في الصور كلها لا نرى شيئاً غير الموت: دماء كثيرة، سلاح، جثث مكدسة، مرمية على الأرض، او معتقلون محنيون، معصوبو الأعين. وفي مقابلهم رجال واقفون، ملثّمون أحياناً، ومبتسمون لكاميرا مصور ما أحياناً أخرى. هكذا يريدون الترويج لصورتهم من دون أي التباس.. وهنا تحديداً أساس المعركة: الصورة، التي تستخدمها “دولة الإسلام في العراق والشام” أولاً في سورية، والآن وبشكل كثيف في العراق.
لكن الصورة ــ السلاح هنا، ليست مجرّد توثيق للحظة. ليست دليلاً على السيطرة على منطقة، ولا على التقدّم على الأرض، ولا على “تصفية أعداء الإسلام”. أبعادها ودلالاتها واضحة: نحن الأقوى، ونحن الأكثر دموية، ومن لا يزال يشكّك، إليه المزيد من الصور. هكذا تزدحم مواقع التواصل الاجتماعي بصور “الغنائم” البشرية. مقاتل من داعش يتصوّر مع رأسين مقطوعين لـ”كافرين” وينشرها على “فيسبوك”… “اخ له في الجهاد” يصور يديه وعليهما كمية مرعبة من الدماء مع تعليق “المرة الأولى”. ومع تقدّم الأيام، تتطوّر تقنيات بثّ الصور، يتطوّر مضمونها، ليصبح التعاطي مع كل هذا الموت عادياً: هنا رجال مصلوبون لأنهم “حاربوا المسلمين”.. وهنا رجل يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد رميه بالرصاص وأمامه مقاتلان من “داعش” يضحكان.
إنها المفاخرة بالقتل الموثّق. بصورة قد تكون صحيحة وقد لا تكون. فمع نشر أوّل صورة من الموصل ـ والتي قيل إن “داعش” قتلت فيها مئات الجنود العراقيين ـ شككت الصحافة الغربية (البريطانية بشكل خاص) بالصورة واعتبرتها مزورة ومصممة على برنامج “فوتوشوب” راصدة عدداً من الأخطاء فيها. إلى جانب أن محتواها لا يتلاءم مع مضمون الأخبار الواردة من الموصل وباقي المدن العراقية. لكن التشكيك في هذه الصور لا يزيد إلا من خطورتها. فتصميم صور بهذه الدموية، وبهذا العنف هدفه واحد: تضخيم الهالة الإرهابية حول هذا التنظيم، وبثّ الرعب في صفوف معارضيه في العراق وسورية، وكل الدول الأخرى.. كأن صورة قتل “عادية”، صورة جثة واحدة سقطت بأسلوب قتل “تقليدي” لم تعد كافية، ولم تعد مجدية. فمعدّات التسويق تستلزم رؤوساً مقطوعة، تستلزم جثثاً متراكمة على أطراف طريق ما، في مدينة ما… وتستلزم قبل كل شيء التسويق لـ”مجاهدين” لا يقهرون، قادمين من كل الأطراف وإلى كل الدول: لا حدود معترفاً بها، إلا حدود الدولة الإسلامية، ومن يعارض، فليلقِ نظرة على الصور، وليتّعظ.
منذ العام 2000، وربما قبل ذلك، علمت التنظيمات الإسلامية المتطرفة كيف تستعمل الانترنت، علمت كيف تبثّ مقاطع صوتية، كيف تصور رهائنها وضحاياها، وكيف تروّج لأبطالها المفترضين.. وأكثر من أي وقت مضى، تعرف “داعش” اليوم كيف يسيطر طيفها على كل مواقع التواصل الاجتماعي: “فيسبوك”، “تويتر”، “يوتيوب”، “إنستاغرام”، تطبيقات خاصة على الهواتف الذكية… لتوافينا وتذكّرنا، نحن الناس العاديين الجالسين في بيوتنا نتابع التطورات عبر الشاشات والانترنت، أنها وصلت. “داعش” هنا.. تملأ عالمنا وفضاءنا. وإن كان “الإرهاب لا دين له”، فإن له أشياء كثيرة أخرى، أبرزها جهاز إعلامي يعلم أن المعركة، كل المعركة، قد تحسم بصورة واحدة.
ليال حداد