يتشكل في الأفق ما يوحي أن معادلات متعددة في طريقها للتغير بعد انضمام الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي لقواعد اللعبة المستجدة، بعنوان التمحور مجددا إقليميا خلف السعودية والسهر على تحويل «القاهرة» لمركز صناعة للقرار العربي الممثل للنظام الرسمي.
زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أصر فيها على مصافحة السيسي وتهنئته على أرض المطار وداخل الطائرة وفي طريق عودته من مراكش إلى بلاده سبقتها الكثير من الاتصالات والتغييرات التي تستعد فيما يبدو لمرحلة جديدة في صناعة حالة تمحور على أنقاض «الربيع العربي».
عملية «نفخ» في الدور المصري بزعامة السيسي تحديدا حصلت وستحصل خلال الأسابيع القليلة المقبلة حسب المعلومات التي تؤشر إلى «تغييرات جذرية» في طبيعة التحالفات وتركيب التفاهمات على المستوى الإقليمي.
الهدف هو عودة القاهرة للعب دور مركزي على صعيد «الملف الفلسطيني»، لكن بأدوات مختلفة هذه المرة وتكليفها بمهمة التعاطي مع «الواقع السوري» الجديد، على أن تتحدث هنا حصريا باسم المجموعة العربية، والسعودية على رأسها، بالتلازم مع تغذية القنوات المفتوحة أصلا مع إيران.
الأدوات تبدو مهمة في هذا السياق وتحديدا على الصعيد السوري والفلسطيني.
فلسطينيا، غادر الرئيس محمود عباس حفل تنصيب السيسي منزعجا لأنه لم يحظ بـ«لقاء خاص» فيما بدأ خصومه العلنيون، وتحديدا الذين فصلهم من حركة فتح، بالتجمع والحشد في القاهرة، مما سيوفر لها زخما في نظام الاتصالات الأمنية والسياسية المعنية بالملف الفلسطيني.
معنى هذا الطرح أن القاهرة ستلعب فلسطينيا مع التيار المخاصم لعباس، لكنها تظهر حرصا إضافيا على الاستمرار في «عزل» حركة حماس عن كل السياقات المحتملة وتعزيز وإسناد بديلها الجاهز في قطاع غزة وهو حركة الجهاد الإسلامي، حيث تنامت بوضوح الاتصالات بالقنوات الأمنية المصرية مؤخرا مع الدكتور رمضان شلح ضمن حزمة مدروسة بعناية للتقارب أيضا مع «ممثلي» إيران في المنطقة.
باللغة المصرية ستقايض القاهرة الاهتمام بالجهاد الإسلامي بالتعاون الأمني في سيناء. ومن الواضح أن حركة الجهاد ليست في وارد المجازفة برفض المغريات المصرية بسبب الحسابات الإيرانية المعقدة في السياق، خصوصا وأن بوابة القاهرة- طهران فتحت نصف فتحة في الآونة الأخيرة ليس على هامش التهنئة الإيرانية الرفيعة للسيسي في حفل التنصيب، وفقط.
لذلك يبدو السيسي مهتما بل موكلا بتنمية الظروف الملائمة التي تسمح بالمزيد من الانفتاح الخليجي على الإيرانيين، الأمر الذي يفسر عمليا «التراخي» الإيراني النسبي في دعم وإسناد وتغطية كل تصرفات حكومة نوري المالكي في العراق، حيث تضاعفت الاتصالات «الأردنية» مؤخرا مع إياد علاوي والسعودية مع أطراف متعددة في المعادلة العراقية الداخلية من ضمنها شخصيات من طراز هوشار زيباري والدكتور غسان العطية وحتى أحمد الجلبي لكن بصورة أقل.
على جبهة الملف السوري، تبدو التطورات السعودية- المصرية أكثر إثارة، فعلى هامش لقاء «الطائرة» بين العاهل السعودي والرئيس المصري بحثت فعلا قبل وبعد اللقاء بدعم خلفي من «أبو ظبي» فكرة بسيطة تسأل عن إمكانية استبدال «جنيف 3» بـ«القاهرة 1» فيما يتعلق بالبحث الإقليمي والدولي للمشهد السوري.
الفكرة سالفة الذكر تبدو أولية وطموحة إلى حد كبير، لكن مصدر مطلع أبلغ بأنها تستقر في المطبخ الخليجي والفلسطيني المتفاعل مع «جماعة السيسي»، ثمة فكرة لا ترفضها السعودية في السياق بعدما تواصل اعترافها بواقع «بقاء الرئيس بشار الأسد» في السلطة ورحيل مشروع «إسقاط» نظام دمشق، وهي «تجريب» قناة السيسي الذي لا تربطه حلقات «عدائية» مع النظام السوري من ناحية عملية، خصوصا وأنه سبق أن أوفد مبعوثين عندما كان وزيرا للدفاع لدمشق في إطار تبادل الرسائل.
هنا حصريا يقفز دور محتمل لمعادلة الرئيس نبيه بري في لبنان في ظل إصرار السعودية على عدم التواصل بأي شكل مع حزب الله، لذلك تفاعلت اتصالات السيسي مع نبيه بري، وثمة برنامج لتبادل المشورة والتقارير والخبرات إضافة للمجاملة الكبيرة التي قام بها بري في حفل تنصيب السيسي.
عمليا، تبدو أبو ظبي التي حافظت طوال الوقت على مسافة متباينة من السعودية وقطر من المسألة السورية متحمسة لفتح قنوات الاتصالات مع معادلة الرئيس نبيه بري، بالتوازي مع «نضوج» فكرة حلفاء السعودية في تيار المستقبل اللبناني، بعنوان “لماذا لا نتصل بطهران ونتحدث معها؟”.
وهي معادلة تحدث عنها بوضوح وعلنا الأمين العام لتيار المستقبل الشيخ أحمد الحريري في عمان. حركة أمل من جانبها تبدو «مهتمة» بالانفتاح أكثر على النادي «الخليجي»، فرئيسها قد يزور عواصم خليجية قريبا بعد زيارة ثانية للقاهرة وبعدما وضع الأمير سعود الفيصل ونظيره الروسي لافروف حجر الأساس لتفاهم دبلوماسي أولي بالرياض، يمكن أن يقود لتفاهمات أكبر مستقبلا تخدم هدفا لم يعد مخفيا وهو التعاون الإستراتيجي العسكري بين روسيا والسيسي بناء على نظرية تبدو مستقرة في الذهن الخليجي اليوم بعنوان «خيانة واشنطن» عندما دعمت الأخوان المسلمين.
ليس سرا في السياق أن تحالف السيسي مع المحور الخليجي العلني سيعمل على استهداف هوامش المناورة «القطرية»، وسيعزز القناعة بالتواصل مع تركيا آردوغان عندما يعالج الأخير مشكلاته العراقية والسورية عبر بوابة حلف الأطلسي والمشاركة في حفلة “التصدي للإرهاب”، حيث تقدم الأتراك خطوة في السياق بمعركة «كسب» الأخيرة لصالح النظام السوري.
ليبيا أيضا في الحسابات الضيقة للتحالف المصري الخليجي الجديد وكل أعين أجهزة الاستخبارات المصرية تراقبها والتواصل متفاعل جدا مع القوة الجديدة النامية في ليبيا الممثلة بقوات اللواء خليفة حفتر الذي أرسل فيما يبدو مبعوثا مؤخرا التقى السيسي وحصل على ضمانات بالتعاون.
بسام البدارين / عمان ـــ “القدس العربي”