دبي ـ (أ ف ب) – قطر التي تواجه فضيحة مرتبطة بحصولها على حق استضافة بطولة كاس العالم لكرة القدم في 2022 وانتقادات بسبب سياستها الداعمة للاسلاميين في العالم العربي، تجد نفسها معزولة نسبيا بعد سنة من استلام اميرها الشاب الشيخ تميم بن حمد ال ثاني سدة الحكم.
الا ان هذا البلد الصغير ما زال قادرا على استقطاب اهتمام الدول الكبرى بسبب ثروته الغازية الضخمة، وقد يتمكن من انعاش دوره الاقليمي من خلال تبني سياسة اكثر براغماتية وبالاعتماد على خبرة دبلوماسيته الجريئة وعلى وسيلته الاعلامية القوية “الجزيرة”.
وكان الشيخ تميم خلف في 25 حزيران/يونيو والده الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الذي تخلى عن السلطة فجأة بعد ان حول بلاده الى لاعب اقليمي وقوة مالية لا يستهان بها على مستوى العالم. وبلغ نفوذ قطر اوجه مع انطلاق الربيع العربي.
الا ان دعم قطر للاخوان المسلمين وصعود هؤلاء ومن ثم انهيارهم في عدد من دول الربيع العربي، اثر بقوة على دور قطر.
وقال المحلل السياسي الاماراتي عبدالخالق عبدالله “شتان بين قطر حزيران/يونيو 2013 وقطر حزيران/يونيو 2014، بين قطر الشيخ حمد بن خليفة وحمد بن جاسم (رئيس الوزراء السابق)، وبين قطر الشيخ تميم وخالد العطية (وزير الخارجية الحالي) من حيث الدور والمكانة والتأثير والنفوذ”.
واضاف عبدالله ان “الذي حدث انه خلال سنة واحدة تراجعت قطر الى درجة انها اصبحت معزولة حتى من اقرب الناس اليها في محيطها الخليجي، وخسرت اكبر ارصدتها في شكل التيار الاسلامي الذي صعد فجأة وهبط فجأة، وخسرت الرهان على الاخوان وعلى استمرارهم في الحكم”.
وبعد ايام قليلة من تنحي الامير السابق، قام الجيش المصري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس الاسلامي المدعوم من الدوحة محمد مرسي، ما شكل ضربة قاسية للاخوان المسلمين في مجمل العالم العربي.
وبسبب دعم قطر للاخوان المسلمين، ازداد التوتر داخل مجلس التعاون الخليجي بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين من جهة اخرى، وبلغ ذروته عندما سحبت الدول الثلاثة في اذار/مارس سفراءها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة.
وتقوم الدول الخليجية بذلك بالضغط على قطر من اجل تغيير سياستها التي اسس لها الامير السابق. وبحسب المحلل الفرنسي اوليفييه دالاج المتخصص في شؤون الخليج، فانه “بغض النظر عما اذا كان الشيخ تميم يريد او لا يريد تغيير سياسة والده، فان الاحداث هي التي فرضت نفسها عليه”.
وذكر دالاج بان الامير الشاب واجه بعد اسبوع فقط من استلامه السلطة، عزل الرئيس محمد مرسي “المدعوم ماليا وسياسيا من قطر”، فيما انسحبت حركة النهضة المدعومة بدورها من الدوحة، من الحكومة التونسية بعد تجربة عاصفة في الحكم.
وبحسب دالاج، فان “الشيخ تميم اضطر للتعامل مع الواقع عبر تدوير الزوايا، ولكن من دون التخلي تماما عن سياسة والده الشيخ حمد او سحب دعمه للاخوان المسلمين”.
والدعم المستمر للاخوان المسلمين هو ما يثير بشكل خاص غضب جيران قطر، لاسيما السعودية والامارات.
واتت عزلة قطر في محيطها الخليجي، بالتزامن ايضا مع تعاظم دور السعودية في الملف السوري على حساب دور قطر.
وفي خضم المشاكل السياسية لقطر، تلطخت صورة الدولة بسبب حملات شرسة تندد بالمعاملة السيئة المفترضة التي يلقاها مئات الاف العمال الاسيويين العاملين في مشاريع مرتبطة بمونديال 2022، فضلا عن اتهامات الفساد التي طالت ملف استضافة قطر للحدث العالمي.
الا ان ثروة قطر وقدراتها تتيح لها امكانية استعادة دور لها في المنطقة، ولكن باعتماد سياسة تتوافق اكثر مع توجهات دول الخليج بحسب المحللين.
وقال عبدالخالق عبدالله “لدى قطر امكانيات المال والغاز والكم الهائل من الموارد التي تستطيع ان تستعين بها للقيام بادوار جديدة، ولديها قناة الجزيرة. قطر لم تنته كليا ونهائيا … لديها شبكة علاقات اقليمية ودولية”.
واعتبر المحلل ان هذا الدور يمكن ان تستعيده قطر “اذا حلت خلافاتها الخليجية وتمكنت من ان تدخل الى وفاق مع الاطراف الخليجية الرئيسية، وخاصة السعودية والامارات، ولا اتوقع ذلك في المستقبل القريب”.
واضاف انه “اذا كانت قطر لا تزال تراهن على الاخوان وعودة التيار الاسلامي … اذا اختارت هذا الطريق، ستدفع الثمن”.
وبالرغم من خروج الامير السابق ورئيس وزرائه حمد بن جاسم من دائرة الاضواء، ان “الحرس القديم موجود وبقوة لدعم الامير” بحسب عبدالله.
ورأى المحلل ان الشيخ تميم “في وضع لا يحسد عليه بين توجهاته ليكون له اجندة مختلفة، وبين حرصه على ان يلعب دور استمرار السياسات السابقة”.
وبدوره رأى دالاج ان “دور قطر لم ينته اذ يمكنها ان تعتمد على ثروتها الغازية التي تضمن لها نفوذا قد يكون ضمر في الوقت الراهن، الا ان اساساته لا تزال قائمة”.
وفي هذا السياق، اكد خبير اجنبي طلب عدم الكشف عن اسمه ان قطر بالفعل “بدأت تعتمد مقاربة جديدة اكثر واقعية وبراغماتية”.