردي الساخط في تركيا – بتحريض من الخطابة الدينية السعودية، اضافة إلى التسليح والتمويل- للجهاد في سوريا. ودائما ما تجذب جنازات جهاديي داعش في مناطق الاغلبية الكردية عبر الأناضول، الحشود الكبيرة – وتتحول الجنازات الى فرصة مثالية لعمليات تجنيد يقوم بها عناصر داعش. .
هذا يحدث فقط – كما يصر العديد من الأكراد – لأن حزب العدالة والتنمية يشيح بوجهه. تصور المشهد حيث يتدفق الجهاديون عبر الحدود التركية السورية بموافقة انقرة (لأنها ضد الاسد) ولكن هناك عنصر يزيد المشهد تعقيدا وهو ان داعش في سوريا تقاتل الاكراد السوريين، والكثير من تسليح داعش يأتي مباشرة من تركيا.
الكأس المقدسة لأنقرة هو منع اكراد تركيا بكل الوسائل من المطالبة بالحكم الذاتي. وخطتهم الوحيدة حتى الآن هي إلقاء اللوم على الأكراد السوريين لصلاتهم مع حزب العمال الكردستاني.
يحدث كل هذا ضمن سيناريو تجارة مزدهرة؛ أكثر من 70 في المئة من قيمة التجارة السنوية البالغة 12 بليون دولار بين العراق وتركيا يمر عبر كردستان العراق، حيث تعمل أكثر من 1،500 شركة تركية. انها كومة من التناقض: نظريا أنقرة تدعم حكومة إقليم كردستان، ولكنها لن تحلم بدعم استقلالية أوسع لأكراد سوريا وتركيا.
ما هو مؤكد هو ان التمنيات – من تل أبيب إلى واشنطن – سوف تبقي على جدل الحسابات حول القضية الكردية ، بافتراض السماح لتركيا بدخول الاتحاد الاوربي (ولن يحدث هذا) هل ستكون كردستان الحدود الشرقية للاتحاد الاوربي بحكم الأمر الواقع؟. حدود تتاخم من؟ دولة (سنةستان) عبر بلاد الشام؟ على جثة البنتاغون بطبيعة الحال.،
ما تراه شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة – وكذلك إسرائيل – من ذلك كله، هو سراب وجود مصدّر رئيسي للنفط صديق للغرب في المدى الطويل. لهذا السبب تبدو البلقنة أمرا مغريا. وهذا لاعلاقة له بمسألة رفاهية الشعب الكردي بعد ظلم تاريخي. انها مسألة بزنس. وبما أنها مرة اخرى لعبة فرق تسد فعلينا توقع الكثير من التحركات العنيفة في انتظارنا..
بقلم: بيبي اسكوبار
ترجمة عشتار العراقية