كشف تقرير لهيئة الإذاعة السويسرية “سويس إنفو”، عن أن الحوار بين المصريين والخليجيين، وصل إلى درجة الانفجار، خلال ندوة النقاشات المُغلقة التي عقدها مركز الإمارات للدراسات في أبوظبي يومي 15 و16 يونيو 2014 بعنوان “مصر: الواقع الراهن واستشراف التحولات المستقبلية”.
وخلال جلسة عن آفاق العلاقات المصرية – الخليجية، برزت الفقّاعات الأولى لاحتمال “الانفجار”، بعد أن انبرى بعض المشاركين الخليجيين إلى طرح تساؤلات موضوعية حول “ماذا تريد مصر حقًا من دول الخليج؟”.
بيد أن هذه التساؤلات صِيغت بأسلوب بدا استفزازيًا بشكل حاد للمصريين، لا بل وصل الأمر بأحد الباحثين الخليجيين إلى حدّ مطالبة السيسي بـ “تقديم أوراق اعتماده لديهم”.
وأشعل هذا الأمر بعض ردود الفعل المصرية الحادّة، وإن بذل بعض الموفدين المصريين جهودًا لاستيعاب التوتر، قائلين إن المقصود هنا هو أن يقدّم السيسي خطة وبرنامج عملٍ واضحيْن حول مستقبل العلاقات بين الطرفين.
وبحسب التقرير، فإن أسباب هذا “الانفجار” لم تكن واضحة تمامًا، خاصة وأن “شهر العسل” بين “الجمهورية الثالثة” المصرية، التي عاد أمر تأسيسها إلى كنَف المؤسسة العسكرية المصرية وبين حكومات الخليج، لا يزال في بداياته الأولى، وهو يتمثّل بالدعم المالي الخليجي الكثيف لمصر، في مقابل إعلان التزام القاهرة بدعم أمن المنطقة واستقرارها.
ورجح، أن “سوء التفاهم” أو التواصل بين المصريين والخليجيين له سببان مترابطان:
الأول، الغياب أو التغييب الكامل لأسس استراتيجية الأمن القومي العربي المشترك؛ تلك الاستراتيجية التي بُنِي فوقها طيلة زهاء نصف قرن (منذ الخمسينيات وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين)، صرّح النظام الإقليمي العربي، قبل أن يبدأ هذا النظام بالتآكل بالتدريج منذ الغزو العراقي للكويت ثم مع الاحتلال الأمريكي للعراق.
والثاني، أن مصر ودول الخليج معاً غارِقة حتى أذنيْها في مواجهة تحديّات داخلية جسيمة، تصل في بعض الدول إلى درجة التهديد الوجودي للكيان، وهذا ما يطلي إلى حدٍّ بعيد طبيعة إطلالتها على السياسات الخارجية بلون الحذر والشك، حتى من أقرب الحلفاء، وينطبق أكثر ما يصح على بعض الأوضاع الخليجية الراهنة (في الكويت مثلا).
لم يتوقف الجدل عن هذا الحد، فخلال جلسة تناولت دور “الإخوان المسلمين” ومستقبل دورهم في السياسات المصرية، خرجت أصوات تدعو إلى فتح الأبواب والنوافذ أمام فرَص المصالحة بين الدولة (وليس فقط النظام) وبين الإخوان، فيما الأغلبية الكاسحة في الوفد المصري، كانت تتخذ مواقف حادّة ضد أي حوار مع الإخوان، كجماعة ومؤسسة سياسية.
وبرر الداعون إلى المصالحة مع الإخوان بأن “الإخوان ارتكبوا في السلطة أخطاءً فادحة استعدت عليهم قطاعات واسعة في الدولة والمجتمع، لكن الحل لا يكون بالقمع والعنف الذي خبرته الجماعة طيلة 80 عامًا ونجحت في التأقلم معه والبقاء على قيد الحياة، بل في تشجيع العناصر المعتدلة في داخلها على إعادة النظر في تجربتها وبث الروح مجدّدا في شعارها الشهير “المشاركة لا المغالبة”. وما لم يتحقق ذلك، فقد تسير مصر برأيها في اتجاه “الجزأرة” (من الجزائر) أو حتى نحو ثورة دينية على النمط الإيراني”.
أما الأغلبية، فقد كانت ترسم صورة أولا قاتمة عن أهداف الإخوان، وعن رؤيتها لطبيعة الحل معهم، معيدين إلى الأذهان “حالة العداء الدائمة بين الإخوان وبين الدولة المصرية منذ أيام العهد الملكي وحتى الآن”، مشدّدين على أن المشكلة تكمُن في مواصلة تبعية الجماعة إلى تنظيمها الدولي الذي يرفض الانتماء الوطني المصري، وبالتالي، يرفض الدولة المصرية ويعتبر الكيان المصري “مجرد عقار في أوقاف الأمة الإسلامية”.
ويضيف هؤلاء أن الجماعة الآن تتكوّن من أربعة مجموعات: الكوادر التي تم اعتقالها وأودعت في السجون (ويتراوح عددها بين 15 إلى 20 ألفا)، وعناصر الجماعة الموجودة في الخارج والقيادات السرية في الداخل والكوادر الطلابية الدافعة في اتجاه العنف.
ويدّعي أنصار هذا الرأي أن ثمة أكاديميين في صفوف الإخوان، يعملون الآن على “تعبئة المجتمع، تمهيداً لثورة جديدة”، وهذا، برأيهم، ما عبّرت عنه وثيقة أخيرة للجماعة بعنوان “وثيقة القاهرة”، التي دعت إلى مواجهة ثورة 30 يونيو بثورة 25 يناير.
وقال أحد المشاركين إن الإخوان ربما يتقدمون قريباً بمبادرة سياسية جديدة، لكنها لن تكون موجّهة إلى الرئيس السيسي، بل إلى مؤسسة الجيش، لأنهم لم يتخلّوا بعدُ عن تمسّكهم بمحمد مرسي كرئيس للبلاد.
في حين أن السيسي كان أبلغ وفدًا من مجلس العموم البريطاني مؤخرًا، أنه مستعد للمصالحة مع الإخوان كأفراد، لكنه يرفض التعاطي معهم كجماعة، لأنه يعتبر هذه الأخيرة “تنظيماً إرهابيا”، علاوة على أن الجيش والأجهزة الأمنية يقفون بـ “الإجماع” ضد الإخوان.
أما السيناريوهات التي اقترحها هؤلاء حول مآل العلاقات مع الإخوان، فهي تندرج في أحد سيناريوهيْن اثنين:
1. سيناريو المواجهة المفتوحة والشاملة، وربط الصراع مع الإخوان في مصر بالمعركة الإقليمية مع الإرهاب ككل في الشرق الأوسط.
2. قيام الجماعة بإعادة النظر باستراتيجيتهم وتكتيكاتهم، وصولاً إلى تخلّيهم عن برنامج التنظيم الدولي، وبالتالي “تمصُّرهم”، ثم إبرام مصالحة مع النظام بمساعدة طرف ثالث.