الإنذار الذي وجهه اللواء الليبي المتقاعد “خليفة حفتر”، باتخاذ إجراءات صارمة ضد من يتم القبض عليهم من الأتراك والقطريين، في حالة عدم تركهم ليبيا، خلال ٤٨ ساعة، يتجاوز في دلالاته كإجراء أمني إحترازي إلى ما هو أشبه بحرب الوكالة لصالح قوى إقليمية ودولية.
الإنذار لم يتضمن الإشارة إلى أية جنسيات أخرى، حيث قال العقيد محمد الحجازي، المتحدث باسم قوات اللواء حفتر في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول “على المواطنين الذين يحملون الجنسية التركية والقطرية، مغادرة المنطقة الممتدة من معبر أمساعد الحدودي شرقاَ، وحتى مدينة سرت غربا، خلال مدة 48 ساعة من مساء السبت”.
وهدد الحجازي بأن “من يتم القبض عليه بعد هذه المهلة، سيتخذ بحقه الإجراءات اللازمة”، من دون أن يحدد طبيعة تلك الإجراءات.
وبحسب المتحدث باسم قوات حفتر، فإن مبرر هذا الإجراء هو “ورود أنباء عن تواجد بعض ممن يحملون هاتين الجنسيتين، داخل الأراضي الليبية يعملون كمخابرات”، على حد قوله.
الإنذار الحفتري تلقفته أنقرة بشكل سريع، ووجهت قنصليتها ببنغازي لتنفيذ عملية إخلاء ٢٥٠ تركيا، كانوا يعيشون في جنوب البلاد، لم يتمكنوا من مغادرة مدينة بنغازي جواً، بسبب إغلاق مطار المدينة، بسبب الأحداث الجارية.
وتدرس القنصلية عدة خيارات، من أجل تأمين مغادرة الجالية التركية ليبيا بأمان، منها استخدام الخطوط الجوية الليبية، أو إحدى الخطوط الافريقية، في مدينة “لبرق”، نتجية عدم إقلاع الطائرات التركية من مطار لبرق بالمدينة.
وطلبت وزارة الخارجية التركية، في بيان سابق لها، من الأتراك المتواجدين على الأراضي الليبية مغادرتها، إذا لم يكن بقاؤهم هناك ضرورياً للغاية.
وفي 13 يونيو الجاري، أعلنت تركيا إغلاق قنصليتها العامة في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، وجددت تحذيرها لرعاياها من السفر إلى ليبيا وخاصة مناطق الشرق، بسبب الأوضاع غير المستقرة في الكثير من المدن الليبية.
ومنذ منتصف الشهر الماضي، تشن قوات حفتر عملية عسكرية باسم “عملية الكرامة” ضد مسلحين تقول إنهم “إرهابيون”، بينما يصفها مراقبون بأنها “انقلاب” على مؤسسات ما بعد 17 فبراير.
ويتهم حفتر الدوحة بأنها وراء محاولة اغتياله، وأن هناك دعما قطريا لإخوان ليبيا المهيمنين على حكومة طرابلس.
وتدعم تركيا وقطر جماعة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس، وترفض إسقاط تجربتهم في الحكم على غرار ما حدث في مصر.
ويبدي حفتر امتعاضا من الموقف التونسي الذي يصف عمليته بـ”الانقلاب”، وسبق أن حذر التونسيين من وصول داعش إلى ديارهم، في إشارة إلى حربه التي يقول عنها “ضد الإرهاب”.
حلفاء حفتر
بحسب تقرير صدر عن مركز ستراتفور الاستخباراتي بخصوص الجنرال الليبي المتقاعد “خليفة حفتر” وعلاقته الطويلة والوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، يتلقى حفتر دعما من قبل الجزائر، مصر، السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقال تقرير ستراتفور إن هذه الدول لديها طموحات متفاوتة من التدخل في ليبيا، لكنهم يشتركون في رغبتهم في احتواء النشاطات الجهادية والإسلامية بشكل عام في ليبيا، خاصة شرق ليبيا، الذي ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في استقراره كونه مصدرًا للنفط.
المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها منذ 18 مايو الماضي رصدت قنوات متعددة للدعم الدولي لحفتر، لكن هذا الدعم – يقول التقرير – لم يزل في البداية، ويبدو أن الهدف منه هو بناء زخم داخلي لإيجاد دعم لحفتر، قبل أن يزداد الدعم ويتم توجيهه في مسارات أكثر خطورة.
لاحظ ستراتفور تحركات عسكرية كبيرة تقوم بها الولايات المتحدة في المنطقة خلال الآونة الأخيرة، لقد وضعت واشنطن حوالي 200 من مشاة البحرية الأمريكية في صقلية، كما حركت سفنًا هجومية من مقر الأسطول الخامس الأمريكي إلى المتوسط، هذه السفن والأسلحة تحركت بشكل استباقي لتسهيل عمليات إجلاء محتملة لأمريكيين من السفارة الأمريكية في طرابلس، وهذه الخطوة وحدها تكشف توقعات الولايات المتحدة بحدوث زعزعة للاستقرار في العاصمة الليبية، بغض النظر عن تدخل واشنطن في دعم حفتر من عدمه.
يضيف التقرير “لن ينجح حفتر ولا قواته في احتلال شرق البلاد بدون دعم دولي كبير، مصر هي اللاعب الإقليمي الرئيسي في هذه الحالة، والتي يمكن الاعتماد عليها من قبل الطامحين في القضاء على الربيع الليبي لتقديم مساعدات عسكرية لحفتر، يقول التقرير إن هناك شائعات تشير إلى أن هناك أفراد من الجيش المصري بالفعل قد وصلوا إلى شرق ليبيا، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الاستقصاء”.
يشار إلى أن ستراتفور هو مركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي، يعد أحد أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية.
تطلق عليها الصحافة الأمريكية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل” أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، معظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأمريكية.
أبوختالة في المشهد
حرب الوكالة أخذت أبعاد أخرى خاصة في عملية اختطاف” القيادي الإسلامي أحمد أبو ختالة الذي أعلنت واشنطن القبض عليه الثلاثاء الماضي خلال عملية سرية على الأراضي الليبية بعد اتهامه بالوقوف وراء الهجوم على قنصليتها ببنغازي عام 2012 .
واتهم مجلس شورى ثوار مدينة بنغازي شرقي ليبيا، قوات تابعة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، “بتسهيل عملية اختطاف” أبو ختالة”.
وكشف المجلس في بيان، إن “عملية القبض على الشيخ أحمد أبو ختالة تمت في احدى بوابات التابعة لقوات متحالفة مع حفتر وعندما عرفوا هويته سارعوا للاتصال بالأمريكان ليقدموه عربون عمالتهم لهم”.
وتابع البيان “نتحدى أمريكا أن تظهر حقيقة العملية التي تم بها اختطاف الشيخ وتكذب روايتنا، كما نؤكد لها أن اختطافه لن يزيدنا إلا صمودا وتحديا لعملائها حتى نطهر الأرض منهم وحتى يتحقق لشعبنا وبلدنا أسباب العزة والظهور بإقامة الشريعة التي لأجلها نحارب اليوم”.
كما أوضح المجلس “أن أبو ختالة اعتزل الساحة بعد انتهاء حرب التحرير (ضد قوات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي) وحلّ كتيبته وانصرف لحياته الخاصة ” على حد قول البيان .
وبحسب بيان ثوار بنغازي فإن “أبو ختالة لم تكن له حراسة كما أدعى الأمريكان رغم التهديدات الأمريكية له” مؤكدين على أن الأخير “كان يتحرك بحرية داخل بنغازي إيماناً ببراءته من الاتهامات الباطلة”.
ما بين إنذار حفتر للأتراك والقطريين دون غيرهم، وكواليس الاختطاف الأمريكي لـ”أبوختالة”، تبدو الرسالة واضحة، والمضمون أن ما يحدث في ليبيا ليس ليبي الهوى، وأن الشعب الليبي سيكون ضحية لحرب الوكالة لحساب قوى إقليمية ودولية.